إسماعيل الجنابي: بايدن بيكو جديدة

إسماعيل الجنابي: بايدن بيكو جديدة

بعد أن أسدل الستار ووضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها عام 1916، كانت هناك تفاهمات سرية بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الإمبراطورية العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، في الحرب العالمية الأولى .

واليوم يعيد التاريخ نفسه ولكن بطريقة مختلفة، فمنذ أحداث 11 سبتمبر عام 2001 والسيناريو المفبرك في تفجير أبراج التجارة الدولية على يد تنظيمات القاعدة، وما تلتها من أحداث دراماتيكية، ابتداءً من احتلال العراق، مرورا بما سمي بثورات الربيع العربي، والخاتمة الاخيرة التي تجلت بظهور ما يعرف بتنظيم "داعش"ولكي يقتنع العالم بمكافحة هذا الفكر المتطرف الذي هو من نتاج الغرف المظلمة في البيت الأبيض الأمريكي، الساعي إلى إضعاف الأمة الإسلامية ومصادرة خيراتها وتحويل شعوبها إلى أحزاب وطوائف وأقليات تخلو من التعايش السلمي، بعد أن دبوا في نفوسهم الخوف والرعب، ليصبح تفرقتهم أمرا محتوما.

اتفاقية سايكس بيكو التي جعلت الوطن العربي كأضحية العيد التي يتقسم لحمها بين الناس المعوزين والمترفين، والثورات العربية التي حملت اسم الربيع، حولته إلى خريف شرس يحمل بين طيات رياحه الصفراء سموماً ومعولاً للهدم، أما مشروع بايدن الذي جاء به الاحتلال الأمريكي للعراق ، فانه  يراد منه تقسيم نسيج البلد الواحد على أساس عرقي ومذهبي، بعد ان غرس بين جنبات إضلاعه خنجراً مازال ينزف دماً وقيحاً، بفضل العملاء والخونة الذين تآمروا على البلاد والعباد، فجعلوهم يلوكون الصخر خبزا، مشروع بايدن ظهرت ملامحه في المحافظات السنية، بعد أن خلطوا السم بالعسل، التظاهرات السلمية التي طالبت بالحقوق والكرامة، تحولت فيما بعد إلى صدام مسلح بذاته القوات الحكومية بإيعاز من ولي دم العراقيين "المالكي" بعد أن اشترى ذمم بعض المأجورين من شيوخ العشائر والسياسيين وبعض دخلاء الدين في الأحزاب التي تدعي أنها إسلامية، ممن اعتمروا عمامة الدين زوراً وبهتاناً، ليكونوا شركاء الجريمة وسفك الدماء .

إن تشابك الأحداث وتعقيداتها في الحرب الدائرة بين القوات الحكومية والمليشيات ومتطوعي الحشد الشعبي وثوار العشائر وتنظيم داعش، جعل الموقف ضبابياً بالنسبة لضيقي الأنفس والمتصيدين بالماء العكر وواضحاً بالنسبة للمتابعين والباحثين والخبراء من واسعي الأفق ، لأنهم يعلمون علم اليقين أن ما يجري من خلط للأوراق يراد به إطالة الصراع وقذف التهم والاقتتال نيابة عن الغير، من اجل غرس النفس الطائفي وتحويله إلى عقيدة فكرية مغلفة بجهل موروث، الغاية منه تفتيت بنيان المجتمع المتماسك عشائرياً ومناطقياً واجتماعياً ، فتصبح الحاجة ملحة إلى أن يعود المحتلين مرة اخرى بطريقة الطلب والرضى من اجل إنقاذهم من الذئب المتربص خلف أبواب السياسيين.

التحالف الغربي الجديد الذي من حقه ان يجوب سماء العراق ويقتل أبنائه عن طريق الخطأ بحجة مقاتلة "داعش"والمدعوم بمشاركة مالية عربية مدفوعة الثمن مسبقاً، والتي لا يحق لها التحليق فوق أجواء العراق بإيعاز من ملالي طهران ، خوفاً على سلامة مقاتليهم وميلشياتهم المنتشرة في العراق من الطيران العربي، وحتى نضع النقاط على الحروف ولكي يفهم القاصي والداني، إن هذا آخر مسمار يتم دقه في نعش الجسد العراقي هو تشكيل " الحرس الوطني"الذي سوف يتوج مشروع بايدن التقسيمي إذا ما انتبهنا له وتحوطنا لأمره في حال تشكيله في المناطق السنية، والذي نرى انه حق يراد به باطل، فهو لا يختلف عن الصحوات، إذا لم يتم دمجه في تشكيلات المؤسسة العسكرية النظامية على أساس الولاء للوطن، وليس إلغاء العمل به ريثما تنتفي الحاجة منه، فيصبح أمر تشكيله خاتمة مشروع " بايدن بيكو جديد."