المصطفى الرميد: مشروع قانون المسطرة الجنائية والاصلاح المأمول

المصطفى الرميد: مشروع قانون المسطرة الجنائية والاصلاح المأمول المصطفى الرميد

أشير في البداية الى ان الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، الذي انطلق سنة2012، تطلب انجاز مقاربة نوعية تعتمد الحوار الجماعي  تشارك فيه كل الفئات المهنية والجامعية والمجتمعية، بهدف بلورة إصلاح جامع وفعال، ثم ضمان التوافقية الضرورية، وتحصيل المقبولية الممكنة.

ولذلك كانت هناك هيئة عليا للحوار الوطني إضافة إلى فعاليات حوارية مختلفة.

ان اعتماد هذه المنهجية كان الدافع اليه استحضار اهمية منظومة العدالة وحساسية مواضيعها التي تتطلب مشاركة المؤسسات المعنية، وكل الأطراف السياسية حكومية ومعارضة، فضلا عن الفاعلين المهنيين، والاكاديميين  والحقوقيين وغيرهم ،لإعطاء مخرجات الحوار قوة  معنوية ميثاقية، تؤسس لإصلاحات تتعالى عن البرامج الحزبية والحكومية المرحلية.

ولقد تميز موضوع الحماية الجنائية للحقوق والحريات الذي يهم بالأساس، القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، بتنظيم ندوتين وطنيتين بكل من فاس ومراكش، وذلك على خلاف باقي المواضيع التي اختص كل واحد منها بندوة وطنية، وذلك  لمركزية هذا الموضوع داخل المنظومة التشريعية، وقد كان ذلك بمشاركة خبراء مغاربة ودوليين في المادة الجنائية.

وبعد النقاشات العميقة والمستفيضة، تم إصدار ميثاق إصلاح منظومة العدالة الذي تضمن مائتي توصية موزعة على ستة محاور رئيسية، وتحت عنوان( تعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات)، تمت صياغة 37 توصية خاصة بهذا الموضوع.( الموضوع الجنائي ).

وبناء على ذلك، قامت مديرية الشؤون الجنائية بوزارة العدل والحريات،  سنة 2013،بصياغة المسودة الأولى لكل من مشروع قانون المسطرة الجنائية،  ومشروع القانون الجنائي ، حيث على اثر ذلك تم تشكيل لجنتين تكونتا من قضاة من مستويات متعددة منهم المسؤولون بمحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية،  رئاسة ونيابة، و منهم قضاة تحقيق، ومحامون واستاذة جامعيون وحقوقيون، وغيرهم، عكفوا على دراسة النصين في جلسات متعددة، وبعدها تم فتح حوار مع كافة الفئات القضائية والمهنية والجامعية والحقوقية، والمؤسسات الامنية المعنية، كما تم وضع النصين في البوابة الالكترونية للوزارة لتلقي ملاحظات كافة المهتمين.

وبالمناسبة، فقد تم الاتفاق مع مكتب جمعية هيئة المحامين بالمغرب، على الدارسة المفصلة لمسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية مباشرة مع وزير العدل والحريات،  بحضور رئيس الجمعية والوفد الممثل لها، وهو ماتم بالفعل، الا انه بعد عدة جلسات ، وبعد مناقشة ما يقارب مائة مادة،  تم ايقاف المناقشة بطلب من الجمعية،  بحكم العطلة الصيفية.

ان المجهود الاستثنائي المبذول في هذا السياق، اسفر عن مسودتين لمشروعي القانونين تمت مناقشتها مع الامانة العامة. 

ونظرا لضغط الاجندة السياسية ( المحدودية الزمنية للانتداب الحكومي)، فقد تم الاقتصار على الضروري من التعديلات بالنسبة لمشروع القانون الجنائي، حيث تم تتويج هذا الجهد بالمصادقة الحكومية، والاحالة على مجلس النواب الذي ناقش النص، الا ان جزء من الأغلبية والمعارضة، استغل قرب انتهاء الولاية التشريعية ، فرفض إتمام مسطرة تقديم التعديلات والتصويت، وهو  ما سيستمر خلال تولي السيدين محمد اوجار، ومحمد بن عبد القادر لمهمة وزارة العدل، إلى أن جاء السيد عبد اللطيف وهبي، الذي سيسجل  التاريخ ،  انه سحب المشروع من مجلس النواب، ولا يخفى ان السبب الخفي الظاهر الحقيقي،  هو الرغبة الاكيدة  في التملص من استحقاق تشريعي هام ،وهو تجريم الاثراء غير المشروع.

اما بالنسبة لمسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية، فاني أؤكد انه تم الاتفاق على جميع موادها مع كافة القطاعات المعنية، وبقي الخلاف محصورا في ثلاث مواد فقط، وكان بودي ان يتم تجاوز ذلك في الولاية السابقة، في عهد الوزيرين السابقين ، الا ان ذلك لم يتم للأسف الشديد،  إلى أن تمت الإحالة اخيرا على مجلس النواب للنص محل المناقشة، وهو نص جيد على العموم   ، اخذا بالكثير مما ورد بالمسودة  ،وأضاف تحسينات محمودة، الا انه للأسف الشديد بصم على تراجعات مذمومة، وهي قليلة جدا يمكن للبرلمان ان يعدلها ويخلص هذا النص الجيد عموما من عوارها.

وقبل التطرق إلى بعض تفاصيل الموضوع يجدر التنويه بالمنهجية التي خرج بها النص، حيث تم اعتماد منهجية التعديل والتغيير على النص الحالي ، وهو ما سيجنب القضاة والمهنيين والجامعيين المستأنسين بالنص المعتمد حاليا، المتاهات التي يمكن ان تحدث مع أي نص جديد ، خاصة فيما يهم ربط الاجتهاد القضائي لسنوات عديدة بمظانه النصية، وذلك على خلاف الصيغة التي ورد بها مشروع قانون المسطرة المدنية.

أولا: التعديلات المحمودة:

مرة اخرى، أؤكد ان هذا النص الذي تم الاشتغال عليه ابتداء من سنة2012 على الاقل، الى غاية صدوره هذه السنة2024، يمثل عصارة مجهودات قضائية ومهنية واكاديمية جبارة، ولذلك فان الوقت لا يسمح باستعراض كافة المستجدات المحمودة، والتي تم ايراد بعضها في تقديم النص، ومع ذلك ساقف على الأهم منها وذلك كالتالي:

1- حضور المحامي مع الأحداث وذوي العاهات عند الاستماع اليهم من قبل الشرطة القضائية، وذلك بعد الحصول على اذن من النيابة العامة، وذلك على خلاف ما كان منصوصا عليه في المسودة التي لم تكن تشترط هذا الإذن.

2 - إمكانية اتصال المحامي  بالشخص المودع رهن الحراسة النظرية ابتداء من الساعة الأولى لإيقافه، باستثناء قضايا الإرهاب. 

3- انجاز تسجيل سمعي بصري  في الجنايات  والجنح المعاقب عليها  بخمس سنوات فأكثر، للمشتبه فيه الموضوع تحت الحراسة النظرية أثناء قراءة تصريحاته المضمنة بالمحضر ولحظة توقيعه  او ابصامه او رفضه، مع إمكانية مطالبة المحكمة  بالتسجيل الذي يحتفظ به  طبقا للقانون. مع العلم ان المسودة كانت تنص على التسجيل السمعي البصري لكافة مراحل الاستجواب كلما تعلق الامر بشخص مودع رهن الحراسة النظرية بغض النظر عن نوع الجريمة ومقدار عقوبتها.

4- إمكانية التظلم من قرار الحفظ المتخذ من قبل وكيل الملك أمام الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف وكذا امكانية التظلم من قرار الحفظ المتخذ من قبل الوكيل العام للملك لدى محاكم الاستئناف امام الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة.

5- امكانية حضور المحامي استنطاق النيابة العامة للمتهم ، مع الادلاء نيابة عنه بالوثائق ، كما يحق له طرح الأسئلة  وابداء الملاحظات ...

6- امكانية الطعن في أمر وكيل الملك  بالايداع بالسجن أمام هيئة للحكم التي ستبت في القضية ، او أمام هيئة للحكم تتألف من ثلاثة قضاة، وكذا إمكانية الطعن في الامر بالايداع في السجن الصادر عن الوكيل العام  أمام عرفة الجنايات الابتدائية، دون أن يمس هذا الحق بإمكانية طلب السراح المؤقت لاحقا  مع العلم ان المسودة كانت تنص على الطعن امام الغرفة الجنحية. 

7- تقليص تمديد مدد الاعتقال الاحتياطي في الجنايات من خمس إلى مرتين، ولنفس المدة( لتصبح المدة لا تتجاوز ستة اشهر).، وفي الجنح من مرتين إلى مرة واحدة ولنفس المدة،( لتصبح المدة شهرين فقط ).

8- إمكانية الإحالة المباشرة من قبل الوكيل العام للملك  على غرفة الجنايات  في حالة سراح  أو باستعمال احد أو أكثر  من تدابير المراقبة القضائية. 

9- إمكانية استئناف قرارات الافراج المؤقت والمراقبة القضائية الصادرة عن غرفة الجنايات الابتدائية من قبل المتهم او الوكيل العام للملك.

10- إضافة تدبير الوضع تحت المراقبة الالكترونية  إلى تدابير المراقبة القضائية  مع التنصيص على إشراف قاضي التحقيق على التنفيذ .

11- وضع آليات للوقاية من التعذيب،  منها ، إلزام النيابة العامة  باخضاع المشتبه فيه  لفحص طبي  يقوم به طبيب مؤهل ، في حالة اذا ما طلب  المتهم او دفاعه ذلك، تحت طائلة  اعتبار اعتراف المتهم المدون بمحضر الشرطة القضائية باطلا في حالة عدم إجراء الفحص الطبي.

12- استدعاء المحامي قبل  كل استنطاق للمتهم من قبل قاضي التحقيق ب15 يوما على الاقل، وحقه في الاطلاع على  ملف القضية خلال هذا الاجل، ومنح المحامي حق الحصول على نسخ من المحضر وباقي  وثائق الملف ورقيا أو على دعامة إلكترونية.

13- توسيع وعاء الجرائم القابلة للصلح، حيث أصبح  يشمل إلى جانب الجنح المعاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل،  او بغرامة لا تتجاوز في حدها الأقصى مادة الف درهم أو احدى هاتين العقوبتين، بالإضافة إلى بعض الجنح التي  يكون فيها عادة ضحايا، او تستهدف  بالأساس المس بالحق الخاص، ويتعلق الأمر بالجنح المنصوص عليها في الفصول 401و 404 ( البند الاول)و 425 و426  و441 ( الفقرة الثانية)و 445  و447.1  و 447.2  و 447.3  و 505 و  517و   520 و 523  و 524   و525  و526  و 538 و  540 و  542 و 547و  549 (البندين الاخيرين) و 553  (الفقرة الاولى)و 571  من مجموعة القانون الجنائي، والمادة 316من مدونة التجارة، او اذا نص القانون صراحة على ذلك بالنسبة لجرائم اخرى.

وقد تم الاستغناء عن مصادقة القاضي على الصلح.

14- تم النص عل شكليات الاستدعاء المباشر ( الشكاية المباشرة)، وتنظيم كيفية أداء مصاريفها، مع منح الطرف المدني  المقيم للدعوى العمومية   الحق في الاستئناف  والنقض في الدعوى العمومية إضافة إلى الدعوى المدنية.

15- تم إقرار آلية  التجنيح القضائي، في حالة  اذا لاحظ الوكيل العام للملك محدودية الضرر الجرمي، او بساطة الحق المعتدى عليه ، مع تقيد قضاء الحكم الابتدائي بالتكييف الجنائي بالوصف المحدد في المتابعة.

16- عدم جواز الحكم بالإدانة بناء على تصريحات متهم ضد اخر، إلا إذا كانت معززة بقرائن  قوية ومنسجمة.

17- عدم جواز الحكم بالإعدام الا بإجماع اعضاء غرفة الجنايات، حيث يتعين توقيع هؤلاء الاعضاء جميعا على محضر بذلك يوضع ضمن وثائق الملف.

18- جواز البت في طلب الافراج المؤقت، ولو بعد ابداء الغرفة الجنائية  رايها في طلب تسليم الاجانب، اذا قدم من قبل الوكيل العام  لدى محكمة النقض،  بناء على طلب يوجهه اليه وزير العدل.

19- إمكانية جعل القضية في المداولة لمدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما من قبل غرفة الجنايات   اذا تعذر اصدار قرار في الحال، ويتعين في هذه الحالة ان يكون القرار محررا.

20- احداث آلية للتخفيض التلقائي للعقوبة، من قبل ادارة السجن  تحت مراقبة قاضي التحقيق ووكيل الملك، مع احداث لجنة  بمقر المحكمة الابتدائية، تتكون من قاضي  تطبيق العقوبات بصفته رئيسا، وعضوية ممثل النيابة العامة،  والمدير الجهوي لإدارة السجون، حيث تكون مهمة هذه اللجنة النظر في التظلمات  بشان ما يتخذ من قرارات في موضوع التخفيض التلقائي للعقوبات.

ثانيا: التراجعات المذمومة:

ان ما سنسجله من تراجعات لن نتعرض فيه الا ما يبدو لنا غير مقبول مطلقا، او ما يخالف المرجعيات المعلنة، وهي الدستور والاتفاقيات الدولية   والتي أشار اليها تقديم وزارة العدل للمشروع، وهي بالمناسبة ، وهي تراجعات قليلة ،لكنها من الأهمية بمكان، كما سيأتي بيانه.

-1فيما يخص غل سلطة النيابة العامة في محاربة الفساد، ومنع الجمعيات من تبليغها عن المس بالمال العام.

اما فيما يخص غل سلطة النيابة العامة عن محاربة الفساد، فواضح مما تضمنته المادة الثالثة  من  المشروع من انه لا يمكن إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية الا بطلب من الوكيل العام لدى محكمة النقض  بصفته رئيسا للنيابة العامة بناء على احالة من المجلس الأعلى للحسابات أو بناء على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية أو المفتشيات العامة للوزارة أو من الادارات المعنية، او بناء على احالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، أو كل هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك، وذلك باستثناء حالة التلبس التي تتيح للنيابة العامة الامر بإجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية.

وهذا يعني أن النيابة العامة في عموم المملكة لم تعد لها سلطة المتابعة الا بناء على طلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، الذي ايضا لم تعد له سلطة  الامر بالبحث و بالمتابعة الا اذا توصل من المؤسسات المذكورة بتقرير تهم الجرائم المالية.

 ان الامر يتعلق بتشريع لا مسوغ له مطلقا، ولا مبرر له الا التضييق من مداخيل المساءلة، وحصرها في أضيق الحدود.

انه تشريع يتناقض مع المبدأ الدستوري الناص على اقران المسؤولية بالمحاسبة.

 انه تشريع  يتناقض مع ما نص عليه الدستور من اخضاع المرافق العمومية   لمعايير الجودة  والشفافية والمحاسبة.

انه  تشريع مشجع على الفساد، ومحصن له  من سلطة النيابة العامة التي لا مبرر لتقييدها بقيود لا أساس لها.

نعم، ان البحث في جرائم الفساد المالي  تتطلب معطيات موضوعية توفرها التقارير المذكورة، لكن المشروع اسرف في الاشتراط المطلق لتلك التقارير، مع ان الامر لا يتطلب ذلك دائما.

 ومن جهة اخرى، فان المشروع اذا أقصى الأفراد والمؤسسات المجتمعية من تقديم شكايات في موضوع الجرائم المالية الا اذا توفرت لها تقارير رسمية، يتناقض مع الدور الدستوري خاصة للجمعيات ، خاصة ما نص عليه الفصل 12  الذي ينص على احقيتها في تقييم قرارات المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، ومعلوم أن التقييم يرتب واجب التبليغ عن الاخلال المسجل، والا فما قيمته واهميته؟

ومن جهة اخرى يتناقض هذا التصميم مع الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي نصت في الملدة13 على أن على كل دولة ان تتخد التدابير المناسبة  لتشجيع افراد وجماعات لا ينتسبون إلى القطاع العام، مثل المنظمات غير الحكومية، على المشاركة في انشطة منع الفساد ومحاربته.

ان المشروع، بناء عليه يسير في الاتجاه المعاكس للاتفاقية المذكورة، ويكرس نكوصا اتفاقيا سيئا، لا يليق بالمملكة المغربية، وطموحها، وهو مايجعلنا نؤكد انه لا يجوز للمملكة، باي حال ان تسقط في هذا المستوى التشريعي البئيس الذي لا مبرر له.

لذلك، فاني اناشد عقلاء هذه الدولة ان يرجعوا الأمور إلى نصابها، واذا كان هناك ما يدعو إلى محاربة الابتزاز الجمعوي الحقوقي  المقيت المتستر برداء محاربة الفساد،  فان المؤكد ان هذا النص ليس إلا بمثابة غسل الدم بالدم. ذلك أنه من المفيد منح النيابة العامة صلاحية التاكد من جدية الشكاية، وذلك من منطلق منها والوثائق والحجج المستند اليها، وبذلك تتم المساواة بين البقاء عل  حق الأفراد والجماعات في التبليغ عم الفساد المالي،  والوقاية من التعسف في الشكايات، وابتزاز الاغيار بها.

وإن مما يؤسف له، ان يتم ايضا تقييد حق الجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة في الانتصاب طرفا مدنيا، بضرورة الحصول على اذن بالتقاضي من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، حسب ضوابط يحددها نص تنظيمي، كما نصت على ذلك المادة7 من المشروع ،مع انه كان يمكن الاكتفاء بشروط صفة المنفعة العامة، واقدمية الاربع سنوات، وكون الجريمة محل المتابعة تمس مجال اهتمامها المنصوص عليه في قانونها الاساسي، والذي يبقى للمحكمة المختصة سلطة مراقبته.

انه تعسف اخر، و تضييق اخر، يضاف إلى ما سبق، يؤكد  باختصار، انه يراد تكريس الدور التقليدي  للجمعيات،  والذي يقتصر على مجرد اصدار البيانات، وتنظيم الاحتجاجات، دون الحق في الاشتغال من خلال المؤسسات!!!

 

 

2- محدودية الضمانات الحقوقية للشخص المودع رهن الحراسة النظرية.

ان الحوار الوطني حول اصلاح منظومة العدالة   اهتم بهذا الموضوع اهتماما بالغا، وكيف لا يكون ذلك، و البحث خلال هذه المرحلة يحدد غالبا مصير الشخص المتابع امام القضاء؟.

لذلك جاء في التوصية 80 من ميثاق اصلاح منظومة العدالة، ضرورة مراجعة الضوابط القانونية لوضع الأشخاص تحت الحراسة النظرية، وذلك باعتماد معايير اكثر دقة ووضوحا، وهو ما تضنه النص مع ما يمكن ان يلاحظ عليه. كما جاءت التوصية82، بالارشاد إلى الاستعانة في انجاز المحاضر بتسجيلات سمعية بصرية.

 وعلى هذا الأساس،  فان مسودة مشروع القانون المنجزة سنة2013كانت تنص على التسجيل السمعي البصري لاستجوابات الأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية المشتبه في ارتكابهم لجنايات او جنح، وارفاق ضابط الشرطة القضائية لنسخة من التسجيل يضم إلى وثائق الملف، والذي يمكن اطلاع المحكمة عليه في حالة المنازعة.

 وقد  تضمنت المسودة ايضا النص على إمكانية حضور المحامي مع الشخص المستجوب من قبل الشرطة اذا لم يكن موضوعا تحت الحراسة النظرية.

غير انه للأسف الشديد، وقع تراجع عن كل ذلك بمقتضى ما جاء في المشروع ،اذ ان التسجيل السمعي البصري لا موجب له ،الا اذا تعلق الامر بجناية أو جنحة يعاقب عليها بخمس سنوات فاكثر، مع العلم ان خطورة مرحلة الحراسة النظرية والمحضر الذي ينجز خلالها،  يبدو اكثر حدة في الجنح التي غالبا ما يعاقب عليها بخمس سنوات حبسا أو أقل، ، بحكم الحجية المقررة له،وبالتالي فليس هناك أي حماية للشخص المعني بها فيما تم النص عليه في هذا المشروع.

ومن جهة اخرى  فان الاقتصار على التسجيل السمعي البصري خلال مرحلة تلاوة المحضر  وتوقيعه من عدمه، يجعل الضمانات المقررة للموضوع رهن الحراسة النظرية في كل الأحوال هشة، مع العلم ان الآليات الاممية التابعة للامم  المتحدة لها راي اخر، كما سيأتي بيانه.

وأن مما يجدر ذكره، أن الصيغة التي جاء بها النص ،من حيث ان التسجيل السمعي البصري لا ينجز الا بشان الجنايات والجنح المعاقب عليها بخمس سنوات فأكثر  ، سيجعل صاحب اليد الطولى في التكييف هو ٠الشرطة القضائية، والمشكل يزداد حدة في حالة اذا لم يتم انجاز هذا التسجيل السمعي البصري تقديرا من الشرطة القضائية انه لا موجب له باعتبار أن الجريمة محل البحث ثقل عقوبتها عن خمس سنوات. 

ما مصير الاعترافات في هذه الحالة؟ ان المصير المحتوم في هذه الحالة هو البطلان، لكن الذي ستؤول اليه الأمور في كثير من الاحيان هو الخضوع  للتكييف الضبطي ،خلافا لما يجب ،حتى لا يؤدي التصريح بالبطلان الى الافلات من العقاب.

وجدير بالذكر ان الآليات الاممية، خاصة منها الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي  ولجنة مناهضة التعذيب ،على سبيل المثال، لا يعترفان بالقانون الداخلي للدول ،طالما انه مخالف للمعايير الدولية التي تنص عليها المواثيق والاتفاقات الدولية المصادق عليها.

لذلك فانه متى لم يحظ الشخص المودع رهن الحراسة النظرية من مؤازرة محام، فان اعتقاله يعتبر تعسفيا، اذا ادعى ذلك، باعتبار أن المحامي يعتبر ضمانة أساسية في هذه المرحلة.

 وهكذا على سبيل المثال، جاء في البلاغ الموجه إلى الحكومة المغربية في 28  فبراير 2012تحت رقم40\2012 ما يلي:(القضية قيد النظر تتعلق بشخص تم توقيفه واتهامه ومحاكمته وإدانته بالاستناد إلى اعترافات انتزعت منه تحت التعذيب. ولم يستفد هذا الشخص من مؤازرة محام أثناء خضوعه للاستجواب. وتراجع المتهم عن اعترافاته فور حصوله على استشارة قانونية. واستندت إدانته حصراً إلى ما أدلى به من أقوال)..

 كما ان الفريق نفسه صرح في البلاغ  الصادر بتاريخ 18.22 نونبر 2019الموجه إلى الحكومة المغربية  تحت عدد 67\2019انه( يعتد بادعاءات المصدر  طالما ان الطلبة المعنيين لم تتم مؤازرتهم  من قبل محام  حين توقيتهم،  وعند تقديمهم أمام قضاء التحقيق....).

كما ان الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، ولجنة مناهضة التعذيب لا يعترفان بما تضمنه المشروع من أحقية النيابة العامة كلما تعلق الامر بوقائع تشكل جناية أو جريمة ارهابية   في تأجيل الاتصال بمحام بالنسبة للمشتبه في ارتكابهم جرائم الإرهاب لمدة  نصف المدة الاصلية للحراسة النظرية، وهو ما يصلح إلى 48 ساعة، وهكذا جاء في البلاغ  الصادر عن الفريق نفسه بتاريخ26 30غشت2013 الموجه إلى الحكومة المغربية تحت عدد25.2013مايلي :  (ان فريق العمل  يشير إلى أن لجنة مناهضة التعذيب  في ملاحظاتها النهائية  ، نصت على ان قانون الإرهاب  رقم03. 03 يمدد مدة الحراسة النظرية إلى 12 يوما، ولا يسمح باتصال الشخص المعني بها الا بعد مرور 6 ايام يضاعف من مخاطر التعذيب للأشخاص المحتجزين،،) وقد اعتمد الفريق هذا الراي للقول بالانتحار التعسفي للشخص المعني.

ان الأمثلة على البلاغات التي استقرت على هذا الراي كثيرة ومتعددة، ولذلك كان ينبغي اعتبار ذلك في مشروع قانون المسطرة الجنائية،  نزولا عند ما تستلزمه الاتفاقيات الدولية المصادق عليها طبقا للدستور، وتفاديا للملاحظات المتكررة والبلاغات العديدة الصادرة عن الهيات الاممية بهذا الخصوص.

واذا كانت هناك ظروف موضوعية يتعذر معها  تشريع حضور المحامي استجوابات الأشخاص امام  الشرطة القضائية، فانه من المفيد تشريع حضوره أثناء البحث التمهيدي  ابتداء من مرور سنة على بداية نفاد النص، وخمس سنوات بالنسبة  للأشخاص المودعين رهن الحراسة النظرية.

ان هذا الاقتراح يزاوج بين الالتزامات الدولية للمملكة من جهة ويستحضر الصعوبات المختلفة لتنزيل هذا الاختيار التشريعي في إطار من  التدرج المعقول.

3-  الاشتراط المالي المرهق للطعن بالنقض.

ان مما يؤسف له أن قانون المسطرة الجنائية القديم كان ينص على وجوب إيداع مبلغ الف درهم كضمانة، مع مذكرة النقض، او داخل الأجل المقرر لإيداعها في الحالات التي لا تكون فيها المذكرة إجبارية ، الا في حالة العوز، المثبت بالوثائق،  وفي حالة  عدم الإيداع فانه يترتب عن ذلك سقوط الطلب ، الا ان البرلمان عدل المادة 530من القانون المذكور، بحيث تم النص على أنه لا يترتب عن عدم إيداع مبلغ الضمانة  سقوط الطلب،  غير انه يجب على محكمة النقض ان تحكم بضعف الضمانة في حالة رفض الطلب.

 واذا كان ذلك قد ادى الى تضخم في الطعون الجنائية، فان الحل ليس هو رفع الضمانة الى5000درهم،  وترتيب سقوط الطعن في حالة عدم الإيداع، ان ذلك سيؤدي الى  تعطيل العدالة في كثير من الاحيان والى اختلال ميزانها بحرمان فئات من الحق في الطعن بالنقض لأسباب مادية.

لذلك ينبغي، وقد تم رفع الضمانة إلى مبلغ  5000درهم، ترتيب  الجزاء المنصوص عليه في النص الحالي، وهو الحكم وجوبا بضعف مبلغ الضمانة في حالة رفض طلب النقض، وليس سقوط الطلب.

انها اذن، ثلاث ملاحظات نعتبرها في غاية الاهمية، وجديرة بالمناقشة وتدقيق النظر، ضمن اخريات اقل اهمية، لم نر ما يدعو للوقوف عليها، غير ان ذلك لا ينقص من اهمية المشروع، والجهد المبذول في انجازه سواء من قبل  المعنيين به في مرحلة العشرية الثانية من هذا القرن، او  هذه العشرية الثالثة.

ان من شان الأخذ بالملاحظات المذكورة، وما ستسفر عنه النقاشات العلمية الرصينة، ان يؤدي إلى الارتقاء بالنص إلى ما نطمح اليه جميعا،  هو ان يتم التحاكم في المملكة المغربية  إلى مسطرة جنائية تحمي الحريات، وتضمن الحقوق، وفق ما نص عليه الدستور وتستجيب للمعايير الدولية التي  قبل المغرب الأخذ بها من خلال ممارسته الاتفاقية.

والله ولي التوفيق.