كان في قرية هادئة بعيدة، شاب اسمه أيوب، ذو نظرة مشعة وشغف لا ينتهي لاكتشاف أسرار الحياة.
كانت عيناه هما رفيقاه الأوفياء، يلتقط بهما ملامح العالم، ويغذي بهما أحلامه الطموحة.
لكن في يومٍ عصيب، جاء حادث مروع وقلب كل شيء؛ إذ أُصيب أيوب في عينه، وتشققت قرنيته، ذلك الغشاء الرقيق الشفاف الذي يسمح للضوء بالمرور ويشكل الصور.
فغرق العالم الذي اعتاد رؤيته في ظلام حالك.
بات أيوب كالتائه في بحرٍ بلا بوصلة، فقد رؤيته وأُثقل قلبه بالحيرة.
وكان والداه، بسطاء الحال، يتحسران على عجزهما عن مساعدته.
"هل يعود النور لعينيه يوماً؟"
تساءلا بقلوبٍ مثقلة بالألم.
فقيل لهما إن هناك فرصة ضئيلة، عملية يمكنها إعادة البصر لأيوب، بشرط إيجاد قرنية سليمة تُؤخذ من شخص فارق الحياة حديثاً.
لكن مثل هذه العملية ليست بالأمر اليسير، فالقرنيات نادرة والمستشفيات المختصة بعيدة.
لم ينل اليأس من أيوب وأهله؛ قرروا أن يبذلوا كل جهد للوصول إلى المدينة حيث قد تلوح فرصة لاستعادة النور.
غير أن الطريق كان محفوفاً بالعقبات؛ لم يكن لديهم المال اللازم للسفر، ولا ضمانة بوجود طبيب متاح.
ومرت الأيام، والانتظار يزداد ثقلاً على صدورهم، وكل عائق كان يبعدهم عن تلك الفرصة المنتظرة.
وذات يوم، انتشرت في القرية شائعة؛ قيل إن فريقاً من الأطباء المتنقلين سيزور المركز الصحي القريب بعد بضعة أسابيع.
وبعزيمة تغذيها الآمال، انطلق أيوب في رحلة طويلة نحو ذلك المركز، قاطعاً مسافات طويلة رغم المشقة.
عبر الحقول والتلال، ممسكاً بحلمه كمنارةٍ في قلبه، قطع العشرات من الكيلومترات. عكازه الوحيد، أسرته.
وعندما وصل أخيراً إلى المركز، فحصه الطبيب بعناية وأخبره بنبأ أضاء قلبه:
سيحال على مستشفى يتوفر على فريق طبي متخصص في أمراض العين.
و الاجمل ان هناك إمكانية توفر قرنية، تبرعٌ كريم من روح غادرت الحياة مبكراً.
وبعد أيام قليلة، أُجريت العملية، وبدأ أيوب يشعر بالنور يتسلل إلى عينيه من جديد. انقشع الظلام، وعاد العالم أمامه بألوانه البهية.
عاد أيوب إلى قريته وقد تحول إلى شاب جديد، مليء بالامتنان لكل تفاصيل الطبيعة التي أعاد اكتشافها.
صار يروي قصته لكل من أراد السماع، قصة شجاعة وتحدٍ، وأصبح، لأهل قريته، أسطورةً حية؛ الشاب الذي، رغم كل شيء، استعاد النور.
نعم استعاد النور لكن بفضل قرنية تبرع بها شخص فقد الحياة قبل الأوان: تبرع بالقرنية بعد الوفاة.
قصة بقلم الدكتور أنور الشرقاوي