"بلاد كحلة هاذي".
"خذ أنت قطران المغرب، وخليني أنا نلحس عسل بلادات الناس".
منذ سنوات وهاته المقولات تؤثث الفضاء العام بالمغرب، دون أن يتحرك أحد من العقلاء في الدولة أو في المجتمع، لمعرفة أسباب هاته العدوى التي طالت الآلاف من شباب المغرب من جهة، ومن أجل التدخل لتجفيف أحواض الحكرة واليأس من جهة ثانية.
منذ سنوات والآلاف من شباب المغرب تحذوهم الرغبة الجامحة في الهجرة السرية وفي الحريك الفردي والجماعي، دون أن ينهض حكيم في الدولة أو في الحكومة والبرلمان، أو في الأحزاب والنقابات، أو في المجالس العلمية المحلية والتلفزيون العمومي، أو في المدارس العليا والكليات، لينهض ويقوم بإدارة النقاش العمومي وترشيده حول أسباب هذا اليأس الجماعي للأغلبية الساحقة من شباب المغرب ورغبتهم الشديدة في المغامرة لاجتياز السياج الحدودي مع سبتة ومليلية المحتلتين، أو ركوب قوارب الموت للعبور للضفة الشمالية للبحر المتوسط، ولو بدون ضمانات في العمل و السكن والمأكل والمشرب، بل وحتى لو تسولوا في مدن أوربا وناموا بمهانة على أرصفة شوارعها !
العيب ليس في الهجرة، فهي ظاهرة كونية وإنسانية وتاريخية، والساذج من يؤمن بأنه يمكن الحد من رغبةالناس في الهجرة و"تبدال لمنازل". ولكن العيب هو أن يكون مشروع الهجرة نحو بلد آخر مؤسسا على الشعور بالظلم و"الحكرة" وغياب الكرامة. إذ يصبح البلد المصدر للهجرة في هذه الحالة ذو صورة قاتمة، ويوسم بأنه بلدا طاردا لمواطنيه، وليس بلدا يرغب بعض سكانه في الهجرة طواعية إما للمغامرة أو للاستكشاف أو لتغيير "الحطة"، أو لانتهاز فرص أحسن للعيش وكسب المال.
لنأخذ بعض الحالات لدول متقدمة على المغرب( اقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا ونوويا ورياضيا وفنيا وعلميا)، سنجد أنها على رأس الدول المصدرة للمهاجرين، ولكن سكانها يهاجرون بالاختيار وليس بفعل الاضطرار أو يكون الهروب من بلدهم بسبب الإحساس "بالحكرة" وفقدان الأمل في ضمان مستقبل لائق.
هاهي روسيا أقوى دولة في العالم ولم يمنعها ذلك من أن يكون 10 ملايين روسي مهاجرا بمختلف دول العالم.
هاهي الصين ، ثاني قوة اقتصادية عالميا، هاجر من ترابها 9 مليون صيني بحثا عن العيش،في بلد آخر.
وهاهي بريطانيا، الإمبراطورية التي لم تكن الشمس تغيب عنها إلى عهد قريب، تتوفر على 4،5 مليون بريطاني مهاجر في العالم.