نداء يحذر من بعض أشكال "الهمجية " التي تحملها التكنولوجيا فائقة التطور

نداء يحذر من بعض أشكال "الهمجية " التي تحملها التكنولوجيا فائقة التطور المفكر سعيد ناشيد والكاتبة وفاء مليح
وجه رفاق الخطوة الحرة ( سعيد ناشيد، وفاء مليح " نداء دفاعا عن الإنسان جاء فيه : "تعيش الحضارة الإنسانية اليوم منعطفا تاريخيا فارقا، يضعها أمام مفترق طرق مفصلي، وأمام أسئلة شائكة حول تداعيات كل من الرقمنة الشاملة والذكاء الاصطناعي، على هوية الإنسان، تماسك المجتمعات، ومصائر النوع البشري " .

وحذر النداء من مخاطر التدهور الحضاري وتفضي " بعض أشكال الهمجية والتوحش " الذي تحمله التكنلوجيا فائقة التطور رغم كونها تحمل الكثير من الآمال للتنمية والسلام .

وأشار النداء أن التطور التكنولوجي في ظل مجتمعات تسود فيها أجواء التصحر الثقافي قد يؤدي إلى انحطاط كل ما هو إنساني في الإنسان، كما سبق لستينف هوكينج أن حذر من ذلك حينما قال : " إن تطوير الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتسبب في نهاية الجنس البشري، طالما البشر مقيدون بالتطور البيولوجي البطيء، ولا يمكنهم التنافس مع الآلات التي تعيد برمجة ذاتها بسرعة".

ودعا النداء إلى تفعيل أبعاد الإنسان كافة وباستمرار، وذلك لئلا تضعف أمام فاعلية التكنولوجيا المتطورة، على أنّ ميدان العمل الأساسي لأجل الحفاظ على ما هو إنساني في الإنسان هو الحقل الثقافي بالذات، باعتباره قوة ناعمة للتنمية والأمن والسلام، مضيفا بأن تطور تكنولوجية التواصل والاتصال الذي فرض تغييرا شاملا في نمط حياة جميع الناس، قد أصبح يسائل مستقبل أهم مؤسسات الدولة الحديثة، على رأسها الحزب، النقابة، المدرسة، الجامعة، والإعلام، كما يسائل موقع الثقافة والمثقفين سواء على الصعيد الوطني، الإقليمي، أو الدولي، ويطرح بالموازاة تحديات غير مسبوقة أمام وظائف الذكاء البشري، وأدوار الرأسمال الرمزي، لغاية تحقيق معادلة الأمن والتنمية والسلام.

وقال أيضا إن هامش الانفلات الملازم بالضرورة لمجتمعات الانتقال الديمقراطي، قد اتسع بفعل صيرورة الانتقال الرقمي، وهو الوضع الذي أتاح لكل فرد فرصة أن يصير "مؤثرا" ضمن سياقات يصعب التكهن بها، وهو الواقع الذي يجعل من تنمية الذكاء العمومي في كل أبعادها الفكرية والوجدانية حاجة أمنية وضرورة تنموية للمجتمعات كافة، لا سيما وأن مركز ثقل العملية التنموية آخذٌ في الانتقال من طور الإنتاج المادي إلى طور الإنتاج اللامادي، موازاة مع انتقال مركز ثقل الحضارة المعاصرة من العقل الأداتي إلى العقل التواصلي، وهو الوضع الذي يمنح للأفكار والثقافة والجمال دورا أكبر في تماسك المجتمعات وقدرتها الذاتية على تحقيق النمو والأمن والتنمية.
كما لا ننس - يضيف النداء - الدور الذي أمسى مطلوبا من الدبلوماسية الثقافية لغاية تحقيق التقارب المنشود بين مختلف الدول والمجتمعات، سواء في الأبعاد الفكرية، المعرفية، أو الجمالية.

وأمام هذه التحديات والرهانات، فإن المقاربات المالية التقليدية التي كانت تضع دور المثقف على الهامش، لكي يحتضنه إما اليسار الجذري أو حانات التسكع، قد أصبحت عاجزة عن تلبية حاجيات عصر أصبح فيه كل مواطن يمتلك مكبر صوت ليقول أي شيء – يقول النداء - وبالتالي ففي ظل الخيار الديمقراطي الذي لا رجعة عنه، سيكون أمامنا طريقان، أما أن نترك كل مواطن يقول أي شيء في انتظار اقتناص أخطائه وخطاياه قبل إسكاته، أو أن نعلمه كيف يقول؟ وقبل ذلك، كيف يفكر؟ كيف يختبر مشاعره؟ كيف يغذي خياله؟ كيف يتعاطف بمشاعر إيجابية؟ كيف يتطلع إلى المعرفة بشغف؟ كيف لا يقبل أن يتعرض عقله للخداع والتضليل؟

ودعا البيان في الأخير مؤسسات الدولة المعنية بالشأن الثقافي إلى ما يلي:
- رعاية الحقل الثقافي في أبعاده الفكرية والأدبية والعلمية بكل الجدية المطلوبة، وفق رؤية استراتيجية واسعة المدى وطويلة الأمد، وذلك بمعزل عن الحسابات السياسوية الضيقة التي ترعى "مشاهير نسب المشاهدة العابرة"!
-العمل على الإصلاح التربوي على أساس إدماج الرقمنة والذكاء الاصطناعي وفق مناهج تركز على تنمية الذكاء التركيبي، الذكاء العاطفي، وملكة الخيال.
-العمل على الإصلاح اللغوي على أساس تبسيط واختزال قواعد اللغة العربية، وبما يتماشى مع حاجيات الانتقال الرقمي.
- فتح وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية على النقاش الثقافي والفكري بإخراج فني وتواصلي يشدّ الجمهور ويوجه النقاش العمومي، تماما مثلما تفعل بعض الفضائيات الرائدة باحترافية، وذلك بعيدا كل البعد عن أكذوبة "هذا ما يحبه الجمهور"!
- إعادة النظر في فلسفة وسياسة الجوائز الفكرية والأدبية، والتي على شحها وضحالتها، فإنها لا تخدم الإنتاج الثقافي كما ينبغي أو كما يُفترض.
- منح كل قطاع من قطاعات الوظيفة العمومية نسبة محددة لغاية التفرغ للعمل الثقافي، أسوة بالتفرغ النقابي والسياسي والجمعوي، وذلك وفق معايير ولوائح يتم تحديدها ومن ثم تحيينها كل عام، بناء على الإنتاجية والمردودية كذلك.
-مراجعة معايير وطرائق تقييم عمل مراكز الدراسات، بنحو يحفزها على إنتاج الأفكار الجديدة، واقتراح المبادرات غير التقليدية، مع إشراف أكاديميين عريقين ومتعددي التكوين على مساطر التقييم والمحاسبة، على اعتبار أن الإنتاج اللامادي له معاييره الخاصة.
- إعطاء الاعتبار لكل أشكال الإبداع الفكري والأدبي والعلمي والمعرفي والفني، انسجاما مع التحولات العالمية الجارية، وتقديرا للرؤية الملكية المعبر عنها منذ عام 2014 والتي تنص على أهمية” احتساب الرأسمال غير المادي كمكون أساسي".