بعد تصريحات وزير العدل الأخيرة تأكد لنا بما لا يجعل مجالا للشك أن مهنة المحاماة المعني المباشر بجميع تعديلات مشاريع القوانين، وأن المحامي هو المستهدف المباشر بما سطر بمواد المسطرتين المدنية والجنائية انتهاءا بقانون مهنة المحاماة.
أنصتنا بعناية مهنية وقانونية للتصريح الأخير لوزير العدل، محاولين بذلك فهم وجهة نظر الحكومة من خلال وزارة العدل في التشريع وخاصة المتعلق يومه بقانون المسطرة المدنية، الذي عرض على التصويت على البرلمان بعد انسحاب السواد الأعظم من ممثلي الأمة، وترك مجال التشريع ساحة فارغة دون معارضة حقيقية لمواد أحدثت بشكل فجائي غير مسبوق في غياب التشاركية في الحوار، كما نص عليه دستور المملكة.
لنصبح بذلك أمام تصور فرداني لشخص الوزير الذي حاول التملص من المسؤولية، بقوله أنه ليس من شرع تلكم المواد وإنما هي الحكومة بوزرائها وقوله، "حنا غير كناكلو العصا" وهو تصريح خطير جدا تتحمل مسؤوليته الحكومة في التعقيب عليه، لتجيب الرأي العام عن أهم سؤال: "من يشرع بالمغرب ولفائدة من يشرع؟!"
تصريحات وزير العدل والتي روجت لمغالطات خطيرة وغير قانونية في محاولة منه لدغدغة مشاعر المواطنين والتي أقحم من خلالها مهنة المحاماة وأتعاب المحامي التي لا حق للوزير في مناقشتها اطلاقا ولا حق للحكومة بوزرائها مناقشتها وخاصة أنها معلومات خاطئة ومغلوطة.
ربط أتعاب المحامي بتسقيف ولوج المواطن المغربي للمحاكم بمختلف درجاتها، والقول أن أتعاب المحامي تصل إلى 100 ألف درهم، في حين أن موضوع الدعوى لا يتعدى 30 ألف درهم، هي معلومة لا أساس لها من الصحة ولا يتحملها لا العقل ولا القانون ولا رسالة مهنة المحاماة، ونسي بذلك أن تحديد الأتعاب يكون باتفاق الأطراف وفي حالة النزاع يحددها نقيب الهيئة المنتمي إليها المحامي، مراعيا في ذلك قيمة النزاع والإجراءات المتخذة والعناية المبذولة، وقيمة الدعوى موضوع النزاع، ولا تنتهي مسطرة الاتعاب إلا بعد القول الفيصل للقضاء بغرفته الخاصة في تحديد الأتعاب، وبهذا نكون أمام مسطرة قانونية تحفظ من خلالها مصلحة الموكل أولا قبل الدفاع.
وإنما ربط أتعاب المحامي بمواد تسقيف الولوج المستنير لأهم مرفق عمومي بالبلاد وهو العدالة، هو تحوير النقاش الأساسي ومحاولة فاشلة للتملص من المسؤولية وهروب غير موفق من الجواب الصحيح للسؤال، والذي هو جعل ولوج العدالة بالحق في مراحل المحاكمة العادلة لمصلحة الأغنياء فقط وهو كارثة وردة تشريعية خطيرة وغير مسبوقة لدولة من المفروض أن يحترم وزرائها المواطن المغربي بالحق الذي يكفله لهم الدستور والذي هو أسمى قانون في البلاد.
وأما ربط التسقيف كذلك بالتغريم، هو مخالفة لدستور المملكة المغربية وترهيب مقنن ومقنع للمواطن المغربي ومنع صريح من سلوك مساطر قانونية وقضائية تحت ذريعة التقاضي بسوء نية، التي لم ولن تستطيع الحكومة تحديد وجه سوء النية وعناصرها التكوينية، للقول بتغريم المواطن من أجلها، سوء النية يدخل في النيات والاحتمال وهل القانون يعاقب على النيات التي لا يمكن لأي كان تحديدها، وإنما بذلك تفترض الحكومة أن أي مواطن هو سيء النية في الالتجاء للقضاء، إلى أن يثبت العكس، فكيف سيثبت المدعي حسن نيته؟! و كيف سيثبت القضاء سوء نيته مثلا؟! وهل سنحتاج لمناقشة الدعوى أمام المحكمة مناقشة القانون، أم سنحتاج استحضار التنجيم الفلكي لمناقشة القضية تحت قسم يؤديه المدعي أمام المحكمة عن حسن نيته قبل البت في ملفه؟
وأما القول بأن المسطرة المدنية تهدف من خلال تغريم أطراف الدعوى أن دفع أحدهم بمخاصمة القاضي أو الدفع بالتجريح أو الدفع بالتشكك المشروع.. و القول أنه حماية للقاضي من التشهير أمام الرأي العام! هو قول لو صدر عن وزير لا يعرف القانون، لالتمسنا له العذر بجهله القانون وأن كانت القاعدة أنه لا يعذر أحد بجهله القانون، وإنما ان يصدر عن وزير للعدل يدافع بشراسة غير مسبوقة وغير معهودة لنصوص وجدناه، هو شخصيا غير مقتنع بها من خلال جوابه المفتقر للأرضية القانونية والمفروض فيه أن يعلم أن التجريح والمخاصمة والتشكك المشروع مساطر كتابية توجه عبر قنواتها القضائية والمسطرية طبقا للقانون ولا يعلم بها إلا رافعها، والموجهة ضده ولم تكن يوما كما يدعيه الوزير علنية ولم تنشر يوما للرأي العام ولم تكن يوما موضوع مرافعة شفوية وكانت دائما في الإطار الذي يسمح به القانون فإن قبلت وفقا للقانون، فيتم اتخاذ الإجراءات المناسبة لذلك، وإن تم رفضها وفقا للقانون يستمر القاضي للبت في الدعوى دون خلفيات على اعتبار أن القاضي هو المكلف بحماية حق المتقاضي ولا يحكم بشخصه وإنما بما يناقش أمامه، وبالوثائق المعروضة أمامه ولم يكن يوما خصيما للمتقاضي.
تغريم المواطن المغربي لإقامة مسطرة التجريح والمخاصمة، هو ما سيحس المواطن في حالة رفض طلبه أنه في خصومة مع القضاء، فلا يمكن تغريمه لشخص وصفة القاضي ثم جعل نفسه القاضي من سيفصل في دعواه ؟! غير مستساغ وغير منطقي إطلاقا.
تسقيف الولوج للعدالة هو جعل الأحكام الابتدائية التي لا تتجاوز قيمتها ثلاثون ألف درهم وجعل الحكم الابتدائي نهائي دون إمكانية الطعن بالاستئناف، ودون إحالة الملف على المحكمة إلا على درجة لمناقشة الملف من جديد، وحتى اللجوء لمحكمة النقض باعتبارها محكمة قانون لا تفصل في الدعوى موضوع النزاع وإنما تراقب التطبيق السليم للقانون هو إعدام معنوي للمواطن المغربي ومن شأنه أن يفتح أخطر باب لشرع اليد.
فحتى القول بأن هناك مكنة ثانية وتتمثل في الطعن بإعادة النظر أمام رئيس المحكمة المصدرة للحكم، هو قول لا يستقيم وغير منطقي.
أولا، لأنه سيفرغ مؤسسة رئيس المحكمة من وجودها القانوني الأصلي وسيحمل رؤساء المحاكم مهام محكمة الاستئناف، وسيصبح رئيس المحكمة أمام آلاف الملفات موضوع التعرض. فكيف سيبت في تلكم الملفات؟ وكم من الوقت سيحتاج؟ وهل تصوره القانوني سيخالف تصور الهيئة القضائية مصدرة الحكم؟! وهل توجهه دون مناقشة الملف مع الأطراف لتكوين قناعته سيمكنه من اتخاذ ورؤية غير ما رأته الهيئة القضائية مصدرة الحكم؟! لنصبح أمام توجه رئيس المحكمة في غير توجه القاضي الذي هو بنفس المحكمة؟!
أسئلة كثيرة جدا لن نجد لها جوابا يوما ببساطة لأنها تدخل في اللامعقول واللامنطق وبها نستشرف لرؤية مستقبلية سوداء غير رمادية، ولن تكون في صالح المواطن المغربي أبدا ونهائيا.
فإن كان المشرع المغربي يهدف بالأساس إلى حماية المواطن المغربي والحفاظ على حقوقه وفقا لقانون يحترم الحقوق والحريات والمحاكمة العادلة، فإن مشروع قانون المسطرة المدنية بعلله المعروضة على مجلس المستشارين ما هو إلا انتكاسة حقوقية وردة تشريعية لا يمكن للدفاع تمريرها أو قبولها أو التغاضي عنها وذلك لأن الدفاع يقدم دستور المملكة المغربية عن أي مشروع قانون يضر بالمواطن المغربي.
فاطمة الزهراء الابراهيمي/ محامية بهيئة المحامين بالدار البيضاء