وديع دادة.. الاستغناء عن كفاءة إعلامية بجرّة قلم

وديع دادة.. الاستغناء عن كفاءة إعلامية بجرّة قلم وديع دادة
أثار توقيف الصحافي بالقناة الثانية 2M وديع دادة استياء كبيرا في مواقع التواصل الاجتماعي، من طرف مختلف شرائح المجتمع التي تغص تعليقاتها على الحدث بشهادات راقية عن مدى كفاءة الرجل في المجال الإعلامي، واعتباره الثقافي والإبداعي، كما تضمنت التعليقات المكثَّفة الإعلان عن التضامن المطلق معه. فهو ليس صحافيا فحسب، بل كاتبٌ أصدر مجموعة من الأعمال من بينها كتاب Imaginez si c’était vrai! (تخيلوا لو كان ذلك حقيقة!)، والتي هي بمثابة سجلات واقعية (Chroniques) عالج فيها الكثير من القضايا التي تخص صراع الإنسان اليومي مع تحديات الحياة وصعوباتها خاصة في مدينة عملاقة مثل الدار البيضاء. وإذا كان هذا الكتاب قد انطلق من الإنصات لهموم المواطن المغربي بشكل عام، فإن روايته الأولى التي حملت عنوان "7080 ثانية" أنصت فيها السارد للمعاناة التي عاشها أحد المغاربة المقيمين بالخارج جرّاء دخوله السجن ظلماً بعد اتهامه من طرف السلطات الفرنسية بالمشاركة في عملية سرقة ونهب أحد المراكز التجارية، لتثبُت براءتُه فيما بعد، وتبدأ معاناته في رحلة رد الاعتبار. كما صدرت لوديع دادة مؤلفات أخرى.
 
يذكرني بروفايل هذا الإعلامي دائما بطينة من رجال الإعلام الذين استطاعوا الجمع بين المهنة الصحفية التي لا يُعلى عليها من حيث المتاعب والجهود التي يبذلها الصحافي من أجل تقديم المادة الإخبارية، وبين الكتابة التي وإن كانت تنطلق من الموهبة إلا أنها تصبح أيضا حرفة ومسؤولية لا يستطيع الكاتب الاستغناء عنها. لقد كان من بين هؤلاء الصحافي المصري الرائد مصطفى أمين الذي أسس رفقة أخيه علي أمين "جريدة الأخبار" المصرية، والذي خلّف لنا حوالي عشرين كتابا من مؤلفاته. أما الصحافيون الفرنسيون فقد اقترنت العديد من أسمائهم بمجال الكتابة والتأليف شعرا ونثراً، نذكر منهم على سبيل المثال: ألان جيلي، ثيوفيل غوتيي. والكاتب الكبير الذي حاز على جائزة نوبل أندري جيد.
 
فإذا كان هذا القرار الذي وصفته النقابة الوطنية للصحافة بِـ "التعسّفي" قد جاء حسب بعض المصادر نتيجة مشاركة وديع دادة في تقديم ندوات وأنشطة خارج القناة الثانية دون الرجوع إليها، أو كما أشار بلاغ النقابة الوطنية للصحافة بسبب انتمائه النقابي، فهذا يؤكد على أن بعض المؤسسات الإعلامية للأسف لا تزال تحتكم في بعض قراراتها دون رويّة وإعمال فكر.
 
يعيد هذا الحدث وما يشبهه العديد من التساؤلات إلى الواجهة: ألا يزال الانتماء النقابي يثير حساسية البعض في دولة المؤسسات التي تَعتبر النقاباتِ شريكا اجتماعيا لها؟ ألا زال الصحافي والموظف عموما محروما من مساحة الحرية في ممارسة أعمال أخرى لا تضر بصورة مهنته، بل قد تزيدها تشريفاً وتزيد المؤسسة التي ينتمي إليها بريقاً ولمعانا؟ أما إذا علمنا أن هناك في نفس هذه المؤسسة الإعلامية من يمارس أنشطة أخرى شبيهة خارج أسوار القناة ولا يُحاسب، فإن هذا الحدث سوف يندرج ضمن مستويات دنيا من النقاش، من قبيل أن هذا التوقيف هو، كما أصبح شائعا لدى العديد من الناس، جاء من باب تصفية الحسابات.
 
كاتب وناقد فني