سعيدة كمال: مدارس الريادة.. قيم مضافة وتحديات في ظل واقع التعليم المغربي

سعيدة كمال: مدارس الريادة.. قيم مضافة وتحديات في ظل واقع التعليم المغربي سعيدة كمال
تعتبر مدارس الريادة مشروعاً طموحاً يسعى إلى تحسين البيئة التعليمية في المغرب من خلال توفير تجهيزات وبنية تحتية تسهم في دعم العملية التعليمية. إلا أن هذا المشروع، رغم قيمته المضافة، لا يخلو من تحديات واختلالات تحتاج إلى معالجة شاملة لضمان تحقيق أهدافه.
يقدم مشروع مدارس الريادة العديد من الإيجابيات التي كان يُفترض توفيرها منذ سنوات، ومنها:
- تجهيز المؤسسات التعليمية بالحواسيب، والمسلاط (البروجكتور)، والمكتبات الصفية داخل الأقسام.
- الاهتمام بالفضاء المدرسي، وتوفير بيئة تعليمية جاذبة.
- تمكين الأساتذة من الوسائل والمعدات اللازمة، بما في ذلك الموارد الرقمية التي تساهم في تسهيل العملية التعليمية.
منهجية التقويم والتحديات السابقة 
قبل إطلاق المشروع، كان الأساتذة يواجهون صعوبات كبيرة في إدارة الفترة المخصصة للتقويم التشخيصي والدعم العلاجي. كل أستاذ كان يعتمد على اختبارات فردية لتقييم المكتسبات القبلية للمتعلمين، ما أدى إلى تفاوت التقييمات بين نفس المستوى الدراسي. هذا الوضع أضر بموضوعية النتائج وفعالية التقويمات.
 
إلا أن المشروع الجديد قدم "رائز الموضعية"، وهو اختبار موحد لكل المستويات الدراسية، يهدف إلى تحديد مدى تمكن المتعلمين من التعلمات الأساسية في القراءة باللغتين العربية والفرنسية، والحساب. هذا الرائز يساعد في تصنيف التلاميذ ضمن مسارات تعليمية تلائم احتياجاتهم، مما يتيح لهم تلقي الدعم المناسب وفق نتائجهم.
 
رغم ما يقدمه المشروع من مزايا، إلا أن مدارس الريادة لا تخلو من تحديات تؤثر على فعالية النظام التعليمي بشكل عام:
تأخر التجهيزات وتأهيل المؤسسات 
عندما تتأخر عمليات تجهيز الأقسام وتزويدها بالأدوات الضرورية (مثل الحواسيب، السبورات الرقمية، الروائز...)، يؤدي ذلك إلى هدر الزمن المدرسي وإرهاق جسدي ونفسي للأساتذة والمتعلمين. كما أن هذا التأخير يعرقل السير العادي للعملية التعليمية.

محدودية رائز الموضعية  
يركز الرائز الحالي على المهارات الأساسية فقط، مثل القراءة والحساب، متجاهلاً العديد من المكتسبات السابقة التي تعدّ ضرورية لتكوين المتعلم بشكل متكامل. هذا التركيز على المهارات الدنيا يثير تساؤلات حول مدى إنصاف الرائز للفئات المتفوقة التي تحتاج إلى أنشطة تعليمية تتناسب مع مستوياتهم العالية.

إرهاق الأساتذة بالمهام الإدارية 
يُطلب من الأساتذة إعداد مجموعة من الوثائق الإدارية مثل الملف التراكمي، الذي يجب أن يشمل تقارير، صور توثيقية، وخطاطات ذهنية، وغيرها. هذا الإجراء يثقل كاهل الأساتذة، ويزيد من الضغط النفسي والجسدي عليهم.

التخصص العشوائي للأساتذة  
في ظل تطبيق طريقة "طارل"، يتم تقسيم الأساتذة على مستويات الدعم وفق تخصصات ثلاثية (عربية، فرنسية، رياضيات)، إلا أن هذا التقسيم قد يضع الأساتذة في مواقف صعبة. إذ قد يُجبر أستاذ متخصص في مادة معينة على تقديم الدعم في مادة أخرى، ما قد يؤدي إلى تدني جودة التعليم في هذه المواد.

تفاوت توزيع حصص الدعم  
هناك تفاوت في توزيع حصص الدعم بين المواد. فعلى سبيل المثال، يحصل أستاذ اللغة الفرنسية على 50% من الوقت المخصص للدعم لكل فوج، بينما يقتصر دور أساتذة العربية والرياضيات على 25% فقط لأربعة أفواج. هذا التفاوت يثير التساؤل حول خلفية هذا التوزيع، خاصة في ظل إقصاء بعض المواد الأخرى من الدعم.
لمعالجة هذه التحديات والاختلالات، نقترح عدة حلول لتحسين نظام مدارس الريادة:
ضرورة تجهيز المؤسسات بشكل كامل 
يجب أن يتم تجهيز المؤسسات التعليمية بجميع الوسائل الضرورية دون تأخير، مع تطوير اختبارات الرائز لتشمل جميع جوانب التعلم، وليس فقط المهارات الأساسية.

إنصاف الفئات المتفوقة  
ينبغي تعديل خطة الدعم بحيث لا تقتصر على تحسين أداء الفئات التي تعاني من تعثرات، بل يجب أن تشمل أيضًا أنشطة تعليمية متقدمة تتناسب مع احتياجات الفئات المتفوقة.

مراجعة المناهج والبرامج 
من الضروري إعادة النظر في المناهج والبرامج التعليمية وتقليص ساعات العمل، بالإضافة إلى تحسين أوضاع العاملين في قطاع التعليم، وتقديم حلول من واقع المدرسة المغربية، دون استيراد مقاربات تعليمية من دول أخرى دون دراسة مدى ملاءمتها للواقع المحلي.

توزيع الموارد البشرية بشكل عادل  
ينبغي توفير التخصصات بناءً على مؤهلات الأساتذة وخبراتهم العملية، وتجنب توزيعهم بشكل عشوائي أو إجباري على مواد لا يتقنونها.
 
التركيز على تحسين أوضاع الأساتذة 
الأستاذ هو العنصر المحوري في أي عملية إصلاح تعليمية. يجب الاهتمام بتكوينه وتطوير مهاراته بشكل مستمر، مع تحسين أوضاعه المادية والمعنوية، وإشراكه كقوة اقتراحية في أي مخطط يستهدف تحسين الحياة المدرسية.

مشروع مدارس الريادة يحمل في طياته الكثير من الفرص لتطوير التعليم في المغرب، ولكنه أيضاً يواجه تحديات تستوجب حلولاً فورية لضمان استمرارية نجاحه. يبقى الأساتذة والتلاميذ في قلب أي عملية إصلاحية، لذا من الضروري توفير الدعم الكامل لهم لضمان تحقيق أهداف المشروع.