تنشر "أنفاس بريس" مقالا للخبير الاقتصادي، د.يوسف بونوال، يتضمن 22 اقتراحا للإسهام في إنجاح ورش تعميم الحماية الإجتماعية.
وذلك في سياق النقاش الدائر حول تقديم الحكومة مشروع قانون يقضي بتغيير وتتميم القانون المتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض، من خلال دمج صندوق “كنوبس” في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، استجابة للقانون الإطار 09-21 المتعلق بالتغطية الصحية، والذي يؤكد على ضرورة توحيد الهيئات المكلفة بالتدبير. علما أن الحكومة أجلت المصادقة على المشروع خلال انعقاد المجلس الحكومي يوم الخميس 19 شتنبر 2024، بمبرر تعميق دراسته والنقاش حوله.
ورش تعميم الحماية الإجتماعية لفائدة جميع المواطنات والمواطنين المغاربة ورش إستراتيجي مهم يقوده الملك محمد السادس وينخرط فيه الجميع من أحزاب ونقابات ومجتمع مدني وفاعلين إقتصاديين. ورش يمؤسس لمفهوم الدولة الإجتماعية عبر نهج سياسات إجتماعية تهدف إلى محاربة الفقر والهشاشة ومحاربة كل أشكال التفاوتات المجالية ودعم القدرة الشرائية عبر تعميم التغطية الصحية الإجبارية في أفق 2022، لفائدة 22 مليون مستفيد إضافي، وتعميم التعويضات العائلية في أفق 2024 لفائدة حوالي 7 ملايين طفل في سن التمدرس، وتوسيع الإنخراط في أنظمة التقاعد في أفق 2025 لفائدة 5 ملايين مغربي من الساكنة النشيطة،ثم تعميم الإستفادة من التعويض عن فقدان الشغل في أفق 2025 بالنسبة لكل شخص يتوفر على عمل قار.
الحكومة الحالية مطالبة بتنزيل هذا الورش الإجتماعي بدون إخفاق لأن الأهداف المسطرة هي ذات بعد هيكلي وعلى المدى البعيد.
تناقش هاته الورقة موضوع الحماية الإجتماعية بمفهومها الشامل المرتبط بتدبير المخاطر الإجتماعية وسوف نقتصر هنا على برنامج تعميم التغطية الصحية وذلك لأهميته من حيث عدد المستهدفين وكذلك لراهنيته حيث تمت الإنطلاقة في تفعيله.
تم إعداد هاته الورقة وفق منهجية ترتكز على العناصر التالية:
* قراءة ببعد إستراتيجي للمرتكزات الأساسية لمشروع تعميم الحماية الإجتماعية الذي عرف التنزيل في عهد الحكومة الحالية مما يجعلنا نكتفي بصياغة خلاصة دون الخوض في التفاصيل الدقيقة التي ستكون موضوع دراسات مفصلة وبإحصائيات محينة منبثقة عن هاته الورقة.
* التركيز على السياسة التي نهجتها الحكومة الحالية في ما يخص تنزيل وأجرأة مضامين هذا الورش الملكي.
* إبراز أهم الإختلالات التي تعرفها الإجراء ات التي واكبت عملية التنزيل على مستويات المساطير الإدارية (شروط الإستفادة)، والعرض الصحي، و التمويل و الحكامة.
* تقديم بعض الإقتراحات من أجل التجويد و الإسهام في ضمان نجاح ورش تعميم الحماية الإجتماعية لكل المغاربة وفق رؤية بوصلتها بناء المشروع المجتمعي الوطني الحديث الذي تريد أن يتأسس على اقتصاد قوي، ونتاج سياسة اجتماعية متوازنة، وتنمية عادلة لكل المجالات والفئات.
الحماية الإجتماعية ورش ملكي طموح
تعتبر الحماية الإجتماعية حق مـن حقـوق الإنسـان الأساسـية و دعامة من دعامات نموذج الدولة الإجتماعية التي أصبحنا نلاحظ ملامحها بشكل متزايد منذ الأزمة الصحية "جائحة كورونا" والتداعيات والمخاطر والتحديات التي أفرزتها والتي كانت عاملاً رئيسيا في زيادة تركيز اهتمام العالم على الحماية الصحية.
هذه التحديات دفعت المغرب إلى صياغة أجوبة مستعجلة، حيث دعا الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش في يوليوز 2020 إلى مراجعة منظومة الحماية الإجتماعية بشكلها الحالي والتي تتسم بضعف التغطية والنجاعة. دعا الملك محمد السادس كذلك بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان في أكتوبر 2020 إلى توسيع أنظمة الحماية الإجتماعية لتشمل خدماتها مختلف شرائح المجتمع، وهي التوجهات التي ضُمِّنت في القانون الإطار رقم 09.21، الذي نص على تكثيف المجهود العمومي خلال خمس سنوات (2020ــ2025) لتعميم الحماية من المخاطر المرتبطة بالمرض والطفولة والشيخوخة وفقدان الشغل.
وفقا للرؤية الملكية، سيمكن هذا الورش من تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض خلال سنتي 2021 و2022، وذلك بتوسيع الاستفادة من هذا التأمين ليشمل الفئات لهشة والمعوزة التي كانت تستفيد من نظام المساعدة الطبية "الراميد"، وفئات العمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يمارسون نشاطا خاصا، حيث سيتمكن 22 مليون مستفيد إضافي من هذا التأمين الذي يغطي تكاليف العلاج والاستشفاء.
سيمكن كذلك من تعميم الإستفادة من التعويضات العائلية خلال سنتي 2023 و2024، وذلك من خلال تمكين الأسر التي لا تستفيد من هذه التعويضات من الاستفادة، حسب الحالة، من تعويضات للحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة أو من تعويضات جزافية.
في موضوع التقاعد و تدبير مخاطر الشيخوخة، نص المشروع على توسيع قاعدة المنخرطين خلال سنة 2025، لتشمل الأشخاص الذين يمارسون عملا ولا يستفيدون من أي معاش، من خلال تنزيل نظام المعاشات الخاص بفئات العمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، ليشمل كل الفئات المعنية.
كما أن الورش الملكي سيمكن من تعميم الإستفادة من التعويض عن فقدان الشغل في أفق سنة 2025 لتشمل كل شخص متوفر على شغل قار عبر تبسيط شروط الاستفادة وتوسيع الاستفادة من هذا التعويض.
إننا الآن أمام إستراتيجية ملكية واضحة الأهداف وبسقف زمني محدد ستكون نتائجها مباشرة وملموسة ستسهم في تحسين ظروف عيش المواطنين وقدرتهم الشرائية، وتحصين الفئات الهشة، يشكل هذا المشروع خطوة مهمة على درب النهوض بالعدالة الاجتماعية والمجالية وصون كرامة المواطنين.
على الرغم من إعتبار فاتح دجنبر 2022 يوما تاريخيا، لأن جميع المغاربة من هذا التاريخ أصبحوا مستفيدين من التغطية الصحية كيفما كان وضعهم الإجتماعي والمهني إلا أنه تصادفه مشاكل وعراقيل.
للأسف الحكومة الحالية لم تستفد من خلاصات تقريرين مهمين حول موضوع الحماية الإجتماعية لمؤسستين لهما أهمية في رصد ودراسة المشاريع الكبرى المرتبطة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية. تقريرا المرصد الوطني للتنمية الاجتماعية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حيث خلصا أن التغطية الصحية تعاني من إختلالين هيكليين، وهما ضرورة توفير التمويل الكافي لضمان الاستدامة في تقديم الخدمات الصحية وكذلك التوفر على حكامة في تسيير المؤسسات المرتبطة بمنظومة الصحة العمومية و الحماية الاجتماعية.
سوف نأتي على هاته الإختلالات في الجزء الثاني من هاته الورقة.
تعميم التغطية الصحية الإجبارية: الحصيلة الأولية، إختلالات التنزيل واقتراحات للتجويد
خلال هذا الجزء الثاني، سنقوم بتناول لأهم الأنظمة المرتبطة بتدبير الأخطار الإجتماعية مع الإشارة للنواقص التي تعرفها و إقتراح بعض الحلول التي نرى فيها مدخلا أساسيا لإنجاح مشروع تعميم الحماية الإجتماعية للمغاربة.
نسجل مجموعة من الإختلالات في تنزيل مشروع تعميم التغطية الصحية الذي إنطلق تحديدا في بداية شهر دجنبر من سنة 2022. يمكن أن نلخص هاته الإختلالات على المستويات التالية:
* العرض الصحي: البنيات التحتية والموارد البشرية والسياسة الدوائية والعدالة المجالية
* إستدامة تمويل نظام التغطية الصحية
* نظام إستهداف المستفيدين من التأمين الصحي الإجباري تضامن
* الحكامة في تدبير قطاع الصحة وأنظمة التغطية الصحية
العرض الصحي: البنيات التحتية والموارد البشرية والسياسة الدوائية والعدالة المجالية
يعرف العرض الصحي نقائص على مستوى البنيات التحتية الإستشفائية والتجهيزات الضرورية لضمان جودة الخدمات الطبية. النقص في التجهيزات و الأدوية و التفاوت المجالي الحاد بين المناطق و الجهات في توزيع الخدمات الصحية و الأطر الطبية والتمريضية وعدم التناسب ما بين نمو السكان وعدد الأطقم الطبية والتمريضية تشكل الإختلالات الهيكلية للصحة بالمغرب مما سيؤثر سلبا على تجويد العرض الصحي وبالتالي على تحقيق الأهداف الكبرى لورش تعميم التغطية الصحية على المغاربة.
لم نصل بعد إلى توفر كل جهة على مؤسسات إستشفائية موزعة بشكل متعادل على المناطق الحضرية والقروية والجبلية بكل التخصصات وبموارد بشرية طبية و شبه طبية كافية. هاته الحالة تطرح وبشكل مستفز غياب العدالة المجالية في توزيع الخدمات الصحية على كل المغاربة خصوصا في البوادي والجبل.
يعرف تكوين الأطباء بالمغرب نزيفا حادا بسبب هجرة عدد مهم إلى الخارج ناهيك عن ظهور نوع آخر من الهجرة الداخلية حيث عدد مهم من هؤلاء الأطباء يرفضون الذهاب للعمل في عدد من الجهات البعيدة عن المركز والتي تعرف تفاوتا كبيرا على مستوى البنيات التحتية والمرافق والشبكة الطرقية مقارنة مع باقي الجهات.
لضمان تعميم التغطية الصحية مع عرض صحي بجودة و توزيع مجالي متكافئ للمنشآت الطبية و للموارد البشرية وسهولة الولوج للخدمات الصحية وللأدوية، نقدم الإقتراحات التالية:
1. الرفع من الميزانية العامة لوزارة الصحة لتصل تدريجيا 10 بالمائة من الميزانية العامة وذلك في أفق عشرة سنوات. تخصص هاته الزيادة لتأهيل المستشفيات الجامعية و المراكز الإستشفائية الإقليمية لتجويد العرض الصحي.
2. إحداث نظام للأجر وللتحفيزات بالنسبة للمشتغلين في قطاع الصحة تحدده مجموعة من المعايير المرتبطة بالتخصصات (بين الطبيب والممرض، وبين الطبيب والطبيب الأستاذ، وبين الطبيب المتعاقد و الطبيب الموظف بوزارة الصحة، وبين مختلف درجات الأطباء المقيمين والداخليين...) وبمكان الإشتغال أكان في المدن الكبرى أو في الأماكن البعيدة والصعبة الولوج والتواجد.
3. ضرورة الحد من ظاهرة هجرة الكفاءات الطبية الوطنية عبر وضع آليات قانونية و مسطرية في إطار حوار إجتماعي مسؤول لتجويد قانون الوظيفة الصحية. التحفيزات المادية للشغيلة الصحية وتوسيع مجالات التكوين بالمستشفيات و الرفع من عدد كليات الطب من العوامل المهمة في ضمان العدد الكافي للموارد البشرية وعلى الأخص في إستدامتها.
4. الإسراع بإخراج "الوكالة الوطنية للأدوية والأجهزة الطبية" للوجود كوكالة مستقلة تحدد السياسة الدوائية من أجل ضبط المنافسة بين المصنعين داخل السوق الداخلية وخلق الاحتياط الإستراتيجي من الأدوية لتحقيق سيادة دوائية وصحية بالمغرب.
5. التشجيع على إستيراد الأدوية الجنيسة الرخيصة الثمن مع إعطاء الأهمية للصناعة الداخلية و المنتوج الوطني في إنتظار تحقيق الإكتفاء الذاتي.
6. تعزيز اللامركزية عبر نهج سياسة شمولية لتأهيل القرية و الجبل ليكونا مكانا للعيش الكريم عبر توفير الخدمات العمومية الأساسية للساكنة كتلك المتواجدة بالمدن من صحة وتعليم وأمن وسكن لائق وطرق وماء وكهرباء وخدمات إدارية. تأهيل القرية و الجبل بالخدمات الصحية وتزويدها بالأطر الصحية والمتخصصة الكافية، وتأهيلها بالتجهيزات الضرورية مدخل أساسي لتحقيق العدالة المجالية في قطاع الصحة.
7. تحسين الولوج إلى خدمات نظام التغطية الصحية الإجبارية عبر إعتماد تعريفة مرجعية تراعي مصلحة المؤمنين و تعفيهم من أداء الفرق بين التسعيرة المرجعية وكلفة العلاج و ذلك في إطر مقاربة تشاركية و حوار مسؤول بين كل المتدخلين من هيئات مهنية ممثلة لأطباء القطاع الخاص وأرباب المصحات الخاصة ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية والوكالة الوطنية للتأمين الصحي ووزارة الاقتصاد والمالية و جمعيات حماية المستهلكين. تمكين المؤمنين من الإستفادة من نظام الثالث المؤدي (Tiers Payants) لتيسير الولوج إلى العلاجات دون تأثير على مستويات المعيشية خصوصا من ذوي الدخل الضعيف والمتوسط. بنظام الثالث المؤدي، ستتمكن هاته الفئة من الإستفادة من خدمات الوقاية والتشخيص المبكر والرعاية الأولية وبالتالي من تفادي مضاعفات تعقد الحالات المرضية التي تصبح مكلفة وتتطلب لاحقا الكثير من العلاجات.
إستدامة تمويل نظام التغطية الصحية
تبلغ تكلفة تعميم الإستفادة من أنظمة الحماية الاجتماعية 51 مليار درهم، موزعة بين 28 مليار درهم تتأتى من آلية الاشتراك بالنسبة للأشخاص القادرين على المساهمة، و23 مليار درهم سيتم توفيرها في إطار تضامني بالنسبة للأشخاص الذين لا تتوفر لديهم قدرة الإشتراك. %45 من الغلاف المالي لتعميم الحماية الاجتماعية على المغربة سيكون مصدره تمويل تضامني مما سيفتح باب التأويلات في نية الحكومة في تفكيك صندوق المقاصة الذي ستكون له تداعيات إجتماعية غير محسوبة العواقب نتيجة سياسة التسرع و الهرولة في تنزيل هذا الورش.
ضعف مستويات الدخل لدى العديد من الفئات الإجتماعية المستهدفة وإرتفاع معدل البطالة وقلة فرص العمل، وما تولّده من عددٍ كبيرٍ من العاطلين أو شبه العاطلين عن العمل، ستكون له آثارا مباشرة على القدرة على دفع أقساط المساهمة بشكل منتظم مما سيعيق عملية التمويل.
من التحديات الكبرى التي سيصطدم بها ورش تعميم الحماية الاجتماعية، تلك المرتبطة بطبيعة النسيج الإقتصادي المغربي حيث يهيمن الإقتصاد غير المنظم، مما سيطرح صعوبة تحصيل المساهمات المادية للمستفيدين المشتغلين في هاته القطاعات الغير المهيكلة.
هنا ستطرح بشكل قوي إشكاليات ضمان إستدامة التمويل لأنظمة الحماية الاجتماعية الوحيدة الكفيلة بتحقيق الأهداف الإستراتيجية لهذا الورش الملكي.
لضمان تمويل مستدام لنظام التغطية الصحية، نقدم الإقتراحات التالية:
8. مواصلة إصلاح صندوق المقاصة بشكل لا يؤثر على الطبقات الإجتماعية الفقيرة و المتوسطة ولا يعتمد فقط على تقنية إعادة توزيع الإعتمادات لتمويل الحماية الاجتماعية.
9. التحكم في النفقات دون الإخلال بجودة الخدمات الطبية المقدمة و ذلك بالإعتماد على سياسة صحية تعطي الأولوية للوقاية لتخفيف مؤشر الإصابة بالأمراض، وكذا نهج سياسة دوائية متحكم فيها و تشجيع إستهلاك الأدوية الجنيسة الغير المكلفة و مراقبة أثمنة الأدوية مع حماية الصناعة الدوائية الوطنية. رقمنة القطاع الصحي يبقى كذلك من الآليات المهمة في ترشيد النفقات ومحاربة الغش والتحايل.
10. تفعيل مقتضيات الفصل 40 من الدستور عبر إقرار الجباية التضامنية على بعض القطاعات الخدماتية والإنتاجية التي تحقق أرباحا مهمة كالأبناك وشركات التأمينات وشركات الإتصالات وشركات المحروقات...
11. تفعيل مبدأ "العدالة الضريبية" بالإعتماد على نظام ضريبي على الدخول و الأرباح منتظم وقار دون إثقال القدرة الشرائية للمواطنين أو إحذاث ضغط في مستوى تكلفة المقاولين و المهنيين.
12. توسيع الوعاء الضريبي ليشمل أصحاب الثروات الكبرى من خلال فرض ضريبة على الثروة.
13. توفير الإمكانيات التقنية والرقمية والعملية لمحاربة الغش والتهرب الضريبيين وطمأنة وتحفيز الإقتصاد غير المهيكل، الذي يفوت أكثر من 90 مليار درهم على خزينة الدولة، على الإندماج التدريجي عبر تسهيلات وتشجيعات من قبيل الولوج للتمويلات البنكية ودعم الإستثمار و الإستفادة من أنظمة التقاعد والتغطية الصحية.
14. إصلاح المقاولات والمؤسسات العمومية لرفع مساهماتها في ميزانية الدولة.
15. التحكم في معدلات التضخم وتشجيع المقاولات الجد الصغرى والصغرى والمتوسطة على الإنتاج مع توفير آليات التسويق مما سيزيد من خلق فرص الشغل و إرتفاع نسبة الإستهلاك الداخلي وتحقيق نمو إقتصادي سيسهم في تمويل مستدام لتكلفة الحماية الإجتماعية.
نظام إستهداف المستفيدين من التأمين الصحي الإجباري "تضامن"
من بين أسباب فشل نظام المساعدة الإجتماعية "راميد" صعوبة تحديد الفئات المستهدفة. في غياب الإنجاز الكلي "للسجل الاجتماعي الموحد" بصفته آلية للإستهداف الإجتماعي، يبقى تنزيل برامج الحماية الإجتماعية بدون النجاعة الكافية مقارنة مع الأهداف المسطرة و المواعد المحددة.
في ما يتعلق بالإستفادة من التأمين الصحي الإجباري "تضامن"، يمنح لكل أسرة مسجلة مؤشرا إجتماعيا وإقتصاديا خاصا يعكس مستواها المعيشي بناء على البيانات الإجتماعية والإقتصادية للأسرة، بحيث تعتمد عليه برامج الدعم الاجتماعي لاستهداف الأسر المستحقة على أن لا يتجاوز هذا المؤشر عتبة 9.32.
إعتماد النظام التصريحي لتقدير مستوى دخل الأسرة ينطوي على الكثير من المغالطات نتيجة التصريحات غير الدقيقة خصوصا مع تنامي القطاع غير المهيكل مما يجعل الإستهداف غير دقيق و غير منصف.
على أرض الواقع تم حرمان مجموعة من الأشخاص من الإستفادة من التأمين الصحي الإجباري "تضامن" لأسباب غير موضوعية مرتبطة أساسا بتسجيل بعض المعلومات على المنصة الرقمية و التي لا تعكس الوضعية الإجتماعية الحقيقية لطالبي الإستفادة. نذكر على سبيل المثال حرمان شخص بدون دخل وبدون معيل لأنه كان مسجلا في صندوق الوطني للضمان الإجتماعي عندما إشتغل لمدة أربعة أشهر في برنامج "أوراش". لتصحيح الوضع، وجب إنتظار عدة أشهر بدون تغطية صحية.
من أجل نظام إستهداف يروم إلى تحقيق نجاعة برنامج التغطية الصحية، نقدم الإقتراحات التالية:
16. إعتماد مؤشر إجتماعي وإقتصادي يراعي الخصوصيات المجالية و ذلك لتفاوت المستوى الإقتصادي لكل جهة و لأولويات الساكنة المرتبطة بنمط العيش داخل المنطقة (مثلا توفر على جهاز للتكييف في المناطق الجد الحارة يعتبر من الأولويات خلافا للمناطق الساحلية).
17. تحديد معايير موضوعية للفئة المستفيدة من التأمين الصحي الإجباري "تضامن" كالدخل و الذي يعتبر المعامل المحدد للمساهمة كما هو معمول به في جميع أنظمة التأمين على المرض. في غياب الدخل يكون الإعفاء من أداء المساهمات.
18. توحيد المؤشر الاجتماعي الموحد للإستفادة من التأمين الصحي الإجباري "تضامن" و من الدعم الإجتماعي المباشر لتفادي تمويل التأمين الصحي الإجباري بمبالغ الدعم الإجتماعي.
الحكامة في تدبير قطاع الصحة وأنظمة التغطية الصحية
للأسف الحكومة الحالية لم تستفد من خلاصات تقريرين مهمين حول موضوع الحماية الإجتماعية لمؤسستين لهما أهمية في رصد ودراسة المشاريع الكبرى المرتبطة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية. تقريرالمرصد الوطني للتنمية الإجتماعية حول حصيلة نظام "راميد" الذي أنجز سنة 2017 و تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2018 حول الحماية الإجتماعية حيث خلصا أن التغطية الصحية تعاني من إختلالين هيكليين، وهما ضرورة توفير التمويل الكافي لضمان الإستدامة في تقديم الخدمات الصحية و كذلك التوفر على حكامة في تسيير المؤسسات المرتبطة بمنظومة الصحة العمومية و الحماية الاجتماعية. نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض يعاني من عدة إختلالات أبرزها تعدد الأنظمة المدبّرة (الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي و الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي) و الهيئات المسيرة لهذا النظام (الوكالة الوطنية للتأمين الصحي و هيئة مراقبة التأمينات والإحتياط الإجتماعي) مع عدم التنسيق في ما بين هذه الأنظمة، سواء تعلّق الأمر بنسبة الاشتراك أو سلّة العلاجات أو نسبة الإسترداد. كما أن هاته الهيآت المشرفة على تدبير أنظمة التغطية الصحية تعاني من مجموعة من الإختلالات على مستويات تركيبة مجالسها الإدارية و محدودية إستقلاليتها مما يجعلها تشتغل في غياب التنسيق الكفيل بتنزيل السياسة الإجتماعية للدولة و التي يفوق سقفها الزمني مدة الإنتداب الوزاري والولايات الإنتخابية والحكومية.
لمأسسة الحكامة في تدبير قطاع الصحة و أنظمة التغطية الصحية، نقدم الإقتراحات التالية:
19. لتعزيز حكامة قطاع الصحة، ضرورة الإسراع بخروج قانون إﺣﺪاث اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﻠﺼﺤﺔ كهيئة مستقلة لها سلطة القرار للجمع بين القطاعات المكلفة والمعنية بضمان الحق في الصحة في شموليته. يجب أن تهتم هاته الهيئة بوضع السياسة الصحية للمغرب عبر مقاربات و إستراتيجيات بعيدة المدى وفق نظرة شمولية تتجاوز الزمن الحكومي.
20. تعزيز حكامة تسيير المؤسسات الإستشفائية و تدعيم البعد الجهوي و المجالي للخدمات الطبية وفق شروط أو دفتر تحملات يأخد بعين الإعتبار خصوصيات الوحدات الطبية الجهوية و حاجيات الساكنة.
21. إعداد قانون ميزانية خاص بالحماية الإجتماعية يتم إلحاقها بقانون المالية وتسلك نفس المسار القانوني من حوار مع الشركاء الإجتماعيين و النقاش و التصويت داخل البرلمان بغرفتيه.
22. ترشيد حكامة الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي والصندوق الوطني لمنظمات الإحتياط الإجتماعي والوكالة الوطنية للتأمين الصحي وهيئة مراقبة التأمينات والإحتياط الإجتماعي من خلال التدقيق في المهام المنوطة بكل هيئة وضمان الإستقلالية في إتخاد القرارات وتفادي تداخل الإختصاصات.