البدالي صافي الدين: الدولة المغربية وتبديد المال العام

البدالي صافي الدين: الدولة المغربية وتبديد المال العام البدالي صافي الدين
إن الدول المتقدمة والديمقراطية تلجأ دائما إلى استثمار الموارد البشرية استثمارا يفيد البلاد ويساعدها على تخطي الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، عبر تقليص عدد المناصب العليا من خلال إدماج بعد القطاعات والمديريات أو الوكالات للتخفيف على ميزانية الدولة درءا لكل تضخم في الوظائف الزائدة التي تثقل كاهل الدولة، وأن الموجه الأساسي لهذه الدول هو الديمقراطية التي تضمن فصل السلط والمحاسبة والمساءلة.

لذلك تجد المؤسسات التشريعية تقوم بواجبها التشريعي فيما يفيد البلاد ومراقبة ومحاسبة المؤسسة التنفيذية، التي هي الحكومة، بكل مكوناتها. وتظل المؤسسة القضائية مستقلة وحاسمة في كل القضايا الشعبية دون تمييز أو انحياز. لكن في بلادنا نقف على العكس من ذلك، لأننا لسنا في بلد ديمقراطي كما يريد البعض أن يسوق لنا ذلك الوهم، ولهذا فإن المؤسسات الدستورية المنبثقة عن الانتخابات تظل لا تملك الشرعية الديمقراطية، لأنها ناتجة عن اقتراعات مغشوشة أصلا، بفعل شراء الأصوات وتدخل الدولة من أجل تشكيل أغلبية سياسية تقود الحكومة والبرلمان حسب الظروف والمرحلة التي يراها النظام السياسي ملاءمة له، مع تشكيل معارضة برلمانية تكون تحت الطلب.

إذن في بلادنا ديمقراطية مغشوشة تؤطر الغش والتضليل والتطبيع مع الواقع ولو كان مرا. في غياب المراقبة والمحاسبة ومشاركة الشعب مشاركة إيجابية عبر المؤسسات التشريعية والمؤسسات السياسية والنقابية والجمعوية. حتى تكون قوة الدولة في قوة وصلابة وصدق مؤسساتها التي تَضمن اتخاذ القرارات بالأغلبية بدل الأقلية في خرق سافر للأعراف الديمقراطية.

إنه في غياب الضوابط الديمقراطية تعم الفوضى في صُنع القرار، وتغيب مبادئ الشفافية والمحاسبة والتدبير الرشيد لموارد الدولة الطبيعية والبشرية، وتحرم مواطناتها ومواطنيها من هامش مُريح من الحقوق والحُريات الأساسية. ففي غياب آليات ديمقراطية للمحاسبة والمساءلة لا يمكن كبح جماح الفساد المستشري في دواليب الدولة والمجتمع والحد من مظاهر نهب المال العام وتبديده وتهريب العملة وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والإفلات من العقاب. إنه في ظل هذا الوضع اللاديمقراطي تتعدد ظاهرة المناصب العليا والوكالات والمجالس العليا حتى أصبحت في البلاد حكومتان، حكومة أخنوش وحكومة أخنوش " prime ".

إن التعيينات الأخيرة في مناصب عليا على رأس مكاتب وغيرها ببعض الوزارات، تعد تضخما في الوظائف والمؤسسات وتبديدا للمال العام. لأن الواقع أثبت بأن عددا من المكاتب والوكالات خلقت منذ زمان بعيد ظلت جامدة أو تجمد المبادرات الوزارية وتستنزف ميزانيتها وميزانية الدولة دون مردودية، مما يجعلها مناصب ريعية. في حين أن البلاد في حاجة إلى النهوض بالمستشفيات والمستوصفات وبالمؤسسات التعليمية وتأهيل أطر وطنية ميدانية في التعمير والبيئة والمياه وفي تأطير الشباب وتأهيله وإنقاذه من كماشة لوبيات المخدرات والهجرة السرية والتطرف.
على الدولة أن تكون دولة ديمقراطية أولا قبل أن ترفع شعار الدولة الاجتماعية، وأن تعتبر بأن مال الدولة هو مال الشعب وليس مال الحكومة لتفعل به ما تشاء.