وهبي يبني برَّاكة في قلب المحكمة...

وهبي يبني برَّاكة في قلب المحكمة... عبد اللطيف وهبي، وزير العدل
في الوقت الذي توقفت فيه الحياة كليا في أشغال توسيع مقر المحكمة الزجرية بالدارالبيضاء وتحولت هياكل الأبنية إلى أطلال شاهدة على انعدام المراقبة والمحاسبة، لاسيما وأن تلك الأطلال بلعت ملايين الدراهم من المال العام في صفقة يبدو أنها بلا حدود ولا ضوابط،  وفي الوقت الذي يحاكم فيه متهمون داخل ذات المحكمة بتهم تتعلق بعدم إتمامهم لأشغال المباني التي انطلقوا في بنائها، ويقضون جراء ذلك سنوات من السجن النافذ، وفي الوقت الذي أصيبت فيه المحاكم بشلل نصفي باتت لا تعمل معه إلا يومين في الأسبوع، في كل هذه الظروف يشمر وزير العدل على ساعديه ليبني كوخا من القصدير في قلب  المحكمة الزجرية بالدارالبيضاء، وقد اختار وهبي لبراكته 5 أمتار طولا، وبعرض 3 أمتار تقريبا، جوار مصلحة التقديم، أقامها على أنقاض حديقة فزادت البراكة المكان اختناقا، لأن توافد جحافل سيارات الشرطة من مختلف الدوائر الأمنية، من كل أرجاء المدينة العملاقة وهي محملة بأفواج المعتقلين أو المشتبه بهم حسب توصيف القانون، يضغط على المساحة الضيقة قبالة مصلحة التقديم، وإن كان من فكرة منتجة فهي توسيع الحيز الضيق لتعمل عناصر الشرطة في راحة، لاسيما وأن للمكان بابان، لا ضير في أن يخصص أحدهما لدخول سيارات الشرطة والثاني لخروجها لتحقيق الانسيابية، لكن وزير العدل لم يجد حرجا في بناء براكة من قصدير وما أدراكم ما القصدير في أوج هذه الحرارة الحارقة، وكتب  الوزير على براكته، بخط عريض وبدون استحياء (فضاء المرأة والطفل، خلية التكفل بالنساء والأطفال)...

 لا أتحدث هنا فقط عن بناء عشوائي يعتبر  جريمة تصدر بشأنها ذات المحكمة عقوبات، ولا أتحدث عن أن البراكة هي نواة حي قصديري (كاريان) تسعى الدولة لطمس ذكراها المهينة المشينة، ولا أتحدث عن إعدام حديقة لإقامة براكة وما في ذلك من اعتداء على التصميم والبيئة معا، ولا أتحدث عن خدش هيبة محكمة تستقبل زوارها ب"كشك" شبيه بأكشاك "سناك" أو ببراكة حارس ليلي في زاوية حي، بل أتحدث عن العبقري الذي أوحى له عقله لينشئ كوخا في جوف محكمة ويجعل منه فضاء لتلقي شكايات تتعلق بالأطفال والنساء، كلما مررت من أمام تلك البراكة أستحضر  مكانة المرأة والطفل ومعهما القانون في مخيلة وزير العدل ومن خلفه الحكومة التي هو ثالث الثلاثة فيها حزبيا، فأتساءل عن الغلاف المالي الذي جرى رصده لبناء البراكة، ومن دفع؟ وكيف؟ ولمن؟ ولماذا؟...فبدل إتمام أشغال توسيع المحكمة يشيد وزير العدل كوخه لقضاء حوائج الأطفال والنساء، ليوحي لنا من خلال براكته أنه يناصر حقوق المرأة والطفل في براكة بمساحة 15 متر مربع، هي في الصيف فرن وفي الشتاء ثلاجة...المثير أن براكة وهبي تأتي  في زمن المحاكم الذكية أو رقمنة المحاكم...