نشر أحد المواقع الخاصة إحصائيات حول حركة المغاربة والجزائريين باتجاه كلٍّ من البلدين الجارين، علماً بأن هذه الحركة لا تتم إلا جوّاً عن طريق تونس أو إحدى البلدان الأوروبية، فاتضح من خلال ذلك أن عدد الجزائريين الذين زاروا المغرب خلال سنة 2023 بلغ إلى 300 ألف نفر من الجنسين، بينما لم يتعدّ عدد المغاربة الذين زاروا الجزائر خلال السنة ذاتها 1.500 نسمة!!
الرقمان معاً لهما دلالاتهما الواضحة والصريحة، فالأول يدل على وجود حاجة أكبر لدى الجزائريين لزيارة المغرب لقضاء أوطار مختلفة مثل صلة الرحم، واقتناء سلع ومشتريات، أو الاستفادة من خدمات لا وجود لها في بلد الغاز والنفط، ومن بينها، أيضاً، العناية الفائقة والعارفة التي يتمتع بها السياح القادمين إلى المغرب من كل جهات المعمور...
وقد ذكر الموقع أغراضا غير قليلة، ومختلفة، يسعى إليها في العادة أبناء الجارة الشرقية، منها التطبيب والعلاج، وخاصة الطبيعي، كالتدليك والحجامة والتداوي بالأعشاب تحت إشراف دكاترة متخصصين ذوي سمعة طيبة وشهرة عالمية...
ذكّرني هذا بالذات، بما نقله المؤثر والصحافي الجزائري المُعارض، أنور مالك، الذي كان يشكو من آلام مبرحة، على مستوى كتفه وعنقه وعموده الفقري، عاقته عن الحركة وعن العمل، فلم تنفعه في معالجة ذلك زيارات طبية كثيرة قام بها لدى بلدان أوروبية، وأخرى عربية، إلى أن أرشده أحد أصدقائه المغاربة إلى مؤسسة علاجية كائنة بمدينة سلا، حيث تلقّى علاجات طبيعية خففت عنه مصابه، وأسرعت به الخُطا نحو الشفاء، ليعود إلى سابق نشاطه الإعلامي... وقد حكى ذلك وخصص له حلقة من حلقاته داعيا متتبعيه إلى اللجوء إلى المؤسسة المذكورة عند الحاجة، فكان ذلك بمثابة دعاية وإشهار مَجّانيَيْن كريمَيْن لتلك المؤسسة.
أما الرقم الثاني، والمتعلق بزوار الجزائر من المغاربة، فيدل على عدم حاجة هؤلاء إلى تلك الزيارة إلا في حالات الضرورة القصوى، وأن أغلبها حتى لا نقول مجملها يدخل في نطاق صلة الرحم وليس أكثر.
يقول تقرير إحصائي لأحد الباحثين الجزائريين، المقيمين بالمغرب، إن نحو 20 ألفَ مواطن جزائري، من الجنسين، يعيشون بالمغرب بصورة مستديمة، مفضلين الاستقرار به، وأن منهم من هاجروا إلى المغرب أثناء اندلاع أحداث العشرية السوداء بالجارة الشرقية، في تسعينات القرن الماضي، بينما لا يُقيم من المغاربة بالجزائر بصورة دائمة سوى نحو 2350 نفر.
ويظهر من الابحاث الإحصائية التي أجريت في هذا الصدد أن أغلب الجزائريين المستقرين بالمغرب ينتمون إلى فئات المستثمرين والتجار والعاملين بالمهن الحرة، بينما ينتمي أغلب المغاربة المستقرين بالجزائر إلى فئة الحرفيين، وقليل منهم يستثمرون بذلك البلد، الذي يمكن ان يتوفر فيه أي شرط ماعدا الشروط المشجعة على الاستثمار (!!!) وبالتالي فالمغاربة المستثمرون بالقطر الجزائري كان معظمهم قد هاجر إلى هناك منذ فترة الاستعمار الفرنسي، أو غداةَ حصول الجزائر على "تقرير مصيرها"، كما أن منهم نسبةً غيرَ هيّنةٍ استقرت هناك بسبب التزاوج والمصاهرة، ومن ثَمّ فهؤلاء من القلائل الذين أخطأتهم سهام "المسيرة السوداء"، التي نظّر لها الرئيس بوخروبة فأدّت به إلى طرد نحو 350 ألف مغربية ومغربي في صبيحة عيد الأضحى الموافق لسنة 1975، كرد فعل متشنج وغوغائي للهواري بومدين على النجاح الباهر الذي حققته المسيرة الحسنية الخضراء!!
ونعود إلى قرار النظام الجزائري الأخير، بفرض التأشيرة على "كل أجنبي يحمل جواز السفر المغربي"، حسب التعبير الوارد في بيان الخارجية الجزائرية والمعلِن عن القرار ذاته، وهو تعبير مضحك ومثير للسخرية والرثاء في آن واحد، لأنه يومئ ضمنيا إلى اتهام المغرب بمنح جوازات سفره لجواسيس أجانب، ومنهم إسرائيليون بالذات، وهذا هو المضحك في هذا الموقف، لأن عناصر الموساد الإسرائيلي ليسوا من الغباء والبلادة ما يجعلهم ينتحلون صفة "سياح مغاربة"، وهم يعلمون حق العلم أن المغاربة غيرُ مرغوبٍ فيهم ومتهمون ومُدانون من لدن حكام الموراديا قبل حتى أن يغادروا بيوتهم بالمغرب، ويعلمون، أي عناصر الموساد، أن في وسعهم استعمال جوازات سفر فرنسية مثلاً، أو أمريكية أو بريطانية أو إيطالية... لعلمهم بأن حكام الجزائر ينحنون رُكَّعاً سُجَّداً لمثل هذه الجنسيات بلا أدنى حرج!!
تعالوا الآن نطرح السؤال البديهي: من الذي سيتضرر من فرض التأشيرة الجزائرية على المغاربة، الذين لا يتعدى عدد المترددين منهم على الديار الجزائرية، كما سبق القول، ألفاً أو ألفاً وخمسمائة زائر؟! ليتضح لنا، بما لا يدع مجالا للشك، بأن عجزة الموراديا اتخذوا قرارهم ذاك وهم كالعادة في حالة سُكْرٍ طافح، منتظرين أن تُعامِلهم السلطات المغربية بالمثل، وعندئذ سيتسنى لهم أن يتنفسوا الصعداء، لأن مربط الفرس في قرارهم ذاك هو أن يُقَدّم المغرب لهم مبررا كافيا لمنع مواطنيهم من زيارة بلادنا بعشرات الآلاف، بل بمئات الآلاف، بمناسبة جريان مباريات دورة 2025 لنهائيات كأس الأمم الإفريقية بكبريات المدن المغربية، لأن ذلك إذا وقع، وقدّره الله عليهم، فإنه سَيُعرّي كذبَهم المستديمَ على شعبهم المسطول، وسيدرك هذا الشعب آنئذٍ أن المغرب هارب بسنوات ضوئية عن "ثالث اقتصاد في العالم"، وأنه يشكّل القوة الإقليمية، والقوة الضاربة الحقيقية في المغرب الكبير، وفي إفريقيا، جنبا إلى جنب مع مصر، وجنوب إفريقيا، ونيجريا، وإثيوبيا الصاعدة، وسيعلم ذلك الشعب المغبون أن حكامَه يُعَيِّشونه في أوهام أغرقوه فيها على مدار نصف قرن من الزمن!!
ويبقى أجمل وأروع ما في حادثة فرض التأشيرة هذه، أن السلطات المغربية تمسّكت بسلوكها الحضاري المعتاد: "النُّخّال"، تاركةً النظام الجزائري عرضةً للفُرجة الإقليمية والعربية والعالمية...
"واللي ما شرى يتنزّه" كما يقول المثل المغربي الشعبي المأثور!!!
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي.