الحسين بكار السباعي: الانتخابات الجزائرية والسيناريوهات المحتملة بعد نجاح عبد المجيد تبون لولاية ثانية

الحسين بكار السباعي: الانتخابات الجزائرية والسيناريوهات المحتملة بعد نجاح عبد المجيد تبون لولاية ثانية الحسين بكار السباعي

انتخابات الجزائر في السابع من شهر شتنبر 2024، لا تختلف عن سابقتها لسنة 2019، انتخابات جاءت في ظرفية اقتصادية، لا تقل تحدياتها عن الظرفية الاقتصادية الخانقة، التي تمر منها الجزائر مند ان أحكم العسكر قبضته على خيارها الديمقراطي، وتوعد كل رئيس مدني يخرج بالاغتيال والتنكيل إن حاول الخروج عن طاعته، كما وقع مع بوضياف رحمه الله، وجرح العشرية السوداء الذي لم يندمل بعد لدى مواطن بلد المليون شهيد هذا الوصف المبالغ فيه.

 

الجزائر اليوم تعيش وضعا اقتصاديا واجتماعيا غير مسبوق، أمام ارتفاع تكاليف المعيشة ومعدلات التضخم إلى أعلى مستوى ببلد البترول والغاز، حسب البيانات الصادرة عن البنك الدولي، ونتيحة الخناق الدولي والفشل الديبلوماسي الذي راكمه نظام العسكر، وأمان اليأس وفقدان الأمل الذي أصبحت تعانيه فئات عريضة من الشباب الجزائري وكفاءاته التي اختارت الهروب عبر مسالك أكثر خطورة، من كابوس البطالة والجوع وطوابير الزيت والحليب ...

 

اليوم الجزائر يا سادة، وبعد نتائج السبت السابع من شتنبر من عام 2024، والتي حسم فيها العسكر وليس المواطن الجزائري، قرار اختيار المرشح الأنسب لرئاسة الجزائر وإكمال مشروعها العدائي، ضد جيرانها والبحث عن مخرجات سياسية جديدة لدعم صنيعتها بوليساريو، ولو على حساب مستقبل شعبها.

 

إنها لعبة عسكرة الانتخابية السياسية، ولو أن من أعتاد لغة التعليمات، لتجسيد فلسفتها وأدبيتها وكيف يجيدها ومكانه الطبيعي الثكنات.

 

لقد عمل عسكر الجزائر وخاصة بعد عشريته السوداء، على التحكم في السياسيين و"الفاعلين المدنيين" والإعلاميين، فأوجد نخبا إسترزاقية هدفها الدفاع عن مشروعهم العدائي والانفصالي، ضد المملكة المغربية بل وضد كل القوى الدولية التي تدعم الديمقراطية وحقوق الانسان والتنمية بإفريقيا.

 

وفي المقابل يقبع المواطن الجزائري المتعطش لقيام دولة مدنية، على هامش المسرحيات الانتخابية المحبوكة الإخراج من قبل العسكر المتحكم من وراء الكواليس، في القرارات المصيرية للجزائريين، ومن خلال كومبرسات أجادوا ادوارهم جيدا، بل و تمنح لهم ادوار مماثلة بإسم ولاية ثانية أو ثالثة و ضدا على الدستور الذي لن يسلم من تعديلات تخليها نزوات أصحاب البدل الخضراء والنياشين .

 

تلكم عزيزي المتلقي ، بعض من الحاضر الغائب في الانتخابات الجزائرية للسابع من شتنبر 2024 ، والتي فرضت "صناديقها " ، اختيار المرشح عبد المجيد تبون لولاية ثانية ،ولخمس سنوات أخرى عجاف و بأمر عسكري من أجهزة المخابرات الثلاث التابعة لقصر رئاسته فقد عملت المديرية العامة للأمن الداخلي، والمديرية العامة للتوثيق والأمن الخارجي، والمديرية العامة للاستعلام التقني، على تجنيد أدرعها بعصابة بوليساريو وبأمر مباشر من قيادتها العليا والتي يتحكم في قبضتها الجنرال الشنقريحة بعد أن انقلب على رفاقه السابقين واغتيال بعضهم و سجن البعض الآخر لتركيع ضباط الجيش الشعبي وضمان ولاءهم ، والحال أن الدور قادم عليه ، بعد الانشقاق الذي عرفته مختلف وحدات هذه "القوة الضاربة ".أقول تعليمات عليا من اجل التأثيث لمساهمة كبيرة من " الصحراويين المحتجزين بتندوف" ، في الانتخابات الجزائرية، خاصة أن منطقة تندوف تعتبر خزانا انتخابيا هاما، تعول عليها الجزائر في إنجاح ديمقراطية العسكر، وتسجيل نسب مشاركة عالية، ويكفي أن نعلم أن تندوف والجنوب الجزائري المنطقة الوحيدة، التي تعرف أكبر نسبة مشاركة مقارنة مع باقي المناطق الجزائرية ، رغم التهميش الكبير الذي تعانيها ورغم ثرواتها الكثيرة، مما يضفي على الانتخابات الجزائرية نوعا من القبول، ويساهم في الوصول الى المعدل الادنى الى المشاركة، في ظل عزوف جزائري كبير .

 

الغائب والحاضر كذلك يا سادة، في مسرحية الانتخابات الجزائرية والذي كشفت عنه بعض تقارير منظمات دولية، والتي قفت على الخنق الذي يطوق أعناق جنرالات قصر المرادية، بسبب غضب الشارع الجزائري، الذي تعمل مخابرات وأجهزة الأمن المذكورة أعلاه، جاهدة على عدم الكشف عنه بإعلامها الكاذب، إعلام أصبح يزيف الحقائق ويتفنن في خلق الإشاعات، ليتهجم على أسياده المغاربة ورموزهم وثوابتهم.

 

هذه الآلة الإعلامية العسكرية والتي تبقى عاجزة عن التحدث عن صفوف مواطني الحليب، وصفوف مواطني السميد، وضياع لدولة الجزائر دولة البترول والغاز.

 

فهل ستنجح فرنسا اليوم والتي أخرجت سنة 1962 دولة بشمال إفريقيا اسمها الجزائر، وللمعلومة لقد رفض أغلبية الجزائريون قبول دولة مستقلة، وصوتوا ضدا على استفتاء الاستقلال مطالبين بالبقاء في حضن أمهم فرنسا.

 

نجاح عبد المجيد تبون اليوم، للمرة الثانية وبدعم من الماما فرنسا واجهزتها العميقة، لا محالة سيعجل بسيناريو الأيام الأخيرة لرفيقه الجنرال الشنقريحة، فالبلد معروف بقلب الطاولة على من يتزعمون أجهزتهم، ومسلسل اغتيالات وسجن من انتهت مدة صلاحيته الوظيفية من القادة العسكريين، معروف لدى الأجهزة السرية الجزائرية.

 

نجاح الكومبرس تبون يتتبعه كذلك ترقب واسع من محللي السياسة الداخلية الجزائرية، و عن قرب إطلاق سراح معتقلين سياسيين، مع إمكانية إطلاق سراح جنرالات سبق تورطهم في أعمال إجرامية داخل الجزائر وخارجها .

 

لا محالة أنه أمر يضل متوقعا حسب وجهة نظرنا المتواضعة، في حالة رحيل المدعو الشنقريحة، فمن المستحيل أن يستمر الرئيس القديم الجديد تبون، ووصيفه شنقريحة في قيادة الجزائر، ومن الأكيد وحسب النسخة الرئاسية الثانية وبإشراف فرنسا، التي تدعم عبد المجيد تبون بقاء الشنقريحة على رأس أركان الجيش الشعبي الجزائري، والذي من المحتمل أن يعوضه الجنرال قايدي كرئيس أركان مقبل، فالأمر الأهم عند فرنسا ماكرون بقاء تبون قوي لولاية ثانية في قصر المرادية.

 

ختاما ، يبقى سؤالنا وسؤال كل باحث في استشراف السياسة الخارجية الجزائرية ، هو مدى إمكانية الرئيس إيمانويل ماكرون، لعب دور الوسيط لحلحلة الصراع بين الجزائر والرباط ، خاصة بعد الاعتراف فرنسا بسيادة المغرب على صحرائه، مع العلم أن سؤال الصحراء الشرقية وأمام هذا الاعتراف ، سد أنفاس النظام الجزائري، الذي أصبح يفكر بكل دهاء في خلق الفتنة لزعزعة استقرار وأمن المملكة الشريفة، عن طريق تجنيد عصابات الاتجار بالبشر والهجرة غير النظامية ، وعملاء مخابرات جزائريين داخل المغرب، البلد الذي أعطى المثال الدولي في التعامل مع ملف الهجرة في إطار مقاربة حقوقية ... احتمالات تبقى واردة وقائمة ، ونظام الجزائر لا يستأمن على شعبه فكيف يستأذن في علاقاته مع جيرانه، فقابلية الشارع الجزائري لقياد التغيير تبقى قائمة، شعب يمتلك اليوم الوعي الكافي لإجبار "الكومبارس تبون " على الخروج من مسرحية الرئاسة قبل نهاية فصلها الأول ، ليفسح المجال لتحقيق الديمقراطية والتنمية والاستقرار في قارة أصبحت تعرف بروز قوى عالمية جديدة ، ساهمت وتساهم في التأثير في العلاقات الدولية ومنها المملكة المغربية، فمشروع الدولة المدنية قريب المنال، وأن قمع إرادة الشعب الجزائري ومختلف فعالياته السياسية والمدنية مستمر، وهو عنوان لهزيمة السكر الذي أساء للسياسة والديبلوماسية .

 

ذ/ الحسين بكار السباعي، محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان