واحات الجنوب الشرقي محرقة للطاقات البشرية ، إما أن تشتغل في الظل معزولا بلا أثر ولا صدى، وإما أن تشتغل تحت شموس حارقة وصيف وجفاف فكري لا يرحم ، وبرد قارس لايجامل ، كما تلفح وجوهنا الموجات الحارة في صيف جاف بلا ظلال ، تلفح وجوه رجال التغيير موجات مماثلة من الإقصاء والسحل وسوء التقدير ، ف" المثقف " في الواحة كي يسلم بجلده وعقله عليه أن ينخرط مداهنا وراضيا ، كلما شرع في استراتيجية التغيير داخل قبيلته أو جمعيته أو حتى في مؤسساته إلا وتنهال عليه أحجار من نكران وصدود ، فما عساه أن يفعل هل يستسلم على هون أم يدس رأسه في الرمل كالنعامة ويبيع ضميره كالقطيع ، أم يحمل أمتعته الفكرية وحقيبته الإبداعية ويرحل بعيدا عن قبائل الضباب والسراب ؟ والسؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح هو كيف لمنطقة وسمت بالعقم أن تنجب النخباء والنجباء على جميع الأصعدة ولاتستفيد منها ؟ وكيف لمنطقة منسية تماما أن يصير أهلها كارهين لها بمجرد ما أن تينع عقولهم وأجسادهم ؟ أسئلة لها أجوبة كثيرة لكن لايمكن لأي جواب أن يصير منصفا مهما حاولنا ذلك .
لا تستطيع أقلام البادنجان التي تحركها الغرف المظلمة والتي لا يمكن أن نعترف بها ؛ الخوض في متاهات الهامش وسبر أغواره ؛ تساؤلا وفهما ومساهمة في التغيير ؛ غير الذين خبروا الميدان وتحصنوا بأدوات البحث التي تحترم حدود التدخل وتصون مسافة الأمان حتى لا تفسد من حيث تريد الإصلاح ؛ الصحافة ليست سوقا للمقايضة في أعراض الناس ؛ هي ميدان محترم ؛ له أهله ورجالاته ممن يكتبون من وحي ضمير نظيف ؛ وخبرة بحثية تفضح حينما يكون الفضح مدخلا للبناء ؛ وتقترح البدائل حينما تغامر بالكتابة ؛ وتمسك عن خطاب الرجم بلا أدلة ؛ ولغة القيء حينما تتضخم الحسابات الضيقة.