عبدالوهاب التدموري: الانتخابات الرئاسية الجزائرية.. الاستثناء الذي يكرس القاعدة في الدول المغاربية

عبدالوهاب التدموري: الانتخابات الرئاسية الجزائرية.. الاستثناء الذي يكرس القاعدة في الدول المغاربية عبدالوهاب التدموري

تتبعت عملية الانتخابات الرئاسية بالدولة الجزائرية الشقيقة. وككل متتبع موضوعي للنتائج التي أسفرت عنها لم يراودنا شك في ان يحسم الرئيس المنتهية ولايته الامر منذ الجولة الاولى خاصة وان القوة السياسية التي تقف خلفه هي جبهة التحرير الوطني التي حكمت الجزائر لعقود من الزمن مع كل ما نتج عن ذلك من تحكم في مفاصل الدولة الجزائرية. وهو ما يعني بالضرورة التحكم في كل وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية التي كانت في خدمة الحملة الانتخابية للرئيس السابق.

 

كما أن استعراض المنجزات التي تحققت خلال ولايته السابقة سواء بالعلاقة مع ما تشهده الجزائر من تطوير لبنياتها التحتية كالطرقات، والسكك الحديدية. وكذا عزم الحكومة الجزائرية الدخول في عملية تنويع اقتصادياتها سواء في مجال الفلاحة أو الصناعة والاستثمار في المقاولات الصغرى. وذلك بعد كان اقتصادها يعتمد أساسا على تصدير موارد الطاقة التي كانت تضع الجزائر تحت رحمة تقلبات الأسعار الدولية. هذا بالإضافة الى رفع شعار الدولة الاجتماعية الذي أسال الكثير من الحبر في الحملة الانتخابية للسيد عبد المجيد تبون.

 

علما أن كل هذه الاصلاحات التي اعتمدتها الدولة الجزائرية مؤخرا. وهي بالمناسبة تعد جديدة وثورية بالنسبة إليها وللشعب الجزائري. كان قد سبقتها اليها دول أخرى في شمال إفريقيا خاصة المغرب ومصر بأكثر من عقد من الزمن.

 

لكن عندما ننظر إلى المحصلة بالنسبة لهذه الدول، لا نجد تأثيرا يذكر على مستوى المعيشة لدى الغالبية العظمى من هذه الشعوب التي ونتيجة للسياسات العمومية الفاسدة المتبعة داخلها توسعت عندها دائرة الهشاشة والفقر لتشمل شرائح واسع من الطبقة الوسطى التي شكلت صمام الأمان والاستقرار لكل الانظمة السياسية المعاصرة.

 

في مقابل انتعاش فئات قليلة مستفيدة من هذه السياسات العمومية التي سميت عبثا بالاجتماعية.

 

أقول هذا لأن الشعارات الثورية والمخططات التنموية والانجازات الجبارة التي يسوق لها صباحا ومساء عبر وسائل الإعلام الرسمية والغير الرسمية في كل انتخابات، لا تعد كافية ما لم يوازيه إعمال مبدأ الحكامة الجيدة والشفافية المالية مع القطع مع منظومة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب. وما دام الشيء بالشيء يذكر لا بد أن نشير الى وضع هذه الدول في مقياس المعايير الدولية ذات الصلة.

 

ومن باب التذكير وليس الحصر يمكن ان نستحضر أربعة مؤشرات أساسية التي من خلالها يمكن إدراك عمق الازمة التي تتخبط فيها هذه الأنظمة وتدحض في المقابل كل الشعارات التي ترفعها في كل انتخابات والتي تبدو جذابة للأمل ومخادعة لشعوبها.

 

أولا، في مؤشر الفساد المالي وتبذير المال العام: تحتل الجزائر حاليا الرتبة 104 من أصل 180 بلدا حسب تصنيف منظمة الشفافية الدولية المعنية بمدركات الفساد.

 

ثانيا، في مؤشر الحكامة: تحتل الجزائر الرتبة 89 من أصل 113 بلدا حسب تصنيف معهد تشاندلر للحكامة.

 

ثالثا، في مؤشر التنمية البشرية: حسب برنامج الامم المتحدة الانمائي احتلت الجزائر الرتبة 93 من أصل 193 دولة.

 

رابعا، في مؤشر التحولات: تحتل الجزائر المرتبة 71 في التصنيف الذي تصدره المؤسسة الألمانية بيرتيلسمان BTI وذلك من أصل 137 دولة.

 

علما أن مؤشر التحولات يقيس ثلاث مستويات مرتبطة ببعضها وهي كالتالي:

 

-حضور الديموقراطية في المشهد السياسي

- الأداء الاقتصادي والاجتماعي

- مدى حضور الحكامة في صناعة القرار السياسي والاقتصادي.

 

مع العلم، كذلك، أن هذا الوضع الذي تتواجد فيه الجزائر المتعلق بالترتيب المتدني في مختلف التصنيفات لا يخصها وحدها. بل يطال أيضا المغرب وتونس ومصر وليبيا وموريتانيا ولو بتفاوتات بسيطة. أن هذا الوضع الذي يمر به النظام الجزائري ومختلف الأنظمة في الدول المغاربية، المتسم باستفحال منظومة الفساد والريع وغياب الديمقراطية والحكامة، قد فسح المجال واسعا لكل أشكال النهب والإثراء غير المشروع الذي ولد مع مرور الوقت لوبيات فاسدة متحكمة في المشهد السياسي والاقتصادي للجزائر ولكل الدول المغاربية.

إن استحضاري لهذه المعطيات بالنسبة للجزائر ليس من أجل التشكيك في نزاهة الانتخابات أو تزكيتها. بل للقول إن مثل هذه الأوضاع لا يمكن أن ينتج عنها الا خرائط انتخابات متحكم فيها. ونسب نجاح تتجاوز 90%. بالتالي فأن نسبة 94 % التي حصل عليها الرئيس الجزائري الذي أعيد انتخابه هي تحصيل حاصل. وهي بالمناسبة لا تشكل استثناء بالنسبة للدول المغاربية.

 

لكن ما اثار انتباهي كذلك في هذه النتائج ليس فقط طريقة التحكم في العملية الانتخابية التي تجد أسبابها فيما سبق ذكره من مؤشرات تعكس الواقع المتدني للديمقراطية في مجتمعاتنا المغاربية. بل كذلك في بعض رسائل التهنئة بالفوز التي توصل بها الرئيس تبون. وذلك ليس من الزعماء والاشقاء العرب الذين لا تختلف اوضاعهم عما سبق طرحه. بل التهاني التي توصل بها من بعض زعماء العالم الغربي واخص بالذكر الرئيس الفرنسي ماكرون الذي سارع الى التهنئة اضافة الى الادارة الأمريكية.

 

علما أن هاته الدول هي نفسها التي تتشدق بمبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان وهي من توزع شواهد حسن السيرة والسلوك والديمقراطية على دول العالم. وهي من تحدد الانتخابات النزيهة من غيرها.

 

لكن يبدو أن المعايير المزدوجة التي تنتهجها هذه الدول في علاقاتها بكل على حدة تجد أسبابها في المصالح الاستراتيجية الاقتصادية والامنية التي تجمعها بها وليس في مدى احترام هذه الدول للمعايير الديمقراطية التي يجب ان تتوفر في الانتخابات وفي الممارسة السياسية أو في مدى احترامها للحقوق والحريات.