عبد الرفيع حمضي: الخبز وأتاي

عبد الرفيع حمضي: الخبز وأتاي عبد الرفيع حمضي
16 أكتوبر هو اليوم العالمي للخبز، والذي أقرته الفدرالية الدولية للمخابز، ليتزامن بعد ذلك، سنة 1979، مع اليوم العالمي للتغذية الذي إعتمدته منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، وهي وكالة أممية متخصصة. حتى أصبح البعض يسميه اليوم العالمي للخبز والتغذية. لكن في بلادنا، لا أدري لماذا ارتبط الخبز بأتاي في ثنائية الفقر والكرامة؟ حيث عادة ما يتم التعبير عن النخوة ورفض الإهانة بالقول: “ولو نعيش غير بالخبز وأتاي لن أقبل الاهانة" .أم لثمنهما في السوق ، بعد الدعم العمومي ؟أم لدلالتهما الاجتماعية، لكونهما المادتين اللتين يتقاسمهما المغاربة بأريحية مهما كان المستوى الاجتماعي للأسرة؟

رغم أن الثاني (أتاي) حرمه عدد من الفقهاء المغاربة ولعقود. حتى أن العلامة المختار السوسي أورد في المعسول أن الحاج البيشروي حرم شرب الأتاي لتشبيهه بالخمر. كما أن قاضي مكناس أحمد بن عبد الملك العلوي كان لا يقبل شهادة شاربه.

وفي المقابل كان الخبز دائماً مقدساً، وكلنا يلاحظ كيف يتصرف المغربي إذا صادفته قطعة من الخبز في طريقه، يحملها ويضعها جانباً. وأما تقبيلها فيبقى مستحباً. حتى أن سيدي عبد الرحمان المجدوب قال فيه: “الخبز يا الخبز والخبز هو الإفادة، لُو ما كان الخبز ما يكون دين ولا عبادة”. فهل للأمر علاقة بالمعتقد؟ أم هو فقط من مخلفات عام البون، عندما كان القمح نادراً وحاول المستعمر تعويضه بالبطاطس؟ فأكلنا البطاطس بالخبز ..ولا زالنا .

ليبقى السؤال: كيف تعايش الخبز ، الحلال أصلا مع الشاي الحرام عرضياً؟
تشير الإحصائيات إلى أن ثمانين في المئة من سكان العالم يستهلكون الخبز بكل أشكاله وألوانه؛ من (البولاني) الرائع في أفغانستان إلى الحرشة والملاوي وبوشيار والتريد وتفرنوت في المغرب، مروراً بـ(الشاوبينغ) الصيني، و(التشيباتا) الإيطالي، و”روتي كاناي” الماليزي، والسميت "التركي، والباغيت baguette الفرنسي. حيث نجحت باريس في سنة 2022 من تسجيله ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو. ومادام الأمر كذلك، لست أدري هل في بلادنا تم التفكير في ترشيح (رزة القاضي) بدورها لهذا المقام العالمي؟ هل هناك فنية في إعدادها باليد أدق من ذلك ؟قبل مكننتها .بل، أي ثقافة هذه وأي ذكاء جماعي هذا حتى يطلق هذا المدلول عليها؟

بالرجوع إلى النشرة الإحصائية العالمية، نجد أن الفرد الهندي هو الأقل استهلاكاً للخبز في العالم، حيث لا يتجاوز كيلوغراماً واحداً و75 غراماً في السنة. بينما يتربع المواطن التركي على قائمة الاستهلاك العالمي بحوالي 200 كلغ في السنة. أما إذا سألتم عن المغرب، فالثابت أن المغرب ينتج 120 مليون خبزة في اليوم، 30 مليون منها، بقيمة 36 مليون درهم، تنتهي في مكان آخر غير بطون المستهلكين.

لكن يبدو أن الاحتفال باليوم العالمي للخبز هذه السنة في المغرب سيكون بطعم خاص. فلن تقام ندوات طبية للحديث عن الخبز وقيمته الغذائية بعدما تعرض لهجوم شرس منذ سنوات حول مسؤوليته في زيادة الوزن وغيره. كما لن تقيم المخابز معرضاً عبر التراب الوطني لتقديم ابتكاراتها. ولن يتساءل أحد كيف تلاشت أفراننا التقليدية، بعدما كان (المعلم) يستقبل خبز كل الحي مرة واحدة ويعيد لكل أسرة خبزها بعد طهيه بدون خطأ.

لكن اختار أصحاب المخابز العصرية يوم 16 أكتوبر بالذات يوماً للاحتجاج بالرباط، لتنبيه السلطات العمومية إلى مشاكل القطاع.

وفي تقديري، كان عليهم القيام بهذه الخطوة وغيرها للدفاع عن مصالحهم طيلة أيام السنة. أما اليوم العالمي، فهو مكسب للإنسانية وفرصة للترافع والتحسيس بخصوصية الخبز المغربي في تعدده والخبرة المغربية في هذا التراث اللامادي العريق.

في انتظار ذلك، يبقى خبز القمح سخون وزيت وزيتون وزان، وأتاي ناقص سكر، وجبتي المفضلة التي لا يرتفع عليها .
بالصحة والعافية وكل عام وأنتم بخير .