البشير الزناكي: الصفعة

البشير الزناكي: الصفعة البشير الزناكي

صفعة تلقيتها على وجهي هي حقيقة شعوري شخصيا عندما بلغتني أخبار أحداث سبتة، صفعة أفاقتني من تلك الغفلة التي تميل إلى إغراق مصائب مجتمعنا في خليط أقل مرارة، يعطي لمحة أمل عن اقترابنا من أيام أفضل، تلك الغفلة أحيانا تجعلنا ننسى المخاطر والآلام، بقدر غياب إنصاف توزيعها المشترك بين الناس..

 

الصور بليغة في حد ذاتها، شباب من كل الأعمار يسبحون في عتمة أفق يجهلون مداه تماما، وآخرون على مرتفعات الجبل بالمئات، يتقدمون نحو الحاجز المقام بالأسفل لا يدرون أي شيء عن تضاريسه ومنتهاه، يمشون على وهم تخطي برزخ يفصل بين عالمين..

 

الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو العدد الهائل من المراهقين والأطفال المغاربة، فتيات وفتيانا، كان هناك أيضًا بعض أفارقة جنوب الصحراء، أقل عددًا بالتأكيد وأكثر رشدا. قدموا إلى هنا بحثا عن حياة أخرى، من الواضح أن الأمور سيئة في بلدانهم، لكن ما نراه يعني أن أمورنا ليست أفضل !

 

سبقت عاصفة الخامس عشر من سبتمبر إرهاصات، أعلنت فيها الصحافة المغربية عن اعتقال ستين شخصا، بينهم قاصرون، في الفترة ما بين 9 و11 سبتمبر في عدة مدن بتهمة “اختلاق ونشر معلومات كاذبة على شبكات التواصل الاجتماعي للتحريض على تنظيم عمليات هجرة جماعية غير شرعية".

يوم الأحد 15 سبتمبر، كان هناك ما لا يقل عن 800 مرشح تمكنوا من الوصول إلى الموقع، رغم الحصار المطبق على سبل المرور إليه، كان معظمهم من يافعين مغاربة قرروا المخاطرة بحياتهم للوصول إلى مدينة سبتة تلك الثغرة التي تحتلها إسبانيا من تربة القارة الأفريقية وتم تحديدها رسميًا كحدود لإسبانيا وأوروبا!

 

بالنسبة لهؤلاء الشباب المغاربة وللقلة من سكان شمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى الذين خاضوا هذه المغامرة أصبحت سبتة الفرصة الأخيرة والطريق الإلزامي للهجرة إلى أوروبا القارية ومغادرة العالم الذي يعيشون فيه والذي يرونه بئيسا على قدر البؤس التي هم فيه!

 

معذرة إن لم يكن في جعبتي شيء آخر أخبركم به، هذا كل ما لدي، لا علم لي عن جرحى او معتقلين، ماذا حدث في يوم 15 وما بعده؟ لا أعلم، فقط تلقيت صفعة تحولت إلى صفعتين إذ ليس لدي سوى الصور والتعليقات ومصادر المعلومات التي تزودني بها شبكات التواصل الاجتماعي تلك التي لا يتوقف الخطاب الرسمي عن التنديد بها..

 

هناك بالطبع الذباب الذي لا يتوقف عن الطنين، جميع أنواع الذباب من جميع الجنسيات والأوطان والملل، إنه يعشق عسل الآلام التي تنخز جسد الشعوب، وللآلام المغربية طعم خاص..

 

مؤكد أن القوات الأمنية تكافح على الأرض، على الرغم من جهلنا كيف، وصحيح ان بعض وسائل الإعلام على ندرتها تحاول فهم ما وقع في ظل ضرورة توخي الحذر لعلاقة الحدث بمواضيع أخرى كثيرة.

 

لكن رسميًا، لا يتوفر أحد لحد الساعة على توثيق وتقييم دقيق معلن، لا يوجد تحليل واضح، ولا قصة متماسكة يمكن تقديمها بشفافية كاملة تحدد الأسباب والوقائع والجناة والضحايا والنتائج.

 

مؤسسياً كان بإمكاننا فعل الكثير في مثل هذه الحالة؟ بصرف النظر عن التعبئة الأمنية التي لو غابت لكانت الطامة أكبر، لم تحصل هناك أية مظاهر مرئية أخرى للمؤسسات بكافة أنواعها، غريب هو الصمت التي تلزمه... أما وسائل الإعلام العمومية المكلفة بتنوير/ تنويم الشعب فهي غائبة تماما، إنها تنتظر التعليمات، وبعد 48 ساعة عن الأحداث لا زالت المسكينة في حالة انتظار مزمن.