يرى د. محمد نشطاوي، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للمغرب في أكتوبر 2024 تحمل أبعادا كثيرة. وأشار إلى أن طرد فرنسا من دول الساحل والصحراء، وتعويل ماكرون على الجزائر كان خطأ استراتيجيا، وبالتالي فهو يحاول إصلاح ما أفسده، عبر إعادة النظر في علاقته مع المغرب، وهو الأمر الذي انطلق منذ الاعتراف الفرنسي بأن الحكم الذاتي هو الحل الوحيد لمشكل الصحراء المغربية. وأكد بأن الضمانات الأساسية لديمومة هذه الشراكة هو الاحترام المتبادل بين البلدين وتبادل وجهات النظر في القضايا المشتركة.
ماهي أبعاد زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون للمغرب بعد ثلاث سنوات من حالة الجفاء الذي ميز العلاقة بين البلدين ؟
زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للمغرب لها أبعاد كثيرة، ولا بد من وضع هذه الزيارة في سياقها الجيواستراتيجي، فالرئيس ايمانويل ماكرون راهن على الجزائر وخرج خاوي الوفاض، وتونس حاليا منشغلة بمشاكلها الداخلية. طرد فرنسا من دول الساحل والصحراء، وتعويل ماكرون على الجزائر كان خطأ استراتيجيا، وبالتالي فهو يحاول إصلاح ما أفسده، عبر إعادة النظر في علاقته مع المغرب، وقد انطلق ذلك منذ الاعتراف الفرنسي بأن الحكم الذاتي هو الحل الوحيد لمشكل الصحراء المغربية، وبالتالي فالمغرب أصبح بفضل مداخله في القارة الإفريقية، بعد أن اكتشف أن قوته عبر التاريخ تكمن من خلال عودته الى جذوره الإفريقية، حيث عمل المغرب على تفعيل مختلف الآليات التي يتوفر عليها سواء الاقتصادية أو السياسية وحتى الدينية. وفرنسا تعول على هذه المفاتيح من أجل إعادة التمركز في القارة الإفريقية، وخصوصا أن الحضور الفرنسي لم يعد مزاحما فقط من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وتركيا والصين، بل كذلك من المغرب. وهنا لابد من التأكيد على الخلافات الحاصلة بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا فيما يتعلق بإفريقيا، ففرنسا هي كذلك قلقة من حيث الحضور الأمريكي في المغرب وما نتج عن ذلك اقتصاديا وسياسيا بخصوص الصحراء في ظل الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، بالإضافة الى الجانبين الأمني والعسكري، لا سيما مناورات الأسد الإفريقي، وهو الأمر الذي يظهر بأن هذه الزيارة هي مهمة جدا بالنسبة للطرف الفرنسي.
ماهي توقعاتك لآفاق ما بعد زيارة ماكرون والاعتراف بمغربية الصحراء؟
لاننسى شيئا أساسيا وهو أن هناك حضورا اقتصاديا قويا لفرنسا، حيث تم توقيع اتفاقيات مهمة في مجال الطاقة والمياه والتعليم وفي المجال الأمني. واذا ما استمعنا الى خطاب قصر الإليزيه، فهذه الزيارة تمثل الطموح الجديد للسنوات المقبلة في العلاقات الفرنسية – المغربية، وأكد ان رؤساء ومدراء الشركات الفرنسية سيسعون إلى إرساء شراكة مع شركائهم المغاربة في العديد من المجالات، بما في ذلك صناعة السيارات والطائرات، إلى جانب رغبة المغرب في إنشاء قطاع صناعي للسكك الحديدية، إلى جانب احتياجات القارة الإفريقية، خصوصا أن الفرنسيين يراهنون على منافسة مباشرة مع الصينيين والإسبان في مجال الشراكة مع المغرب.
لا ننسى كذلك أن فرنسا تعول من خلال شركة "إيرباص" لصناعة الطائرات على بيع المغرب طائرات هيلوكوبتر من نوع "كاراكال" لفائدة القوات المسلحة الملكية وكذلك الدرك الملكي، كما أن مشاريع المغرب المتعلقة بتنظيم كأس العالم سنة 2030 تسيل لعاب الشركات الفرنسية، الى جانب التعاون الرقمي بما في ذلك إنتاج ألعاب الفيديو.
من المعلوم أن العلاقات المغربية - الفرنسية تميزت تاريخيا بوجود نتوءات وحالات من الجفاء والدفء، فما هي ضمانات القطع مع هذه المرحلة؟
بعد ثلاث سنوات من الجفاف بين المغرب وفرنسا، آن الأوان لعلاقات أكثر نضجا وأكثر ثراء بين الطرفين، خصوصا وأن العلاقات بين البلدين هي علاقات استثنائية، الحضور الاقتصادي حاضر بقوة وهو ما يكشفه عدد وقيمة رجال الأعمال المرافقين للرئيس الفرنسي. المغرب هو الشريك التجاري الأول لفرنسا في شمال إفريقيا والشريك التجاري التاسع عشرة على مستوى العالم، والزبون الأول والمزود الثاني. فرنسا كذلك هي المستثمر الأجنبي الأول في المغرب، هناك أزيد من 1000 شركة فرنسية بالمغرب، كما أن التبادل التجاري بين البلدين تضاعفت خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث بلغت أزيد من 14 مليار يورو سنة 2023، أي زائد خمسة في المائة بالمقارنة مع عام 2003، وهذا يبين أن الحركية التجارية بين البلدين مهمة جدا، وبالتالي فالضمانات الأساسية لديمومة هذه الشراكة هو احترم الآخر، والعمل على تبادل وجهات النظر في القضايا المشتركة، والقطع مع الممارسات السابقة.
ماهو المطلوب من المغرب من أجل حشد دعم قوى أخرى بمجلس الأمن لفائدة مغربية الصحراء ونحن مقبلون على تصويت مجلس الأمن على تمديد مهمة بعثة المينورسو بالصحراء المغربية؟
ونحن مقبلون على تصويت مجلس الأمن على تمديد مهمة المينورسو بتاريخ 31 أكتوبر 2024، أظن بأن هناك دولا لابد أن تنهج نفس نهج فرنسا، وأخص بالذكر بريطانيا التي تربطنا بها شراكة اقتصادية مهمة وشراكة تجارية أهم، وعلاقات بينية ممتازة فقط يكفي أن تتحلى بريطانيا بنوع من الموضوعية في التعامل مع قضية الصحراء.
وأظن أنه مادامت فرنسا واسبانيا وألمانيا فهموا خطاب العاهل المغربي فيما يتعلق بالمواقف الرمادية، وباعتبارها أحد الحلفاء الأساسيين للمغرب، فأكيد أنه على بريطانيا أن تكون من بين الدول الداعمة لمغربية الصحراء داخل المحافل الدولية سواء داخل مجلس الأمن الدولي أو من خلال القرارات والمواقف ذات الصلة، ولابد لها أن تخرج من وضعية المنزلة بين المنزلتين من أجل التأكيد على شرعية المطالب المغربية وأن تكون لها مواقف أكثر تقدما بما يتلاءم وحجم شراكتها مع المغرب لكي تتناسب مع طبيعة المصالح المشتركة.