أحمد الحطاب:  أبطال المغرب

أحمد الحطاب:  أبطال المغرب أحمد الحطاب
حينما نتحدَّث عن البطولة، أول ما يتبادر لأذهاننا، هي البطولة في مجال الرياضة. لماذا؟ لأنه، إلى حدِّ الآن، تكاد تكون الرِّياضةَ هي المجال الوحيد الذي يُفرِح الناسَ ببطولاته. وهنا، لا تفوتني الفُرصةُ لأشيد ببطولاتٍ حقَّقتها أعلى سُلطة في البلاد، ميدانيا وسياسيا. ميدانيا، من خلال تشييد البنيات التَّحتية التي يفخَر بها كل مواطن يريد الخيرَ لهذه البلاد. وسياسيا (دبلوماسيا)، من خلال رفع شأن البلاد وجعلها تُحتَرمُ من طرَف شريحة عريضة من البلدان والمؤسسات العالمية.

من خلال هذه المقالة، أتمنى، بل أريد أن تُنقَلَ البطولةُ من بطولةٍ رياضةٍ إلى بطولة وطنية تشمل جميعَ المجالات التي ينشط فيها الإنسان المغربي. أريد أن يصبحَ لنا أبطالٌ سياسيون، اقتصاديون، اجتماعيون، ثقافيون، صناعيون، عِلميون، تكنولوجيون، زراعيون، باحثون، إعلاميون، طبِّيون… والائحة طويلة. أريد أن تصبِحَ البطولة هدفاً عاما يسعى إلى تحقيقه جميع المغاربة. فما هو هذا الهدف العام؟

يتمثَّل هذا الهدف العام في "الرفع من شأن البلاد وجعلها متألِّقةً بين جميع بلدان العالم". والرفع من شأن البلاد وتألُّقها بين الأمم، لا تُمطرهما السماءُ. إنهما يُبنَيان بناءً، كما تُبنى المساجد والطُّرق والسدود والمطارات والموانئ… يُبنيان إرادياً، فكريا وميدانيا. 

إرادياً. البناء، بالمعنى العام، أي التنمية والازدهار  والتَّقدُّم والحضارة، غير ممكنٍ بدون إرادة. والإرادة تتمثَّل في عدم الاستسلام للحتمية fatalité وتجاوز كل الصِّعاب obstacles التي قد تُعِيق البناء. والإرادة السياسية هي ركن الزاوية في البناء. لماذا؟ لأن السياسة هي التي تُدبِّر شؤون البلاد. وشؤون البلاد لا حصر لها لأن الواقعَ يتغيَّر باستمرار أو لأن ظروفَ الزمان والمكان تتغيَّر باستمرار.. فإذا صلُحت السياسة، صلُحَ كل شيء. وإذا فسدت السياسة، فسد كل شيء.
 
فكريا وميدانيا. أيُّ بناءٍ، بالمعنى العام المُشار إليه أعلاه، لا يسبقه فكرٌ، وفكرٌ نيِّر ومستنير، قد ينهار إن عاجلاً أو آجلاً. والفكرُ له ارتباطٌ وثيقٌ بالعقل. والعقل هو الذي يفكِّر ويُبدِع في التَّفكير، وهو، كذلك، الذي ينقلُ الأفكارَ من مجرَّد أفكارٍ إلى أعمالٍ وإنجازات ميدانية وملموسة تُفيد البلادَ والعبادَ. العقل هو حجرُ الزاوية في تحقيق البطولات. وهذا يعني أن تحويلَ الأفكار من مجرَّد أفكارٍ إلى إنجازات ملموسة على أرض الواقع، يحتاج إلى تخطيطٍ وبُعدِ نظرٍ. والعقل هو الذي يخطِّطُ. وبُعد النظر هو الذي يضمن، بنسبةٍ عاليةٍ، نجاحَ تحويل الأفكار من مجرَّد أفكارٍ إلى إنجازات ملموسة تنفع البلادَ والعبادَ.

إذن العقل، والعقل المُبدِع، أي العقلُ النَّير والمستنير، هو الذي يكون وراءَ الإنجازات التي، من الممكن، أن تتحوَّلَ إلى بطولاتٍ، وفي جميع الميادين. وهذا يعني أنه، إذا اقترنت الإرادةُ السياسيةُ بالعقول النَّيِّرة والمستنيرة، لا شيءَ يصعب إنجازُه. فكيف تتمُّ الاستفادة من هذا الاقتران لتُصبحَ لدينا القدرةُ على تحقيق البطولات في جميع أنشطة حياتنا اليومية،  وليس، فقط، في مجال الرياضة؟ 
 
تتمُّ الاستفادة من هذا الاقتران بالحِرص على بناء العقول المُبدعة، أي العقول النَّيرة والمستنيرة. وهذا يعني الحرصُ على بناء الإنسان المغربي، بناءً يجعل منه المحرِّك الأساسي لتحقيق البطولات، وبالتالي، الرفع من شأن البلاد وجعلها متألِّقةً بين بلدان العالم. 
 
وفي هذا الصدد، الحلُّ الوحيد والأوحد، هو جعلُ منظومتِنا التَّربوية ركيزةً من ركائز إنتاج البطولات، من خلال تكوين عقول نيرة ومستنيرة، أو من خلال بناء الإنسان المغربي القادر على تحقيق بطولاتٍ تلوَ أخرى. فكيف نجعل من منظومتِنا التَّربوية ركيزةً من ركائز إنتاج البطولات، أو ركيزةً من ركائز بناء الإنسان المغربي؟
 
الحل هو الإصلاح الجدري لهذه المنظومة، أي تحويلُها من وضعٍ تجاوزه الزمان إلى وضعٍ يتلاءم مع بناء الإنسان المغربي، المُتوفِّر على مواصفات تجعل منه إنساناً مفكِّرا، مبدِعا، مثقفا، متفتِّحا ومُتحرِّرا فكريا واجتماعيا، وله فكرٌ نقدي وقادرٌ على أخذ المبادرة وحلِّ المشكلات…
 
وأول تغييرٍ يجب القيامُ به، هو تحويل هذه المنظومة من مجرَّد مصنعٍ ينتِج العقول الخاملة والجامدة إلى مؤسسة تُنتِج العقولَ النَّيِّرة والمستنيرة. وأعني بذلك، تحويل المنظومة التّربوية من منظومة تشجِّع على التَّرديد répétition والحِفظ mémorisation والاستظهار restitution إلى منظومةٍ تشجِّع على التَّفتُّح épanouissement والتَّحرُّر émancipation  الفكريين والاجتماعيين. وهذا يعني تحويل المنظومة التّربوية من مكان يشجِّع على الببغائية psittacisme إلى مكان يشجِّع على الإبداع والنقد الفكريين innovation et critique intellectuelles. علما أن التَّرديدَ والحفظَ والاستظهارَ أمورٌ تُقصِي أو تُهمِّش القدرات الفكرية وتُعوِّدها على الكسل والخمول.
 
البطولات لا يمكن أن تتحقَّقَ من خلال عقولٍ تعوَّدت على الكسل والخمول الفكريين. البطولات، وفي جميع المجالات، تتحقَّق من خلال الإبداع الفكري،  وكما سبق الذكرُ، شريطةَ أن تتوفَّرَ الإرادة السياسية لإنتاج البطولات. فمَن الذي سيُوفِّر هذه الإرادة السياسية؟
 
بالطبع وبكل تأكيدٍ، الأحزاب السياسية التي تتنافس فيما بينها للوصول إلى السلطة، ومن تمَّة، تدبير الشأن العام، هي التي، من المفروض، أن تُوفِّرَ هذه الإرادة. لكن، على ما يبدو، إلى حدِّ الآن، إنتاج البطولات ليس من أولويات الأحزاب السياسية. ولهذا، قلتُ، في بداية هذه المقالة، "حمداً لله أن ملكَ البلاد يسود ويحكم". وحُكمُه هو الذي كان ولا يزال وراء بطولات تمثَّلت في تحقيق إنجازات اقتصادية واجتماعية وبنياتّ تحتية من الطِّراز الرفيع.
 
لكن هذا لا يعني أن الساحةَ المغربية خالية من بطولات في بعض المجالات. لكنها، في غالب الأحيان، بطولاتٌ راجعة لمبادرات شخصية وليس لمبادراتٍ مخطَّط لها وتندرج في إستراتيجية حكومية/سياسية تهدف إلى الرفع من شأن البلاد وتألُّقها بين بلدان العالم.
 
على ما يبدو، سنظل نكتفي، حتى إشعارٍ آخر، بما تُحقِّقه الرياضة من بطولات إلى أن تفهمَ أحزابُنا السياسية ما معنى "رِفعةُ الوطن وتألُّقُه بين بلدان العالم". وقبل هذه  وذلك، أن تفهمَ ما معنى الديمقراطية والمواطنة ونكرانَ الذات.