عبد الرفيع حمضي: الحريك إلى سبتة.. مليشيات تيك توك

عبد الرفيع حمضي: الحريك  إلى سبتة.. مليشيات تيك توك عبد الرفيع حمضي
 عبر المنفذين المطلين على الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط بكل من، ممر تاراخال tarajal بكاستييخو وممر باريو شينو Bario chino بالناظورلا تتوقف محاولات المرور طيلة السنة، أحيان خلسة وفي كثير من الأحيان عنوة في لعبة مستمرة مع القوات العمومية على غرار (طوم وجيري ).  ففي شهر غشت فقط لم يتمكن 14648 مرشح للهجرة المرور إلى الضفة الأخرى، اما خلال  الثمانية اشهر الأولى من نفس السنة فقد تم منع اكثر من 45000  خمسة وأربعون ألف شخص أن يتسلل  إلى هناك خارج الضوابط التنظيمية . 

وبالمحيط الأطلسي الذي يبقى أخطر ممر إلى جزر الكناري فقد وصل اليها والى حدود 15 غشت2024 أكثر من 2230 شخص قادمين اليها من سواحل الشمال الغربي لإفريقيا. يضاف إلى هذا تفكيك 177 شبكة متخصصة في تهريب المرشحين للهجرة.

هذه المعطيات أساسية حتى نكون على نفس المستوى من المعلومة. وبالتالي فلكم أن تتخيلوا الحياة اليومية وطيلة السنة بكل من الفنيدق  وباريو  شينو ، والساكنة شاهدة على الكر والفر اليومي ليلا ونهارا .وبالتالي فلسنا أمام  فضاء  للفسحة بمحج الرياض بالرباط أو عين الذياب بالبيضاء أو حديقة لالة أمينة بوزان ،بل نحن بمنطقة  جغرافية لا تقارن إلا بطريق  المهاجرين بين المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية مع وجود الفارق .

ولهذا ففي هذا السياق يجب قراءة ما حدث ليلة الخامس عشر من الشهر الجاري بتوافد مئات الأشخاص على مدينة الفنيدق بعد حملة دعائية على تيك توك.

وفي تقديري ليس العدد هو المهم رغم حجمه مع العلم ان العين تخدع عندما يتعلق الأمر بعدد الأشخاص (البشر فيه البركة) حسب الجهة التي تقدم الأرقام. كما أنه ليس مهم مطلقا لنا كمتابعين أن ندقق في ما هي الجهات الخارجية التي تقف أو ساهمت أو استغلت ما حدث لأنه تحصيل حاصل والمنطقة مجال لمعارك يومية للإدارة المغربية بكل أجهزتها ضد فاعلين أشخاص وشبكات ودول مكشوفين ومستورين بالداخل والخارج تلتقي مصالحهم مع تجار المخدرات والسلاح والإرهاب. ويكفي التذكير أن مكتب الأمم المتحدة لمحاربة الجريمة والمخدرات ONUDC يؤكد سنويا ان عائدات الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين تأتي في المرتبة الثالثة بعد السلاح والمخدرات.

لكن في تقديري الاسئلة الحارقة المطروحة والمطلوب من الجميع المساهمة في تقديم قراءة لها كل من زاويته هو: لماذا حج هؤلاء جماعة إلى الفنيدق؟ من هم هؤلاء؟ ما هو سنهم؟ من أين جاؤوا؟

كل الأرقام وكل المعطيات الرسمية تؤكد أن ما يعرفه الشباب المغربي الآن من انسداد للأفق مع نسبة 13% من البطالة، و أكثر من مليون نصف من الشباب عمره ما بين 15و24 تائهون في الشوارع لا هم في المدرسة ولا في التكوين ولا في العمل NEET ، وهذا بالتأكيد ليس وضع جديد  .فهل هذا يكفي للمغامرة؟

حجم المشاركين من الأطفال مخيف وعدد منهم من أسرة واحدة أحيان وبتشجيع من أسرهم أحيانا أخرى، هل فقط بحافز الاستفادة من الوضع القانوني للقاصرين هناك؟ غير كافي كمبرر .

كيف يصدق هؤلاء الشباب دعوة للهجرة الجماعية معروضة امام أعين السلطات العمومية وكأنها دعوة للنزهة؟ وكأن القوات العمومية بالبلدين ستتفرج على ما سيحدث ؟
في اعتقادي هناك ملاحظتين لابد من الوقوف عليهما. 
أولا: ان كل المجهودات التي تقام هنا وهناك من مشاريع وبرامج، والتي لا يمكن إنكارها أو التغاضي عنها، حتى وإن  كانت غير كافية .إلا أنها مع الأسف تتم في غياب مطلق  لمشاركة الشباب واليافعين والأطفال . وهذا ليس سهو تقني طبعا، بل رؤية هناك من يدافع عنها. مع أنه منذ عقود حتى المؤسسات المالية الدولية البنك الدولي وصندوق النقد الدولي راجعا برنامجهما لينسجما مع ما استقر عليه المجتمع الدولي في كون ليست هناك تنمية بدون مشاركة فاعلة وواعية ومستنيرة للمعنيين مباشرة. مع الأسف أنه ببلادنا الطلاق قائم ما بين السياسات العمومية والمجتمع .والمعروف أن الطلاق أمر جدي .حتى إنّ فقهائنا  يقولوون :(ثلاثة جِدٌهٌن جِدُُ وهزلهن جِد الزواج والطلاق والرجعة ).

وهذا أمر لا يستقيم أن يكون المواطن والفاعل العمومي بمنجزاته إن وجدت، هما على طرفي نقيض. خطان متوازيان لا يلتقيان. كما هو معروف في الرياضيات.

ثانيا كون إعلان بسيط على تيك توك يفعل ما فعل في تقديري، هو الدليل القاطع أن منظومتنا التربوية والأسرية والمجتمعية تفتقد بشكل جدري لأي حس نقدي طبعا نتيجة عقود من تعليم غايته هو الحشو والإطناب والتلقين والحفظ والاستظهار "وبضاعتنا ردت إلينا "وليس التفكير وطرح الاسئلة والمحاجاة والنقد والتحليل واعادة التركيب. وبالتالي فهذا الوضع مع الأسف نعيشه جميعا وبشكل يومي، وخاصة مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يصبح المتلقي سهل الاختراق. وكم هي رائعة ريما خلف المسؤولة الأممية، عندما قالت يوما أن شبكات التواصل الاجتماعي بالعالم العربي خلقت رأيا عاما وحولته إلى فعل عام .

اما الصحفي اللبناني طوني خليفة يقول باستمرار (إذا كان الإعلام العمومي هو جيش نظامي فان شبكات التواصل الاجتماعي مليشيات) وبالتالي لا يمكن الحد منها لا بمنعها ولا توقيف روادها. وإنما بتحصين المستعملين بتمكينهم من أدوات التفكير العقلاني .

وتلك مسافة الألف ميل تنتظر سي شكيب بنموسى الرجل العقلاني بدون أدني شك. إذا كان الأمر فقط مسألة رجال ونساء. فهو يعلم علم اليقين أن هدف العملية التعليمية في البلدان المتقدمة لا يخرج عن أن يتعلم الطفل القراءة والكتابة والثانية أن يتمكن من استعمال عقله فيما يطرح أمامه من إشكاليات.