ليس من السهل الإحاطة بجميع جوانب الصراع بالشرق الأوسط وتاريخه قديما وحديثا بشمولية وموضوعية الباحث الأكاديمي.
هذه المنطقة الجغرافية التي شهدت نشأة أول وأهم الحضارات في تاريخ البشرية ببلاد الرافدين وعلى ضفاف نهر النيل ،وحيث خرجت من رحمها الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام.
كما أنه من الصعب الوقوف وإيجاد تفسير واحد لسبب استهداف هذه المنطقة وأهميتها وثرواتها الطبيعية وطرقها التجارية التي تربط مختلف بقاع القارة الأسيوية والإفريقية وجزءا مهما من القارة الأوروبية، والأقوام التي نسجت أحداثها وما تناوب عليها من حضارات. وكيف آلت أمور الشرق الأوسط اليوم وما هو مآلها مستقبلا في ظل مختلف العوامل الفاعلة، وفي ضوء الإمكانات البشرية والثروات الطبيعية والأوضاع العالمية والتحالفات القائمة وتبدل موازين القوى وتزعزع البنيان الاقتصادي وثباته. وما واكب المنطقة من التطور المتسم بالارتباطات الكثيرة والتشعبات المختلفة، وفق معايير لا تنحصر في المعيار الديني ولا الاقتصادي والسياسي، بل تبقى صراعات المنطقة مرتبطة بالكثير من المعايير الموضوعية والوضعية، مثل الديمغرافيا والثقافة واللغة والاقتصاد والتنظيمات السياسية – الاجتماعية المحددة لصيرورة تاريخ منطقة الشرق الأوسط التي شغلت وما تزال تشغل قيادات العالم السياسية .
ويبقى السؤال الذي لم يجد له جوابا إلى حدود كتابة هذه الأسطر لماذا لم تنعم منطقة الشرق الأوسط بحالة الاستقرار؟ أو بمعنى كيف سيتم القضاء على عوامل العنف التي تهزها بشكل متواصل منذ سنين خلت.
وكمحاولة منا لربط صراع الشرق الأوسط اليوم بما يسمح بجواب شاف لأسئلتك وبما يعفينا من عناء الإحاطة بتاريخ الصراع الطويل بهذه المنطقة.
واسترسالا فأول ما يتبادر إلى دهننا ، هو لماذا سميت هذه المنطقة بالشرق الأوسط وما حدودها الجغرافية والدولية.
مصطلح الشرق الأوسط هو مفهوم جيو- سياسي ويطلق على منطقة جنوب غرب آسيا وجزء من أفريقيا، ويضم دول بلاد الشام والخليج العربي والعراق وإيران، بالإضافة إلى مصر في شمال شرقي أفريقيا، وكثيرا ما تقع تركيا ضمن هذا المدلول الشائع، وترتبط هذه الدول جميعا بعناصر جغرافية وحضارية مشتركة.
لقد وقع إجماع الباحثين والمحللين السياسيين والإعلاميين أن الشرق الأوسط عنوان لفترات مضطربة، حيث تتشابك الأزمات السياسية والاجتماعية مع التوترات الإقليمية والدولية، وتشكل هذه المنطقة، جنبا إلى جنب مع آسيا الوسطى، بؤرة لصراعات تاريخية معقدة، ويعود ذلك لعدة عوامل أساسية شكلت في مجملها أسباب الصراع في بقعة جغرافية متصارعة الأحداث ذات طبيعة استراتيجية، فالشرق الأوسط نقطة التقاء بين قارات العالم، مما جعله مند القدم ممرا رئيسيا للتجارة والنقل حيت كانت القوافل التجارية تعبر عبر هذه المنطقة، مما زاد من أهميتها الجيوسياسية، أضف إلى ذلك غنى ثرواته الطبيعية ،حيت تحتوي المنطقة على احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، مما جعلها محط أنظار القوى العالمية ،ثروات تسببت في تنافس شديد بين الدول، أدت إلى صراعات عسكرية وأمنية.
كما أن الشرق الأوسط يعتبر مهد الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلام ، فالتاريخ الديني للمنطقة وصف في مجمله بالصراع المقدس تتنازع في محيطه أطراف مختلفة باسم الدين وقد عرفت منطقة الشرق الأوسط خمس مراحل من الحروب، بدأت الأولى على شمل حروب إقليمية تقليدية بين إسرائيل والدول العربية في ثلاث حروب رئيسية، غيرت المشهد الاستراتيجي للمنطقة وأظهرت فجوة القوة العسكرية بين أطرافها والمتمثلة في التفوق العسكري الإسرائيلي وتحييد مصر عن الصراع العربي الإسرائيلي وبدء الخلافات تدب في النظام العربي مع توقيع معاهدة كامب ديفيد عام 1978. كان هذا التاريخ بداية لتراجع احتمالات الصدام المسلح بين الجيوش العربية والجيش الإسرائيلي وتعويضه بمقاربة السلام مع إسرائيل والتسليم بالوضع القائم.
ليتحول الصراع في مرحلته الثانية الى حرب الجماعات العسكرية وكانت في مقدمتها، منظمة التحرير الفلسطينية بكل فصائلها التي قاتلت الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، جماعات الأكراد في العراق وتركيا ومجاهدي خلق في إيران. واستمرت هذه الموجة بواسطة تجديد المتدخلين الفاعلين في هذه الجماعات العسكرية المسلحة، بظهور جماعة حزب لله في لبنان الذي قاد حربا ضد القوات الإسرائيلية لتحرير جنوب لبنان، ثم حركة حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة. كما جددت هذه الموجة نفسها بعملية التعويض المرجعي من أيديولوجية قومية عربية إلى إيديولوجية الإسلامية.
لنقف على المرحلة الثالثة من حرب دولية في منطقة الشرق الأوسط، دشنتها عملية عاصفة الصحراء عام 1991 والتي انتهت بالغزو الأمريكي والبريطاني للعراق سنة 2003، تسببت في تغيير المشهد الاستراتيجي الإقليمي وتميزت هذه الموجة بظهور دور ثورة المعلومات في الشؤون العسكرية وهيمنة الأحادية القطبية على التوازن الاستراتيجي الدولي.
لتأتي المرحلة الرابعة في صراع الشرق الأوسط في الشرق الأوسط حاملة معها عنوان "الحرب العالمية على الإرهاب" كنتيجة لضرب تنظيم القاعدة لقلب الوطن الأمريكي في 11 شتنبر 2001، وظهور دور الجماعات المسلحة مثل تنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية والذي سيطر على مناطق كبيرة من سوريا والعراق سنة 2014 والذي دفع بتشكيل التحالف الدولي ضد الإرهاب والذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
وها نحن اليوم نعيش مرحلة أكثر خطورة من سابقاتها بالشرق الأوسط أطلق عليها بعض المحللين السياسيين والعسكريين بمرحلة ما بعد داعش، والتي سوف تركز على تفكيك والضغط على جماعات الإسلام السياسي من أجل تبني العمل العسكري المسلح لتعويض داعش والجماعات الراديكالية المسلحة، وتغذية الصراع بين الجيوش العربية وجماعات الإسلام السياسي من أجل تخريج جيل جديد من الجماعات التي ترفض أفكار الديمقراطية والتعددية وتبني العمل المسلح ضد القوات المسلحة الوطنية، وهي الوضعية التي سوف تنهك موارد الدول وتؤدي في نهاية المطاف إلى تفكيك ما تبقى من الدول العربية.