أريري: المهندسون هاهما.. والهندسة الحضرية فين هي؟!

أريري: المهندسون هاهما.. والهندسة الحضرية فين هي؟! عبد الرحيم أريري
- وزير الداخلية مهندس.
- الكاتب العام لوزارة الداخلية مهندس.
- المفتش العام لوزارة الداخلية مهندس.
- والي الدارالبيضاء مهندس.
- واضع التصميم المديري للدار البيضاء مهندس.
- واضع تصاميم التهيئة لمقاطعات البيضاء مهندس.
- مدير التخطيط بالوكالة الحضرية للبيضاء مهندس.
- مدير التعمير بالوكالة الحضرية مهندس.
- المسؤول عن التعمير ببلدية البيضاء مهندس.
- المكلف بالتعمير بعمالة البيضاء مهندس.
- مدير شركة التنمية المحلية مهندس.
- المشرف على تصميم أي مشروع مهندس.
- رئيس مكتب مراقبة المشروع مهندس.
- رئيس المختبر الخاص مهندس.
- مدير الشركة المكلفة بإنجاز المشروع مهندس.
- مدير المشروع المنتدب مهندس.
- مدير المختبر العمومي للتجارب مهندس.
- قاضي مجلس الحسابات المكلف بالتحقيق في المشاريع مهندس.
 
... ومع ذلك، لم تفلح الدار البيضاء لحد الآن في إنجاز مرافق عمومية تتضمن بصمات العقل الهندسي، وتستجيب لضرورات التدبير الحضري العقلاني الضامن لانسيابية السير ولرفاهية المرتفقين.
 
كل المرافق العمومية التي بنيت بالدار البيضاء أو التي تبنى حاليا أو تلك المسطرة للبناء في المستقبل القريب، لا تتضمن باركينغ للموظفين وللأطر العاملة بالمرفق المعني، وباركيغ للمواطنين الذين يزورون المرفق لقضاء أغراضهم، علما أن العقل الكوني اخترع ما يسمى بالتعمير الباطني L’urbanisme souterrain، الذي يسمح باستغلال الطبقات تحت أرضية Le sous-sol، لإحداث مرائب في أربعة أو ستة طوابق حسب حجم المرفق وكثافة المرتفقين، من جهة لاستيعاب صبيب السيارات الواردة، ومن جهة ثانية لتجنيب الموظف والمواطن المحن والعذاب.
 
اذهب إلى مقر ولاية جهة البيضاء أو مجلس المدينة، أو إلى مستشفى الشيخ خليفة أو مستشفى ابن رشد، أو إلى محكمة الأسرة أو محكمة "كوماناف" أو المحكمة التجارية، أو إلى ولاية أمن البيضاء أو كوميسارية "الدار الحمرا"، أو إلى مقر إحدى عمالات مقاطعات البيضاء، أو إلى إحدى مندوبيات وزارة النقل أو وزارة التعليم بالعاصمة الاقتصادية، أو إلى مركز تحاقن الدم أو معهد باستور، أو إلى كازا نيرشور أو حي الأعمال "زينيت" بسيدي معروف، إلخ...، ستكتشف  أنك داخل جهنم وليس داخل مرفق بمدينة ترفع لواء العالمية والانتساب إلى المدن "الذكية"!
 
إن الموظف والمرتفق يعانيان معا الويلات، لكي يجد الفرد الواحد منهما مكانا يركن فيه "برويطته". وحتى إذا اجتهد المهندس واضع التصميم، واجتهدت الجهة صاحبة الصفقة، وتم خلق باركيغ، فإن الأمر يقتصر على إنجاز أماكن قليلة للوقوف خاصة بالوالي أو العامل أو رئيس المنطقة الأمنية أو العمدة، أو خاصة بمدير "السبيطار"، أو بالمندوب أو برئيس المحكمة، أو "البيديجي" ومن يدور في فلكهم. أما باقي الموظفين والمرتفقين ف"ليشربوا ماء سيدي بوخرارب"، ولا يهمهم أن يقضي المواطن ساعات وهو يحوم ويطوف ك"الحمار" بالأزقة والدروب، عساه أن يظفر ب"بلاصة عشوائية"، ولو فوق رصيف أو أمام كاراج أو الوقوف في الصف الثاني، مما يعرقل السير ويخلق مشاكل واصطدامات يومية بين المواطنين بعضهم ببعض، من جهة، وبينهم وبين شرطة المرورمن جهة ثانية، فضلا عن تشويه الفضاء العام وتلويثه بمظاهر "البداوة" في التعامل مع "الطومبيل"، من جهة ثالثة.
 
الأفظع من هذا أن المسؤولين والمهندسين الذين يتولون تدبير الشأن العام لا يستفيدون من الأخطاء المرتكبة في بناء المرافق العمومية لتجاوزها في المشاريع اللاحقة، بالتنصيص على إجبارية الباركينغ تحت أرضي من ثلاثة أو أربعة طوابق ( للإشارة في موناكو هناك مواقف للسيارت تحت الأرض تضم عشرة طوابق! دون احتساب الباركينات العمودية بمدن أوربا وأمريكا!!).
 
كما أن مسؤولي المغرب لا يتعظون ويتدخلون لتقويم الاختلالات في المرافق القديمة الموجودة، عبر برمجة الاعتمادات لتدارك العيوب وبناء باركينات عمودية أو باطنية، حسب ما تسمح به الطبوغرافية وحسب ما تسمح به طبيعة العمران المجاور.
 
استلهموا من مقر الاتحاد الأوربي ببروكسيل الذي يشتغل فيه 35.000 موظف، ورغم هذه الكثافة الهائلة، هناك انسيابية في السير بمحيط المقر الأوربي بفضل توفير الأماكن الكافية لركن سيارات هذا العدد الهائل من الموظفين.
 
استلهموا من مقر الحلف الأطلسي بالعاصمة البلجيكية، الذي يوظف 4000 فرد دون احتساب البعثات والوفود، ومع ذلك لا توجد زحمة أمامه، ولا "صداع الراس" لركن السيارة، لأن المهندسين الذي خططوا للمرفق العسكري المذكور استحضروا كل الانعكاسات والتأثيرات الجانبية للسير ولاستعمالات الطريق.
 
استرشدوا بنموذج جنيف التي تضم لوحدها  40 ألف موظف دولي أجنبي يشتغلون في مقرات الهيآت والوكالات الأممية، فضلا عن موظفي مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومع ذلك هناك تخطيط محكم ومضبوط يراعي اقتسام الشارع بين المرتفقين والموظفين وعموم المواطنين.
 
فلماذا أفلح مهندسو تلك الدول في جعل المدينة فضاء مشتركا تتقاسمه كل الفئات، وتتعايش فيه البروفيلات المختلفة بين الراجلين وبين مستعملي النقل العمومي ومستعملي الدراجة الهوائية أو النارية أو "التروتينيت" حتى، ومستعملي السيارة الخاصة، بينما فشل "فيلق المهندسين" بالمغرب في توفير "السميك الحضري" le Smig urbain بمدينة الدار البيضاء؟!
 
من يملك الجواب، سيربح رحلة سياحية شاملة إلى الريصاني أو النيف أو فم زكيد أو واد لاو أو الداخلة أو أصيلة، على حسابي، لكي يشفى من سرطان " الدارالبيضاء"!