مع نهاية الولاية الجماعية الأخيرة للعمدة محمد ساجد (امتدت من 2009 إلى 2015) بدأ مسلسل إحداث شركات التنمية المحلية في خطوة لتدبير احترافي للعديد من القطاعات التي تدخل ضمن مهام المجلس الجماعي.
ومنذ اليوم الأول لبداية مسار تأسيس شركات للتنمية لم يتوقف الجدل حول هذه القضية، بين من يؤكد أن هذه الخطوة تأتي كرد فعل طبيعي عن "فشل" شركات التدبير المفوض في تحسين جودة الخدمات وأنه عوض الاستمرار في عقد صفقات مع شركات لتدبير بعض القطاعات، فإنه من الأحسن تأسيس شركات للتنمية المحلية التي تكون يد المجلس في تدبير قطاعاته والمشاريع التي يرغب المجلس في إنجازها.
واعتبر أشد المعارضين لفكرة إحداث شركات التنمية المحلية أنها مجرد وسيلة لسحب البساط من تحت أقدام المنتخبين، مؤكدين أن مع توالي إحداث هذه الشركات سيكون سكان البيضاء ملزمين بالتصويت على مدراء هذه الشركات عوض المترشحين للانتخابات، لأن كل القرارات ستسحب من يد هؤلاء المنتخبين.
ومع توالي السنوات بدأ يظهر العلاقة المتوترة بين بعض المنتخبين وعدد من مدراء هذه الشركات. ففي دورات متعددة يطالب مجموعة من المستشارين الجماعيين سواء في هذه النسخة أو التي سبقتها بضرورة عقد يوم دراسي للوقوف عن ايجابيات وسلبيات عمل هذه الشركات من أجل تصحيح الأعطاب ومحاسبة مدراء هذه الشركات، الذين أصبح حضور البعض منهم في دورات المجلس في حد ذاته انجازا، علما أنه من المفروض أن يحضروا خلال دورات المجلس ليستمعوا إلى تدخلات الأعضاء حول القطاعات التي يشرفون عليها، يقول أحد المنتخبين.
ويؤكد بعض المراقبين أنه لايمكن وضع جميع شركات التنمية المحلية في سلة واحدة، حيث تمكنت بعض الشركات من وضع بصمة في البيضاء، كما هو الحال بالنسبة لشركة الدارالبيضاء للنقل وشركة البيضاء للبيئة.. في حين أن بعض الشركات الأخرى لا يسمع لها نبض في العاصمة الاقتصادية.
وقال يوسف أفعداس، رئيس المقاولات الصغرى والمتوسطة في قطاع البستنة والمساحات الخضراء، : "في العديد من المناسبات نتساءل عن دور شركات التنمية المحلية في مدينة الدارالبيضاء، خاصة في القطاع الذي يتعلق بالمساحات الخضراء والبستنة. ونتساءل دوما عن حجم الصفقات العمومية الضخمة والتي تكون بشروط تعجيزية".
وأضاف أفعداس، أنه مع قدوم الوالي الجديد تبين البعد التنموي في العاصمة الاقتصادية، علما أن هذا الدور بدخل ضمن مهام شركات التنمية المحلية.
وأكد محدثنا، أنه لابد من القيام بمحاسبة عمل هذه الشركات، خاصة أنها تصرف الأموال الضخمة، خاصة أن الدارالبيضاء لابد لها أن ترتقي إلى ما هو عليه الحال في العديد من المدن الكبرى في العالم.
بدوره أبرز مصطفى منضور، عضو بمجلس مدينة البيضاء ان شركات التنمية المحلية لم تقدم أي جديد بالنسبة لتدبير القطاعات التي تشرف عليها، حيث يتم الاكتفاء فقط بدور الوساطة بين جماعة الدار البيضاء المقاولات لإنجاز بعض المشاريع التنموية، مؤكدا أن هذه الخدمة تتقاضى عليها شركات التنمية المحلية نسبة مئوية من هذه المشاريع، وذلك في غياب المراقبة والمحاسبة.
وقال منضور: "ما يروج حاليا هو الحديث عن حل شركة التنمية المحلية للتراث، ولكن هل تم تقييم العمل الذي قامت به هذه الشركة في البيضاء وفحص ماليتها.. كما أنه تم تأسيس شركة "كازا موارد"، ولكن دون أن تشتغل، بالإضافة إلى مجموعة من الأشياء الغير الواضحة في عمل هذه الشركات. ويمكن القول إن أعضاء مجلس جماعة الدار البيضاء مغيبين وليس لهم أي دراية بالملفات التي تشرف عليها هذه الشركات، على اعتبار أن مدراء شركات التنمية المحلية ينسقون مباشرة مع سلطة المراقبة ورئاسة المجلس في غياب دور فعال للمجلس".
يوسف الساكت، صحافي ومهتم بالشأن المحلي البيضاوي، أوضح أنه لم يعد الوضع "غير الطبيعي" لشركات التنمية المحلية في منظومة التدبير بالدار البيضاء تخفى على احد، مضيفا أن أخطر ما في هذا الوضع تأثيره على الفعل المحلي بكل أوجهه، سواء من الناحية القانونية، أو التدبيرية، أو السياسية.
وزاد الساكت قائلا: " يمكن أن نتناول معضلة هذه الشركات من عدة مداخل، أي "فين ما ضربتي القرع يسيل الدم" ، لكن أفضل الحديث عن الجانب القانوني المرتبط بالحكامة. فجميع هذه الشركات التي يصل عددها إلى سبع بالدار البيضاء، تشترك في سمة واحدة، هي عدم احترام القانون (خصوصا مرسوم الصفقات العمومية) ما سمح لبعض هذه الشركات عقد اتفاقات مباشرة ومكلفة مع مجلس الجماعة، ما يؤثر سلبا على الجانب التدبيري، ناهيك المشكل الذي يمكن أن يطرح في تفسير مبدأ دستوري هو التدبير الحر الذي خص به القانون التنظيمي الجماعات المحلية. وقد انتبه المجلس الأعلى للحسابات، في تقرير حول الموضوع إلى هذا للتغول، حين جاءت خلاصاته وتوصياته متطابقة مع مجمل الانتقادات التي ظلت توجه لهذه الشركات منذ سنوات. وربما لهذا السبب، تتشنج العلاقات بين مديري شركات التنمية المحلية، أو بعضها على الأقل، وبين والي جهة الدار البيضاء سطات، لعلمه الجيد "بميكانيزمات" اشتغالها، و"حقيقة" مردوديتها، مقابل الأموال الطائلة المرصودة لها في شكل اتفاقيات تحت "الدف"، ونسب عالية لإنجاز هذه المهام.
وأكد محدثنا، أن هذا النمط من التدبير أوشك على النهاية هو الآخر.. ولن تكون شركات التنمية المحلية، أحسن من "ليدك".