الصراع في الشرق الأوسط: رؤية الدكتور رضوان رشدي حول الأسباب والتدخلات وآفاق الحل السياسي

الصراع في الشرق الأوسط: رؤية الدكتور رضوان رشدي حول الأسباب والتدخلات وآفاق الحل السياسي الدكتور رضوان رشدي، رئيس مركز ابن رشد للدراسات والأبحاث الإنسانية
في هذا الحوار، يتحدث الدكتور رضوان رشدي، رئيس مركز ابن رشد للدراسات والأبحاث الإنسانية، حول الأسباب العميقة لاستمرار الصراع في الشرق الأوسط، ودور التدخلات الدولية والإقليمية في تأجيجه. كما يناقش احتمالات التسوية السياسية للصراع في المستقبل القريب، في ظل التوترات المستمرة والتدخلات المتعددة من القوى الإقليمية والدولية.
 
ما هي الأسباب الحقيقية وراء استمرار الصراع في الشرق الأوسط؟ وهل قدر هذه المنطقة أن تبقى بؤرة توتر عالمية؟
- في رأيي، أن الصراع في الشرق الأوسط سيظل دائماً دائرة مستمرة لا تتوقف، وذلك بسبب الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية. هذا الاحتلال يُغلف بعقائد دينية تروج لفكرة أن الأرض المحتلة هي أرض تاريخية لهم، وبالتالي لا يعترفون بوجود دولة فلسطينية أو حتى بالفلسطينيين أنفسهم. يزداد الأمر سوءاً حينما يكون التوجه التلمودي هو المحرك الأساسي للسياسة الإسرائيلية، كما يظهر في تصريحات وزراء مثل سموتريتش وبن غفير، الذين يرون أن الوقت قد حان لحسم مسألة الضفة الغربية من خلال ضمها واستعباد الفلسطينيين أو طردهم.

وحيث إن المسجد الأقصى مقدس للمسلمين جميعاً، فإن التحرش به أو التصريح ببناء هيكل بدلاً منه يجعل الاستقرار داخل "إسرائيل" مستحيلاً. جوهر الصراع الآن هو صراع عقائدي وتاريخي، لا مكان فيه للدبلوماسية. تجلى ذلك بوضوح في المجازر المرتكبة في غزة، التي أسفرت عن قتل الآلاف من الفلسطينيين دون أي استجابة إنسانية من قبل المحتل. هذه الشرارة تنتقل الآن إلى لبنان واليمن وباقي الفصائل المنضوية تحت محور المقاومة.

قد يدعي البعض أن سبب الصراع هو هجوم حماس على مستوطنات غلاف غزة، ولكن المقاومة حق مشروع عندما يتم احتلال الأرض واستئصال السكان الأصليين. ومن ثم، طالما هناك احتلال، فإن المقاومة ستستمر والصراع سيبقى قائماً، خصوصاً عندما يرتكز الاحتلال على رؤية توراتية عقائدية.

كيف ترون تأثير التدخلات الدولية والإقليمية في تأجيج هذا الصراع؟ وما مدى تأثير ذلك على استقرار المنطقة؟
- حصار غزة المستمر منذ عام 2007، دون تحرك من أي دولة لفك هذه العزلة، جعل القطاع سجناً كبيراً لملايين البشر. ويشتد هذا الحصار عندما يصبح الاحتلال للأرض وتضييق الحصار على الفلسطينيين أمراً مقبولاً لدى بعض الدول العربية، التي باتت تنظر إلى علاقتها مع المحتل وكأنها علاقة طبيعية مع دولة شرعية.

دول الإقليم المحيطة بغزة أصبحت متماهية مع الكيان ولا تهدد مصالحه، بل قد يكون تدخلها العسكري أو الاستخباراتي خدمة لمصالح الاحتلال، كما حدث عندما صدت الأردن صواريخ المقاومة بدعوى اجتيازها لمجالها الجوي. أما على الصعيد الدبلوماسي، فالتصريحات الصادرة من دول الطوق العربي وتركيا تظل مجرد تصريحات دون تأثير ملموس.

من الناحية الدولية، نرى محور المقاومة يدعم غزة من خلال تدخلات من لبنان واليمن والعراق وإيران، في مقابل دعم غربي قوي لإسرائيل، تقوده الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، من خلال تزويدها بالأسلحة والصواريخ المتطورة. التدخل الدولي إذاً متماسك مع القوة الاحتلالية ولا يتم كبحها نسبياً إلا من قبل جبهة مقاومة تسعى لتجنب حرب شاملة.
 
هل تعتقد أن هناك فرصة لتحقيق تسوية سياسية للصراع في المستقبل القريب؟ وما هو شكل الحل الأنسب برأيك؟
- لا أعتقد أن هناك مؤشرات تدل على قرب انتهاء الصراع، بل على العكس، فإن التناغم الأمريكي الأوروبي مع إسرائيل، ودعمها عسكرياً ودبلوماسياً في المنتظمات الدولية، يجعل احتمالية التسوية بعيدة. كما أن صعود قيادات إسرائيلية متأثرة بتربية دينية تلمودية، ترى أن الأرض وهبت لهم دون سواهم، يعزز من فكرة الاستيطان لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى.

في المقابل، نجد أن المقاومة الفلسطينية، خاصة في غزة، تستمد قوتها من عقيدة صلبة تجعلها ثابتة في مواجهة الاحتلال، رغم الإغراءات والضغوطات. إذا تم تهديد المسجد الأقصى، وهو المقدس لدى المسلمين، فإن ذلك سيشعل الصراع مجدداً.

ورغم محاولات الولايات المتحدة للترويج لموجة التطبيع، فإن هذا لن يُقبل لدى المقاومة التي لا ترى في احتلال مبني على استئصال الفلسطينيين شيئاً طبيعياً. قد تهدأ وتيرة الصراع في حالة التوصل إلى اتفاق مصلحي بين الولايات المتحدة وإيران، ولكن الحكومة الإسرائيلية الحالية واضحة في سياساتها وقد تدفع نحو حرب إقليمية واسعة.

أما إذا تحركت المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة العدل الدولية بإجراءات ملزمة وعادلة، فإن ذلك قد يحد من غطرسة الاحتلال، وهو ما نأمله.