الثقافة الشعبية المغربية تستحضر أن تاريخ المغرب ومنه تاريخ العرب هو تاريخ أزمات ومحن جعلت المغاربة يعانون جراءها الأوبئة وشظف العيش، لكنهم كانوا ينبعثون من جديد نتيجة قدرتهم على التحمل والتكيف مع تقلبات الزمن مع عام الجوع ، عام بوكليب، عام بونتاف، عام يرنة أو أيرني، وعام البون…
المرحوم الباحث المؤرخ محمد الأمين البزاز من بين أعماله حول المجاعات والأوبئة:
– “المجلس الصحي والمخزن وكارثة 1878″، مجلة دار النيابة، عدد 4، 1984، ص 18-34.
– “وباء الطاعون بالمغرب، 1798-1800″، هيسبريس تامودا، مجلد 23، 1985، ص 57-82.
– “الطاعون الأسود بالمغرب في القرن الرابع عشر”، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، عدد 16، 1991، ص 109-122.
– تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، 1992.
– “حول المجاعات والأوبئة بالمغرب خلال العصر الوسيط”، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، 1993، ص 93-131.
– “الأزمة الغذائية في عهد سيدي محمد بن عبد الله خلال سنوات 1776-1782″، ضمن ندوة السلطان سيدي محمد بن عبد الله، الريصاني، 1993، ص 77-91.
– “عمليات الإغاثة المخزنية خلال مجاعات النصف الثاني من القرن التاسع عشر”، ضمن دراسات تاريخية مهداة للفقيد جرمان عياش، الرباط، 1994، ص 129-144.
– المجلس الصحي الدولي في المغرب، 1792-1929، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، 2000.
– “الجراد والجوع والأمراض في المغرب خلال العصور القديمة والوسطى”، مجلةالمناهل، عدد 69-70، 2004، ص 285-323.
– “الحرْكة والطاعون في مغرب القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر”، ضمن المجاعات والأوبئة في تاريخ المغرب، تنسيق بوبكر بوهادي وبوجمعة رويان، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، 2004، 343-356.
وفضلا عن مساهمة الفقيد في تأطير عدد من الأطروحات الجامعية، فإنه ترك كمّا مهما من المقالات بلغ عددها 57 مقالا موزعة كالتالي: 28 بدار النيابة، و7 بمجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، و4 بالمجلة التاريخية المغاربية، و2 بمجلة المناهل ومقال واحد في كل من هيسبريس تامودا ودعوة الحق ومنبر الجامعة.
عام الجوع: يطلق عام الجوع على مرحلة في تاريخ المغرب الحديث استمرت ثلاث سنوات من سنة 1779 إلى سنة 1782 كان سلطان المغرب قبل ذلك قد قام بتصدير 30 سفينة من القمح المغربي لكل من فرنسا إسبانيا والبرتغال ما بين سنة 1766 و 1774 مما أثر على مخزون هذه المادة وساهم في تضاعف ثمنها ثلاث مرات، فلما حل جفاف 1779 كان تأثيره عميقا، وزاد من حدته هجوم أسراب الجراد على معظم مناطق المغرب، ليعجز المغاربة عن إيجاد ما يسد رمقهم ويقضي الكثير منهم حياته جوعا لا يعيش إلا على ما طالته أيديهم من( حشرات كالجراد مشويا ومقليا) أو نباتات ك”يرنة”، التي أضحت منذ ذلك الحين رمزا للجوع عند المغاربة.
عام البون: وهو من أحدث “الكوارث ” الاجتماعية التي ضربت المغرب منتصف القرن العشرين ( 1944 ـ 1945) والمغرب تحت الحماية الفرنسية غداة الحرب العالمية الثانية، فبعد انهزام فرنسا واجتياح قوات هتلر لفرنسا، غدت المستعمرات الفرنسية الجبهة الخلفية للحرب، والممون الأساسي لكل ما تحتاجه من مواد غذائية، ومعدنية، ومواد الصناعة التقليدية. فكان استنزافا للخيرات قلت معه المؤن في المستعمرات مما جعل السلطات الفرنسية تفرض نظاما في التعامل مع أزمة الغذاء سيعرف في المغرب بنظام (البون) والكلمة ليست سوى تحويرا للكلمة الفرنسية BON أو POUR BON وتعني( وصل) أو (ورقة لأجل) وهي (بطاقات تموين) وهي بطائق لا تسمح لحاملها بالحصول على مؤن معينة مجانا وإنما تعطيه فقط حق الوقوف في الطابور أمام مخازن المادة المطلوبة، كإجراء فرض على المغاربة أمام ندرة المؤن.
فكانت السلطات توزع بطاقات تغير لونها كل ستة أشهر، وكل بطاقة تصلح لاقتـناء مادة من المواد المعروضة للاستهلاك (سكر، زيت، صابون، وقود، أثواب…). وقد شهد المغرب خلال هذه الفترة جفافا حادا ومجاعة قاسية. فأطلق المغاربة على هذا العام أسماء أخرى تعبر عن فداحة الجلل منها (عام الجوع) (عام يرنة) وهو يستحضرون مجاعة عام الجوع، عام بونتاف لبوار الفلاحة واكتفاء الفلاحين بنتف ما أنبتت الأرض، عام التيفوس وهي تحوير التيفويد بالفرنسية، كما أطلقوا أسماء أخرى مرتبطة بالنباتات القليلة التي جادت بها الأرض منها (عام الكرنينة) و(عام الحميضة) و(عام الحرودة)، (عام الحريڴة) ووصفوه بأوصاف أخرى تعكس معاناة الناس منها (عام لحفا) لأن معظم الناس أصبحوا يسيرون حفاة، و(عام لعرا) لقلة الثوب وسير الناس في الطرقات عراة… عام الصندوق لأن الناس أضحت تخفي الخبز- الذي أصبح عملة ناذرة- في الصناديق كما تخفى الحلي والمعادن النفيسة، وقد أكدت مصادر كثيرة أن عام البون شهد ضحايا كثر وظهرت فيه أمراض متعددة حصدت أرواحا كثيرة فقد (حصد مرض السل أزيد من 8760 شخص، وعرف مرض الحصبة ارتفاعا ملحوظا، وقد أصاب مرض الرمد أزيد من 126911شخص، كما أن مرض الزهري ارتفع بحوالي 5000 حالة عن السنة التي قبلها. ومن النتائج البارزة لهذا التطور الصحي انتشار الجثث في العديد من الشوارع والأزقة، حتى أن الكلاب كانت تنهش الجثث المتهالكة والمنتشرة في كل مكان…)
مع العلم أن الأكفان والإبر هي الأخرى كانت توزع بنظام البون وبالمحسوبية والزبونية…
عبد الرزاق بوقنطار، الكاتب العام للجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك