فرسان بَنْ يَفُّو ومُولْ الْبَرْكي وأحْمَرْ يردون الاعتبار للطريقة الناصرية بمعرض الفرس بقيادة العلام شرف البحراوي

فرسان بَنْ يَفُّو ومُولْ الْبَرْكي وأحْمَرْ يردون الاعتبار للطريقة الناصرية بمعرض الفرس بقيادة العلام شرف البحراوي العلام شرف البحراوي إلى جانب الفارس الحاج ميلود والفارس والمقدم حمزة المني ممثل قبيلة أحمر في سربة شرف البحراوي(يسارا)

في وصف الخيل في غناء قطعة "الْوَادْ الْوَادْ الِّلي مَا عَنْدُو وَّادْ" قال الناظم:

خَيْلُكُمْ يَا عَبْدَةْ ـعْمَةْ تَهْدَا

خَيْلْ دُكَّالَةْ دَايْرَةْ حَالَةْ

خَيْلْ الْخَنُّوفَةْ جَاتْ مَخْطُوفَةْ

فوز عَلَّامْ الْخَيْلْ لَمْقَدَّمْ شرف البحراوي عن جهة مراكش أسفي، بالجائزة الكبرى للملك محمد السادس ـ الميدالية الذهبية ـ في تراث التبوريدة للدورة السابعة، خلال فعاليات الدورة 15 لمعرض الفرس للجديدة برسم سنة 2024، هو فوز مستحق، لرجل تدرج منذ نعومة أظافره على ركوب ضهوة الخيل، وشرب أصول هذا التراث العريق من ينبوع الرّواد شُيُوخْ التّْبَوْرِيدَةْ أبا عن جد بمجال دكالة واحمر وعبدة عامة، ومنطقة مُولْ الْبَرْﮜِي بإقليم أسفي خاصة.

فوز عَلَّامْ الْخَيْلْ لَمْقَدَّمْ شرف البحراوي ، هو استرجاع قوي لذاكرة التّْبَوْرِيدَةْ الْعَبْدِيَّةْ، وللمكانة الاعتبارية للدوار والقبيلة وللمواسم السنوية ذات الصلة في المجتمع المغربي، بل إنه فوز لكل من يؤمن بمعنى الامتداد المجالي والروابط التاريخية والإنسانية والاجتماعية والتراثية والثقافية بين منطقة عبدة ودكالة وأحمر والرحامنة، والعبور نحو مدرسة الأمراء الحمريين للرماية وركوب الخيل، في أفق إعادة كتابة هوية وأصول الإنتماء الجغرافي والتاريخي على صهوة الخيول على الطريقة الناصرية لسابق عهدها الموسوم بطابع الرّْمَى وَالطُّلْبَةْ وَالشُّرْفَةْ مْوَالِينْ الْخَيْلْ، الذين كانوا وما زالوا يتوسلون رضى الله والوالدين وكافة الأولياء الصالحين والنّاس أجمعين.

بالنسبة لي كمتتبع لمسار المقدم/العلام شرف البحراوي ببعض المواسم والمهرجانات بمجال عبدة ودكالة، أستطيع الوصف والقول بأن الرجل يشبه إلى حد كبير مايسترو الجوق الموسيقي الذي يضبط كل حركات العازفين وهم يمتطون صهوات آلاتهم الموسيقية في تناغم تام مع النصّ الموسيقي، ومعانيه وأنغامه وأحاسيسه، ونوتاته الموسيقية والإيقاعية.

نعم، الْعَلَّامْ شرف البحراوي يستحق حمل لقب المايسترو، كيف لا، وهو الذي تضم كتيبته بين فرسانها الأشاوس عشاق فن العيطة الحصباوية ـ الشيخ الفنان حسن السرغيني ـ الملقب بـ "مُولْ الْعَوْدْ " نموذجا ـ والذين يعلمون جيدا أن العيطة قد تم تركيبها وتشكيلها على صهوات الخيل وإيقاع سنابكها أيام "الشُّجْعَانْ".

في هذا السياق يمكن وصف شرف البحراوي بالعلام/المقدم الذي يطرب الجمهور المتلقي ميدانيا على جميع الأصعدة وسط محرك سنابك الخيل والبارود، كونه مْقَدَّمْ/عَلَّامْ "مَبْلِي وَمُولَعْ بِرْكُوبْ الْخَيْلْ" كما أوضح ياسين عكاشة الفارس العاشق لتراث التبوريدة رئيس الجمعية الوطنية للفروسية التقليدية في تصريحه.

وأكد ياسين عكاشة في تصريحه على أن الْعَلَّامْ "المايسترو" شرف البحراوي "يقنع على مستوى إيقاع الَّلعِبْ والْحَرَكَاتْ ومُرَدَّدَاتِهْ التعبيرية، ـ يقنع ـ الجمهور الغفير والحكام على حد سواء"

وفي نظرنا فإن إقناع لَمْقَدَّمْ شرف البحراوي للجمهور والحكام وسط محرك التبوريدة سواء بدار السلام بالرباط أو معرض الفرس بالجديدة، مردّه إلى أنه خريج المدرسة الناصرية بدون منازع، والتي جعلته بتراكماته الميدانية والتنافسية، يتفنّن، ويتقن، ويبهر، في إبداع طريقة النَّدْهَةْ/الصَّيَحَةْ المدوّية وسط أرجاء الْمَحْرَكْ، ويحرصه بشدة وصرامة على استجماع قوّة وضبط لِجَامْ الْخَيُولْ الدهماء الجامحة، وعينه على اصطفافها بشجاعة ونخوة عند نقطة الصفر، فضلا عن رصده ومراقبته لنباهة ويقظة فرسان كتيبته، بعين الصّقر الذي لا يخطئ الهدف، ولعمري هذا هو علام الخيل العبدي.

فلنقرأ بصيغة الإصغاء، واسترجاع صدى هذه المفردات الجميلة والبهيّة التي يرددّها المقدم شرف البحراوي دائما وأبدا، وهو يقدم شكل صيغة "نَدْهَتِهْ/صَيْحَتِهْ" القويّة التي حافظ عليها منذ عقود خلال المواسم والمهرجانات ودار السلام ومعرض الفرس، أمام جمهوره المتعدد والمتنوع الثقافات وبتنوع فئاته وشرائحه الاجتماعية، وهو ينازل أشرس سربات الخيل ميدانيا على الصعيد الوطني بأبهى وأجود الزي التقليدي الأصيل، ومستلزمات الصناعة التقليدية ذات الصلة، والخيول الجميلة حيث يقول بصوته الجهوري ما يلي:

"بِسْمِ اللهْ، عَمَّرْ بْلَاصْتَكْ أَهْيَا، هَنِّيوْ الْخَيْلْ أَهْيَا، رَعِيوْ الْخَيْلْ أَهْيَا، لَمْكَاحَلْ/ عَا وَحْدَةْ وَحْدَةْ/ عَمَّرْ/ الْخَيْلْ/ شَدْ شَدْ/ لَمْكَاحَلْ/ الْحَفِيظْ اللهْ/ بَانْ/ هُبْ".

معنى ذلك:

بِسْمِ اللهْ: الاعتماد والتوكل على الله

عَمَّرْ بْلَاصْتَكْ أَهْيَا: يحذر الفرسان على الإنضباط والحرص على مواقعهم

هَنِّيوْ الْخَيْلْ أَهْيَا: ينبه الفرسان على التعامل مع الخيل بأدب دون خشونة

رَعِيوْ الْخَيْلْ أَهْيَا: يوصيهم خيرا بالخيل

لَمْكَاحَلْ: ارفعوا البنادق واستعدوا

عَا وَحْدَةْ، وَحْدَةْ: دبّبوا ودرّجوا الخيل رويدا رويدا

عَمَّرْ: حافظ على موقعك بثبات وشجاعة

الْخَيْلْ: أطلقوا لجام الخيل بحذر ونباهة ويقظة

شَدْ، شَدْ: تحكّم في اللجام واضبط حانك

لَمْكَاحَلْ: ارفعوا البنادق وتبثوها وضعوها دراعكم، وأصبعكم على الزّناد

الْحَفِيظْ اللهْ: أحاطكم الله بعنايته وحفظكم من سمّ البارود

بَانْ: اظهر، وكن منتصب القامة واستعد للطلقة الموحدة

هُبْ: ساعة ومسافة الصفر

لقد خلقت عَلْفَةْ/سَرْبَةْ الْعَلَّامْ شرف البحراوي نقاشا مهما في أوساط جماهير التبوريدة، إلى جانب الْبَّارْدِيَّةْ مْوَالِينْ الْخَيْلْ ومرافقيهم الأساسيين، بخصوص محافظته على كل ما هو أصيل رفقة فرسانه الذين تشبعوا بأسلوب وطريقة المدرسة الناصرية الأصيلة، رغم استغنائه على مجموعة من الحركات المبهرة على صهوات الخيول لاعتبارات موضوعية وذاتية، قد نفصل فيها في مقال آخر.

 

لقد أعادت سربة/كتيبة فرسان شرف البحراوي إلى الأذهان إشراقات الطريقة الناصرية التي خفت بريقها منذ أن تم تتويج البطل المقدم/العلام بوشعيب بردان بدار السلام سنة 2012، بصفته أحد ركائز التبوريدة بمنطقة دكالة، وغابت الطريقة الناصرية بحركاتها وأزيائها التقليدية منذئذ عن التتويج إلى حدود سنة 2024، بفضل الفرسان "الشُّجْعَانْ" الذين اختارهم شرف البحراوي بعناية ودقّة من مجالات عبدة ودكالة وأحمر، فتحقّقت سمفونية النّغمة والمبنى والمعنى، بأنامل عزفت على أوتار زناد مكاحل التبوريدة، فصاغت ورسمت لوحات تراثية أبهرت المتلقي والجمهور والحكام خلال فعاليات معرض الفرس في دورته السابعة.

 

كيف لا، وقد ضمّت سَرْبَةْ الْعَلَّامْ شرف البحراوي أجود الفرسان وأشرسهم قتالية على صهوات الخيول ذات النخوة والجمال العربي والعربي البربري، تحت سقف وعناية الْبَّارْدِي والْفَارِسْ الْحَاجْ مِيلُودْ ومن معه، فرسان ينحدرون تاريخيا ومجاليا من سلالة فرسان مدرسة الطريقة الناصرية بدكالة وعبدة وأحمر، والذين تشيخوا على يد رواد تركوا بصمتهم ميدانيا تحكيها سيرهم الخالدة.

 

اليوم بعد أن عادت الخيول لإسطبلاتها، وعدّة وأَسْنِحَةْ الفرسان لصندوق الأجداد، وانقشعت غيوم دخان البارود من سماء محرك التبوريدة بمعرض الفرس للجديدة، أكتب بمداد الفخر والاعتزاز ـ وهو يقطر حبّا ـ من قلم عاشق لتراثنا اللامادي، لأقول بصوت مسموع، لقد تحققت الأهداف المتوخاة، بعد أن تم إحياء وإنصاف الطريقة الناصرية، إلى جانب مدارس أخرى متعددة سيتم تسجيلها وتوثيقها، خصوصا وأن القادم أجمل على مستوى التنظيم والمنافسة سواء تعلق الأمر بإقصائيات دار السلام أو معرض الفرس، فكل جهة مطالبة اليوم أن يلعب فرسانها بطريقتهم ومدرستهم الخاصة والمعروفة تاريخيا ومجاليا، وعلى فرسان سربات الخيل المتنافسة رفقة قائدهم الْعَلَّامْ احترام الزّي والّلباس التقليدي المعلوم والخاص بكل منطقة، ومن الممكن أيضا أن يتم حصر انتساب الفرسان حسب الإنتماء الجهوي.

 

خلال هذه البطولة الوطنية للجائزة الكبرى للملك محمد السادس للتبوريدة، فقد احتل الصف الثاني ـ الميدالية الفضية ـ العلام لمقدم عبد الغني بن خدة عن جهة بني ملال خنيفرة، ممثل الجماعة الترابية بئر مزوي، وهو إبن العلام المخضرم الحاج العربي بن خدة، في حين ظفر بالميدالية النحاسية المقدم حميد صرفاق/ "حميمصة" ممثل جهة مراكش أسفي القادم من جماعة الخوالقة بإقليم اليوسفية والذي اختار أن يلعب بالطريقة الشرقاوية.