الأزمة المغربية الهولندية التي طفت على السطح مؤخراً، والتي بدأت يوم الجمعة 10 أكتوبر2014، بمناقشة الحكومة الهولندية مقترحا أعده لوذوايك أشار، نائب الوزير الأول ووزير الشغل والشؤون الإجتماعية، وتطورت بإصدار وزارة الشؤون الخارجية والتعاون بلاغا شديد اللهجة يوم الخميس 16 أكتوبر2014، لم تبدأ فقط بمقترح وزير الشغل الهولندي الذي يهدف إلى إلغاء اتفاقية الضمان الاجتماعي القائمة بين هولندا والمغرب من طرف الجانب الهولندي، والاتفاقية القائمة بين المملكتين المغربية والهولندية، منذ سنة 1972، والتي تؤطر حقوق العمال المغاربة المقيمون في هولندا وحقوق العمال المغاربة الذين رجعوا، في فترة ما، للاستقرار في بلدهم المغرب، محتفظين بحقوقهم المنصوص عليها في الاتفاقية. بل بدأت ملامح هذه الأزمة منذ سنتين عندما أبلغت هولندا المغرب برغبتها الملحة في تعديل الاتفاقية القائمة بين البلدين، ولم يتوقف الأمر حد إبلاغ من يهمه الأمر، حيث عمدت الحكومة الهولندية إلى إصدار قانون يخضع عددا من التعويضات التي تصرف لمستحقيها المغاربة المقيمين خارج هولندا لمستوى تكاليف العيش في بلد إقامتهم، إذ حددت الحكومة الهولندية تكاليف العيش فيه بـ 60 في المائة مقارنة بهولندا.. وعملا بهذا التقدير، وبالقانون الجديد، شرعت في تخفيض التعويضات التي تصرف للمهاجرين المقيمين في المغرب بنسبة 40 في المائة مقارنة مع مستوى التعويض الجاري به العمل في هولندا مع الهولنديين وأيضا المنحدرين من المغرب.
الأمر الذي خلف استياء كبيرا لدى جمعيات المهاجرين المغاربة بهولندا.. هذا الاستياء ترجم بتأسيس التنسيقية الوطنية لمناهضة خفض التعويضات في دجنبر 2012، إذ عملت التنسيقية على مناهضة خفض التعويضات واحترام الاتفاقيات الثنائية والدولية، كتخفيض التعويضات الاجتماعية للأرامل واليتامى وتعويضات الأطفال من خلال التعبئة والتحسيس، والضغط على الحكومة الهولندية ومساندة الضحايا منذ البداية إلى غاية إنصافهم من طرف القضاء الهولندي.. وتطور ضغط جمعيات المهاجرين بتأسيس وخلق لجنة وطنية للدفاع عن مكتسبات وحقوق المغاربة بهولندا.
فحسب معلومات حصل عليها موقع "أنفاس بريس"، فقد قام المركز الأرومتوسطي للهجرة والتنمية، وهو مركز يهتم بالدفاع عن المغاربة في المهجر خصوصا في هولندا، في منتصف 2012 ، قام المركز بإصدار ملف متكامل عن خطة الحكومة الهولندية بتخفيض التعويضات الاجتماعية ابتداء من فاتح يناير 2013 وطلب من الحكومة المغربية، بالتدخل وتدارك الأمر نظرا أن هذا الإجراء يخرق الاتفاقية الثنائية. إذ أكد تقرير للمركز الأورومتوسطي للهجرة والتنمية، حصلت "أنفاس بريس" على نسخة منه، أن حكومة بنكيران لم تقم بأي موقف أو إجراء لمواجهة خرق الاتفاقية الثنائية، مكتفية بتصريحات "أنها في الحوار مع الحكومة الهولندية التي تجمعها مصالح وعلاقات تاريخية..."، حتى دخل الإجراء حيز التنفيذ في فاتح يناير 2013، ولولا نضالات التنسيقية الوطنية لمناهضة خفض التعويضات واحترام الاتفاقيات الثنائية والقضاء الهولندي الذي أنصف المتضررين والمتضررات لضاعت حقوقهم المكتسبة. وشدد التقرير على أن المركز الأرومتوسطي توصل بعدة شكايات من طرف المتضررين، وخصص مداومة اجتماعية لفائدة المتضررين والمتضررات ومواكتبهم، كما قام بمراسلة رئيس الحكومة المغربية والبرلمان ووزير الجالية ووزير الشغل، وكذلك قام بحملة تحسيسية في المغرب، وذلك بتنظيم ندوات صحفية ولقاءات تواصلية بهولندا شارك فيها أكثر من 11 ألف مغربي ومغربية الذين أبدوا ااستنكارهم لعملية مراقبة الممتلكات في المغرب بمشاركة رجال السلطة المحلية الذين يزودون مكتب مكافحة الغش التابع للسفارة الهولندية بالمعلومات معززة بالوثائق الإدارية، وفي الغالب يقدمون معلومات مغلوطة بدون تأكد من صحة المعلومات الشخصية.
وكشف التقرير أن مكتب مكافحة الغش العابر للحدود أصبح يشتغل بصفة مكثفة منذ السنة الماضية وبتعاون مع السلطات المغربية في إطار اللجنة المشتركة ما بين المغرب وهولندا. الأمر الذي، تؤكده المحاضر المنجزة والحجج التي يتم تقديمها للقضاء الهولندي ضد المستفيدين والمستفيدات، من أجل استرداد التعويضات والمساعدات مع فرض غرامات خيالية يعجز المستفيد عن أدائها.
فكيف ستتعامل الحكومة مع قرار الهولنديين إلغاء الاتفاقية بين البلدين من جانب واحد؟ سؤال يفرض نفسه بقوة خصوصا إذا علمنا أن هذا السؤال يشغل الآلاف من المهاجرين المغاربة بهولندا، بل تتناسل أسئلة كثيرة أهمها: أي إجراء ستقوم به الحكومة المغربية تجاه هذا القرار الذي له انعكاسات سلبية على الحقوق المكتسبة لمغاربة هولندا؟ هل ستلجأ الحكومة المغربية إلى المحافل الدولية من مؤسسات أوروبية كمحكمة العدل الأوروبية "حسب الفصل 65 من إتفاقية الشراكة ما بين المغرب والاتحاد الأوروبي حول الحقوق الاجتماعية"، أو منظمة العمل الدولية؟ هل للحكومة المغربية إستراتجية لمواجهة هذا الوضع؟ وما هي هذه الإستراتيجية؟ ولما لا لم تعلن عنها لحد الآن للرأي العام المغربي والأوروبي وخاصة المجتمع المدني المغربي في هولندا؟