عبد العزيز أفتاتي: المغرب يخسر 5% من ناتجه الداخلي الخام بسبب الفساد وأمواله تذهب لجيوب المفترسين

عبد العزيز أفتاتي: المغرب يخسر 5% من ناتجه الداخلي الخام  بسبب الفساد وأمواله تذهب لجيوب المفترسين عبد العزيز أفتاتي
 يفكّك عبد العزيز أفتاتي السياسي  والبرلماني السابق لحزب العدالة والتنمية مظاهر الفساد وأوجهه رغم كلّ ما أتاحه دستور 2011 من فرص وما يشهده المغرب من معمار مؤسسات، في ظل الجدل والنقاش الدائر على مصادقة الحكومة على مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية، بعد تعثر مشروع قانون الإثراء غير المشروع لسنوات.
 
ويقترح السياسي أفتاتي في حوار مع
"أنفاس بريس"، مداخل للحل، ورؤيته ومقاربته بين زمن "عفا الله عما سلف" في عهد بنكيران، وما يحصل اليوم في عهد حكومة عزيز أخنوش.
 
بعد‭ ‬مُصادقة‭ ‬الحكومة‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬جديد‭ ‬لقانون‭ ‬المسطرة‭ ‬الجنائية‭ ‬الرّامي‭ ‬إلى‭ ‬حرمان‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬ضدّ‭ ‬جرائم‭ ‬الفساد‭. ‬ما‭ ‬تعليقكم؟
لقد‭ ‬أصبح‭ ‬ينطبق‭ ‬علينا‭ ‬التّوصيف‭ ‬الشّعبي‭ ‬الدّال:‭ ‬حاميها‭ ‬حراميها‭. ‬فالكلّ‭ ‬تابع‭ ‬كيف‭ ‬سبق‭ ‬لحكومة‭ ‬الكمبرادور‭ ‬أن‭ ‬سحبت‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬تعديل المسطرة‭ ‬الجنائية‭ ‬يتضمن‭ ‬مقتضيات‭ ‬لمحاربة‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬صاحب‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬ضجّة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬المشبوهة،‭ ‬واليوم‭ ‬تفخّخ‭ ‬المسطرة‭ ‬الجنائية‭ ‬بمقتضيات‭ ‬ضمن‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬23/03‭ ‬يرمي‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬القانون‭ ‬01/22‭ ‬المتعلق‭ ‬بالمسطرة‭ ‬الجنائية:‭ ‬المادة‭ ‬الثالثة‭ ‬نموذجا‭.‬

وصياغة‭ ‬مشروع‭ ‬المادة‭ ‬الثالثة‭ ‬التي‭ ‬تستثني‭ ‬جمعيات‭ ‬حماية‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬و‭ ‬جمعيات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬مسعى‭ ‬حكومة‭ ‬الكمبرادور‭ ‬هو‭ ‬تحصين‭ ‬مليشياتها‭ ‬الحزبية‭ ‬المسرّبة‭ ‬للجماعات‭ ‬الترابية،‭ ‬والتي‭ ‬استعملت‭ ‬في‮ ‬‭ ‬8‭ ‬شتنبر‭ ‬2021‭ ‬لإفساد‭ ‬الانتخابات‭ ‬وإسقاط‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬بكل‭ ‬الوسائل،‭ ‬وذلك‭ ‬كمقابل‭ ‬ونظير‭ ‬خدماتها‭ ‬الانقلابية‭ ‬على‭ ‬إرادة‭ ‬الشعب‭.‬

ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬يتمّ‭ ‬ترصيد‭ ‬وتوطيد‭ ‬تحصين‭ ‬رموز‭ ‬هذه‭ ‬المليشيات‭ ‬الحزبية:‭ ‬الكمبرادور‭ ‬نموذجا‭ ‬الذي‭ ‬تتمّ‭ ‬حمايته‭ ‬ورعايته‭ ‬وتثبيته‭ ‬في‭ ‬“موقعه‭ ‬التّنفيذي!”،‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬النّاس‭ ‬هذا‮ ‬‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬“هندستها‭ ‬وتخريجتها‭ ‬لـ‭ ‬8‭ ‬شتنبر:‭ ‬رأسا‭ ‬وتفريعات‭ ‬وجيوبا،‭ ‬وذلك‭ ‬ضدا‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التقارير‭ ‬والقرارات‮ ‬‭ ‬التي‭ ‬تدين‭ ‬الكمبرادور‭ ‬صنيعة‭ ‬الدّولة‭ ‬العميقة‭ ‬وأداتها‭ ‬التّنفيذية: تقرير‭ ‬اللجنة‭ ‬النيابية‭ ‬لمجلس‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬2018 (ما‭ ‬بين‭ ‬13‭ ‬و17 مليار‭ ‬درهم‭ ‬برسم‭ ‬سنتي‭ ‬2016‭ ‬و2017)،‭ ‬وقرار‭ ‬مجلس‭ ‬المنافسة‭ ‬على‭ ‬عهد‭ ‬الكرّاوي‮ ‬‭ ‬بالتّغريم‭ ‬بـ‭ ‬8%‭ ‬من‭ ‬رقم‭ ‬المعاملات‭ ‬لسنتي‭ ‬2018‭ ‬و2019 (قرابة‭ ‬9.6‭ ‬مليار‭ ‬درهم)،‭ ‬والتّغريم‭ ‬الهزيل‭ ‬لمجلس‭ ‬المنافسة‭ ‬الحالي‭ ‬في‭ ‬2023‭ ‬لـ‭ ‬9‭ ‬شركات‭ ‬بـ‭  ‬1.84‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬(أقل‭ ‬من‭ ‬3%‭ ‬من‭ ‬رقم‭ ‬معاملات‭ ‬سنة)،‭ ‬وعدم‭ ‬قدرة‭ ‬الكمبرادور‭ ‬ومن‭ ‬معه‭ ‬الذهاب‭ ‬للغرفة‭ ‬الإدارية‭ ‬في‭ ‬محكمة‭ ‬النّقض‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم،‭ ‬ممّا‭ ‬يدينهم‭ ‬صراحة‭ ‬ولو‭ ‬بغرامة‭ ‬مجهرية،‭ ‬بالنّظر‭ ‬لهزالها‭ ‬أمام‭ ‬حقيقة‭ ‬الشّفط‭ ‬وحجمه‭ ‬ومدّته‭. ‬فتقرير‭ ‬لمجلس‭ ‬المنافسة‭ ‬في‭ ‬2022‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬شفط‭ ‬0.55‭ ‬درهم‭ ‬في‭ ‬اللّتر‭ ‬عن‭ ‬سنتي‭ ‬2021‭ ‬و2022 (قرابة‭ ‬9‭ ‬مليار‭ ‬درهم)،‭ ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬تقريرا‭ ‬عن‭ ‬أداء‭ ‬الشركات‭ ‬التّسع‭ ‬في‭ ‬2023‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬المصالحة‭ ‬وتغريم‭ ‬1.84‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬الذي‭ ‬يتحدّث‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬ترابطية‭ ‬بين‭ ‬أثمنة‭ ‬الاقتناء‭ ‬بالخارج‭ ‬وأثمنة‭ ‬البيع‭ ‬بالداخل:‭ ‬علاقة‭ ‬ترابطية‭ ‬لا‭ ‬تصل‭ ‬لـ‭‬88%،‭ ‬بمعنى‭ ‬شفط‭ ‬12%‭ ‬أي‭ ‬قرابة‭ ‬600‭ ‬مليون‭ ‬درهما‮ ‬‭.‬

والعجيب‭ ‬أن‭ ‬المادّة‭ ‬الثّالثة‭ ‬المشبوهة‭ ‬تحصر‭ ‬التّبليغ‭ ‬في‭ ‬مؤسّسات‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬الوزير‭ ‬(وزير‭ ‬فبركة‭ ‬المباريات‭ ‬على‭ ‬مقاس‭ ‬الأبناء‭ ‬و‭ ‬الحبّاء‭ ‬من‭ ‬عليّة‭ ‬القوم‭ ‬وكارطيل‭ ‬النّقباء)‭ ‬أن‭ ‬‮ ‬يقدّم‭ ‬مؤشّرات‭ ‬على‭ ‬إحالاته،‭ ‬أي‭ ‬مفتّشيات‭ ‬المالية‭ ‬والإدارة‭ ‬الترابية‭ ‬تحديدا،‭ ‬والتي‭ ‬تلزمها‭ ‬القوانين‭ ‬التّنظيمية‭ ‬للجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬بتدقيقات‭ ‬سنوية‭ ‬لعملياتها‭ ‬المالية‭ ‬والمحسابية،‭ ‬وهي‭ ‬التّدقيقات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتمّ‭ ‬بالوتيرة‭ ‬السّنوية‭ ‬التي‭ ‬تنصّ‭ ‬عليها‭ ‬القوانين‭ ‬التّنظيمية‭ ‬المذكورة‭..‬‭.‬فكيف‭ ‬نحصر‭ ‬التّبليغ‭ ‬في‭ ‬مؤسّسات‭ ‬الكلّ‭ ‬يعرف‭ ‬أدائها‭ ‬والوسائل‭ ‬والموارد‭ ‬القليلة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬رهن‭ ‬إشارتها:‭ ‬هذا‭ ‬له‭ ‬تفسير‭ ‬واحد‭ ‬تحصين‭ ‬المليشيات‭ ‬بآلية‭ ‬التّعطيل‭ ‬بقوة‭ ‬الأشياء‭.‬

حكومة‭ ‬متأتّية‭ ‬من‭ ‬الفساد‭ ‬لأسباب‭ ‬سلطوية‭ ‬لايمكن‭ ‬إلاّ‭ ‬أن‭ ‬تخدم‭ ‬نفسها،‭ ‬أي‭ ‬استدامة‮ ‬‭ ‬فسادها‭ ‬وتحصينه‭ ‬بإعدام‭ ‬آليات‭ ‬الشّعب‭ ‬ومكتسباته‭ ‬في‭ ‬الدّفاع‭ ‬عن‭ ‬المال‭ ‬العام،‭ ‬والتي‭ ‬أثبتت‭ ‬فعاليتها:‭ ‬عمل‭ ‬جمعيات‭ ‬حماية‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني‭ ‬كنماذج‭ ‬بصرف‭ ‬النّظر‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الملاحظات‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات‭ ‬قصد‭ ‬تسديدها‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭.‬
 
دستور‭ ‬2011‭ ‬رفع‭ ‬سقف‭ ‬محاربة‭ ‬الفساد‭ ‬والتّصدي‭ ‬له‭ ‬عبر‭ ‬إعمال‭ ‬آليات‭ ‬الهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬للوقاية‭ ‬من‭ ‬الرشوة‭. ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬العملي‭ ‬تمّ‭ ‬إفراغ‭ ‬الدستور‭ ‬من‭ ‬محتواه‭ ‬عبر‭ ‬الشعار‭ ‬الذي‭ ‬رفع‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬حكومة‭ ‬بنكيران‭ ‬“عفا‭ ‬الله‭ ‬عمّا‭ ‬سلف”،‭ ‬واليوم‭ ‬نعاني‭ ‬نفس‭ ‬التّفريغ‭ ‬الدستوري‭ ‬لهذا‭ ‬المبدأ‭ ‬بمنع‭ ‬الجمعيات‭ ‬والهيئات‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬شكاوى‭ ‬وغيره‭ ‬في‭ ‬التّصدّي‭ ‬لجرائم‭ ‬الفساد‭. ‬هل‭ ‬ذلك‭ ‬صار‮ ‬‭ ‬ذلك‭ ‬عقيدة‮ ‬‭ ‬رسمية‭ ‬للدّولة‭ ‬تجاه‭ ‬الفساد؟
‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬البتّة‭ ‬بين‭ ‬تحصين‭ ‬الكمبرادور‭ ‬وجوقته‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬وما‭ ‬تشير‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬ذ‭. ‬عبدالإله‭ ‬بنكيران‭.‬
دستور‭ ‬2011‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تراكم‭ ‬وطني‭ ‬وتمّ‭ ‬تطعيمه‭ ‬وإسناده‭ ‬وتدعيمه‭ ‬بمجريات‭ ‬الثّورات‭ ‬العربية‭ ‬فأنتج‭ ‬التّكامل‭ ‬بين‭ ‬المعطيين:‭ ‬التّغيير‭ ‬الذي‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬بخصوصياته‭ ‬الإيجابية‭ ‬والسّلبية‭..... ‬وإذا‭ ‬أكملت‭ ‬الآية‭ ‬وتمّ‭ ‬الإبتعاد‭ ‬عن‭ ‬منهج‭ ‬“ويل‭ ‬للمصلين”‭ ‬نصل‭ ‬لـ:‭ ‬عفا‭ ‬الله‭ ‬عمّا‭ ‬سلف‭ ‬ومن‭ ‬عاد‭ ‬فينتقم‭ ‬الله‭ ‬منه‭ ‬(سورة‭ ‬المائدة‭ ‬الآية 95)،‭ ‬وفي‭ ‬سياقنا‭ ‬من‭ ‬عاد‭ ‬اقتصّ‭ ‬منه‭ ‬القانون‮ ‬‭.‬

‬وللاعتبار‭ ‬بالطّبع‭ ‬والاستفادة‭ ‬دوما‭ ‬تعسف‭ ‬وتطاول،‭ ‬أقول‭ ‬فيما‭ ‬يعود‭ ‬لما‭ ‬تشير‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬سؤالك‮ ‬‭ ‬فالمسألة‭ ‬تثار‭ ‬إما‭ ‬لخلافات‭ ‬إيديولوجية‭ ‬بحتة‭ ‬أو‭ ‬لقلّة‭ ‬البضاعة‭ ‬العلمية‭ ‬و‭ ‬السّياسية‭.‬

ما‭ ‬تشير‭ ‬إليه‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬إعمال‭ ‬مصالحة‭ ‬للحكومة‭ ‬ساعتها‭ ‬مع‭ ‬مواطنين‭ ‬وفاعلين‭ ‬اقتصاديين‮ ‬‭ ‬مقابل‭ ‬أداء‭ ‬غرامة‭ ‬إبرائية،‭ ‬وسمّيت‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬ضمنت‭ ‬في‮ ‬‭ ‬القانون‭ ‬المالي‭ ‬لسنة‭ ‬2014 (المادة‭ ‬4‭ ‬مكررة‭ ‬مرتين)‮ ‬‭ ‬بـ‭ ‬”المساهمة‭ ‬الإبرائية‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬نتيجتها‭ ‬الإشعار‭ ‬والإعلان‭ ‬عن‭ ‬أصول‭ ‬مملوكة‭ ‬مختلفة‭ ‬وما‭ ‬شابهه‭ ‬بالخارج‭ ‬(ممتلكات‭ ‬عينية‭ ‬ومالية‭ ‬غير‭ ‬عينية)‭ ‬بلغت‭ ‬زهاء‭ ‬28‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬للمغاربة‭ ‬بالخارج‭ ‬(مغاربة‭ ‬الداخل‭ ‬بإمكانات‭ ‬مهرّبة‭ ‬للخارج‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬للأمر‭ ‬بالجالية‭ ‬المغربية‭ ‬بالخارج)‭. ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المليارات‭ ‬في‭ ‬طيّ‭ ‬الكتمان،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يترتّب‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الإعلان‭ ‬والاعتراف‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬جبائية‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭. ‬ثمّ‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬كذلك‭ ‬دخول‭ ‬ما‭ ‬يناهز‭ ‬2.3‭ ‬مليار‭ ‬درهما‭ ‬لخزينة‭ ‬الدّولة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬أداء‭ ‬الغرامات،‭ ‬أي‭ ‬المساهمة‭ ‬الإبرائية‭.‬

والعملية‭ ‬كانت‭ ‬تروم‭ ‬تطبيق‭ ‬نصّ‭ ‬قانوني‭ ‬يعود‭ ‬لفترة‭ ‬المرحوم‭ ‬عبد‭ ‬الرحيم‭ ‬بوعبيد‭ ‬لمّا‭ ‬كان‭ ‬وزيرا‭ ‬للمالية‭ ‬و‭ ‬تم‭ ‬تعطيله‭ ‬لـ‭ ‬55‭ ‬سنة‭ ‬تقريبا،‭ ‬وكان‭ ‬غرضه‭ ‬محاربة‭ ‬تهريب‭ ‬الأموال‭ ‬للخارج‭ ‬قصد‭ ‬القيام‭ ‬بمشاريع‭ ‬اقتصادية‭ ‬ومالية‭ ‬وعقارية‭ ‬وما‭ ‬شابه،‭ ‬أي‭ ‬بشكل‭ ‬مزدوج‭ ‬تهريب‭ ‬الأموال‭ ‬أوّلا،‭ ‬ثم‭ ‬استثمارها‭ ‬بالخارج‭ ‬ثانيا‭ ‬بشتى‭ ‬الاشكال‭ ‬والأضرار‭ ‬تبعا‭ ‬لذلك‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬الوطني‭.‬

وبالمناسبة‭ ‬الذي‭ ‬عارض‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬ساعتها‭ ‬هم‭ ‬كارطيلات‭ ‬المخدّرات،‭ ‬لأنّ‭ ‬المقاربة‭ ‬عزلتهم‭ ‬بحكم‭ ‬أنهم‭ ‬لايستطيعون‭ ‬تقديم‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬مشروعية‭ ‬مصدر‭ ‬أموالهم‭ ‬وأعمالهم‭.....‬فعارضوا‭ ‬المسألة‭ ‬بالأكاذيب‭ ‬والخلط‭ ‬والتّدليس‭...‬
ثم‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬احتاجت‭ ‬مقاربة‭ ‬تصالحية‭ ‬لأنّها‭ ‬تهمّ‭ ‬آحاد‭ ‬المواطنين،‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يشكّلون‭ ‬ثقلا‭ ‬كبيرا‭ ‬فيها،‭ ‬وكذا‭ ‬بعض‭ ‬فاعلين‭ ‬اقتصاديين‭ ‬ومن‭ ‬جنس‭ ‬بعض‭ ‬مصدرين‭ ‬ومستوردين‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬حساسيتها‭ ‬المالية‭ ‬والاقتصادية‭......‬

وفرق‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬مقاربة‭ ‬تهم‭ ‬معالجة‭ ‬اختلالات‭ ‬لفاعلين‭ ‬اقتصاديات‭ ‬أساسا‭ ‬(أقول‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬مصدرين‭ ‬ومستوردين‭ ‬ورجال‭ ‬أعمال)،‭ ‬وكذا‭ ‬آحاد‭ ‬المواطنين‭ ‬بالطّبع‭ ‬وتفعيل‭ ‬نصّ‭ ‬عطّل‭ ‬لقرابة‭ ‬55‭ ‬سنة،‭ ‬وبين‭ ‬سياسية‭ ‬الدّولة‭ ‬الرّاتبة‭ ‬في‭ ‬فبركة‭ ‬رجال‭ ‬أعمال‭ ‬موالين‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬مواجهة‭ ‬التّدافع‭ ‬الآتي‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬المجتمع‭ ‬باعتماد‭ ‬طبقة‭ ‬طفلية‭ ‬فاسدة‭ ‬تخدم‭ ‬مصالحها‭ ‬في‭ ‬التأطير‭ ‬المعوجّ‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬لمواجهة‭ ‬الإصلاح‭ ‬الآتي‭ ‬من‭ ‬التّحت‭ ‬بمبادرة‭ ‬من‭ ‬فعاليات‭ ‬وهيئات‭ ‬إصلاحية‭.‬
‬وفرق‭ ‬بين‭ ‬إسهامات‭ ‬إصلاحية‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬النّضال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تثبيت‭ ‬خيار‭ ‬السّلطة‭ ‬للشّعب‭ ‬وبين‭ ‬استدامة‭ ‬السّلطوية‭ ‬والفساد‭ ‬بالاستثمار‭ ‬في‭ ‬كارطيلات‭ ‬الإفتراس‭ ‬لإفساد‭ ‬الحياة‭ ‬السّياسية‭ ‬وتقاسم‭ ‬الثّروات‭ ‬بين‭ ‬بضع‭ ‬عائلات‭.‬
‮ ‬
الفساد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬له‭ ‬كُلفة‭. ‬كم‭ ‬يضيّع‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬النّمو؟‭ ‬وكم‭ ‬تهدر‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬ثروات؟‭.‬
‬الفساد‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬يتسبّب‭ ‬في‭ ‬خسارة‭ ‬5%‭ ‬من‭ ‬النّاتج‭ ‬الداخلي‭ ‬الخام‭ ‬تذهب‭ ‬لجيوب‭ ‬المفترسين‭ ‬وتحرم‭ ‬منها‭ ‬السّاكنة،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الظّروف‭ ‬المتّسمة‭ ‬بـ‭ ‬“الجشع‭ ‬التّضخمي”‭ ‬حسب‭ ‬تعبير‭ ‬لمجلس‭ ‬المنافسة‭ ‬في‭ ‬تقريره‭ ‬السنوي‭ ‬2023. وهذا‭ ‬هو‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬تكلفة‭ ‬الفساد‭ ‬الباهظة،‭ ‬حيث‭ ‬تذهب‭ ‬تقديرات‭ ‬أخرى‭ ‬لـ‭ ‬7%‭ ‬وبعضها‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير‭.‬

إذا‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬ماكرو‭ ‬خسارة‭ ‬لا‭ ‬تقلّ‮ ‬‭ ‬عن‭ ‬70‭ ‬مليار‭ ‬درهما‮ ‬،‭ ‬أي‭ ‬5%‭ ‬منpib)‮ ‬‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬حاليا)‭ ‬يتم‭ ‬شفطها‭ ‬شفطا‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الرأسمال‭ ‬الكبير‭ ‬الرّيعي‭ ‬الذي‭ ‬يتقاسم‭ ‬الأعمال،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬ثمار‭ ‬النموّ‭ ‬لفائدته‭ ‬ودون‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬عامّة‭ ‬فئات‭ ‬الشّعب‭. ‬ولذلك‭ ‬تستشري‭ ‬المعاناة‭ ‬مع‭ ‬متطلّبات‭ ‬العيش‭ ‬الكريم‭ ‬دون‭ ‬أفق،‮ ‬‭ ‬رغم‭ ‬مزاعم‭ ‬الكمبرادور‭ ‬ومن‭ ‬يحركه‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬غد‭ ‬مغاير‭ ‬ووردي‭.‬

ما‭ ‬يعيشه‭ ‬النّاس‭ ‬هو‭ ‬المعاناة‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬87%‭ ‬من‭ ‬السّاكنة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬ثقتها‭ ‬في‭ ‬أداة‭ ‬الدّولة‭ ‬الموازية‭ ‬والعميقة:‭ ‬حكومة‭ ‬الكمبرادور،‭ ‬وهي‮ ‬‭ ‬أدنى‮ ‬‭ ‬نسبة‭ ‬يتمّ‭ ‬تسجيلها‭ ‬منذ‭ ‬اعتماد‭ ‬هذا‭ ‬المؤشّر‭ ‬منذ‭ ‬2008،‭ ‬حسب‭ ‬الصفحة‭ ‬71‭ ‬من‭ ‬التقرير‭ ‬السّنوي‭ ‬لمجلس‭ ‬المنافسة‭ ‬برسم‭ .‬2023 ‬

والمعاناة‭ ‬مع‭ ‬ضروريات‭ ‬العيش‭ ‬القاسية‭ ‬تعمّق‭ ‬مؤشرات‭ ‬استهلاك‭ ‬الأسر‭ ‬الضحل‭ ‬والضّعيف‭ ‬أصلا‭ ‬جراء‭ ‬تسبب‭ ‬الكمبرادور‭ ‬في‭ ‬إشعال‭ ‬فتيل‭ ‬الغلاء‭ ‬والعجز‭ ‬أمام‭ ‬الكارطيلات‭ ‬الأخرى‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬الارتفاع‭ ‬المفرط‭ ‬لكافة‭ ‬الأسعار،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الإضرار‭ ‬بالطّلب‭ ‬الداخلي‭ ‬كمكوّن‭ ‬أساسي‭ ‬لإنتاج‭ ‬التّنمية‭ ‬الفعلية‭ ‬والحقيقية‭ ‬وتقاسمها‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يقود‭ ‬للفشل‭ ‬المدوّي‭ ‬الحالي‭ ‬للدولة‭ ‬العميقة‭ ‬وأداتها‭ ‬حكومة‭ ‬الكمبرادور‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬أسباب‭ ‬الغلاء‭ ‬الذي‭ ‬أضحى‭ ‬معطى‭ ‬بنيويا‭ ‬وقارّا،‭ ‬وكذا‭ ‬في‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بنسب‭ ‬نمو‭ ‬مرعبة‮ ‬‭ ‬(2.5% تقريبا‭ ‬كمتوسط‭ ‬في‭ ‬الثّلاث‭ ‬سنوات)،‭ ‬والتي‭ ‬تبقى‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬مزاعم‮ ‬‭ ‬4%‭ ‬كمتوسّط‭ ‬سنوي‭ ‬للحكومة‭ ‬في‭ ‬الولاية‭ ‬الحالية،‭ ‬وعن‭ ‬مؤشر‭ ‬6%‭ ‬كنسبة‭ ‬نموّ‭ ‬ضرورية‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬2025،‭ ‬والواردة‭ ‬في‭ ‬أساطير‭ ‬النموذج‭ ‬التنموي‭ ‬لصاحبها‭ ‬الوزير‭ ‬المصبوغ،‭ ‬وينتج‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬بالتّالي‭ ‬توسيع‭ ‬دائرة‭ ‬البطالة‭ ‬التي‭ ‬تجاوزت‭ ‬13%،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬مضطرد‭.‬

لكنّنا‭ ‬نرى‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬تطور‭ ‬وازدهار‭ ‬أوضاع‭ ‬الرّأسمال‭ ‬الكبير‭ ‬الرّيعي‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬المجالات:‭ ‬محروقات‭ ‬وأبناك‭ ‬وتأمينات‭ ‬وطاقات‭ ‬متجدّدة‭ ‬وتحلية‭ ‬مياه‭ ‬وقطاعات‭ ‬توزيع‭ ‬ومعادن‭ ‬وإنعاش‭ ‬عقاري‭ ‬وسياحي‭...‬وما‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬تسخير‭ ‬لمؤسّسة‭ ‬عمومية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬غاز‭ ‬تندرارة‭ ‬لخدمة‭ ‬الرّأسمال‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬مضمونة‭ ‬ومصونة‭ ‬ولآجال‭ ‬بعيدة،‭ ‬يعطي‭ ‬فكرة‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬تشبّع‭ ‬كبار‭ ‬القوم‭ ‬عندنا‭ ‬“بشركات‭ ‬التّنمية‭ ‬المحلّية‭ ‬والإقليمية‭ ‬والجهوية“‭ ‬للجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬وبـ‭ ‬“التعاونيات‭ ‬الترابية“‭ ‬وما‭ ‬شابه‭.‬

وبالمناسبة،‭ ‬ألم‭ ‬يكن‭ ‬حريّا‭ ‬بأصحاب‭ ‬“الفوق”‮ ‬‭ ‬إبقاء‭ ‬ثروات‭ ‬تندرارة‭ ‬بإقليم‭ ‬فكيك‭ ‬بوعرفة‮ ‬‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬إقليم‭ ‬فكيك‭ ‬بوعرفة‭ ‬وإقليم‭ ‬جرادة‮ ‬‭ ‬المهمّشين‭ ‬أو‭ ‬بجهة‭ ‬الشّرق‭ ‬المنكوبة‮ ‬‭ ‬ككلّ‭ ‬بشكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬(شركات‭ ‬التّنمية‭ ‬أو‭ ‬مؤسّسات‭ ‬التّعاون‭ ‬وما‭ ‬شابه‭ ‬من‭ ‬توطين‭ ‬للتّنمية)‭.‬
‮ ‬
هناك‭ ‬معمار‭ ‬مؤسّساتي‭ ‬رهيب‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للحسابات‭ ‬إلى‭ ‬المفتشية‭ ‬العامة‭ ‬لوزارة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والمالية،‭ ‬والمفتشيات‭ ‬العامة‭ ‬للوزارات‭ ‬والمؤسّسات‭ ‬والمفتشية‭ ‬العامة‭ ‬لوزارة‭ ‬الداخلية،‭ ‬والبرلمان‭. ‬كلّ‭ ‬هذا‭ ‬المعمار‭ ‬الرّقابي‭ ‬المؤسّساتي‭ ‬لم‭ ‬يفلح‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬“الحدّ‭ ‬الأدنى” (السّميك‭ ‬العالمي)‭ ‬من‭ ‬الشّفافية،‭ ‬وفي‭ ‬التّصدّي‭ ‬لكل‭ ‬أشكال‭ ‬الفساد؟‮
المعمار‭ ‬الذي‭ ‬تتحدّث‭ ‬عنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فصله‭ ‬عن‭ ‬السّياق‭ ‬التراكمي‭ ‬لنضالات‭ ‬الشّعب‭ ‬المغربي‭ ‬ولقواه‭ ‬الحيّة،‭ ‬والذي‭ ‬تكثّف‭ ‬وتعزّز‭ ‬بالثّورات‭ ‬العربية،‭ ‬فأنتج‭ ‬لنا‭ ‬دستور‭ ‬2011،‭ ‬وكذا‭ ‬‮ ‬المسار‭ ‬برمّته‭ ‬الذي‭ ‬كابد‭ ‬بصعوبة‭ ‬لعشرية‭ ‬كاملة،‭ ‬أي‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬2021‭. ‬ثم‭ ‬عدنا‭ ‬القهقرى‭ ‬لما‭ ‬قبل‭ ‬2011،‭ ‬حيث‭ ‬خيار‭ ‬النّكوص‭ ‬والسّلطوية‭ ‬والتّدبير‭ ‬بالفساد،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬التّماهي‭ ‬حسب‭ ‬الخصوصية‭ ‬المغربية‭ ‬مع‭ ‬الثّورات‭ ‬المضادّة‭ ‬الجارية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬والتي‭ ‬انطلقت‭ ‬في‭ ‬2013‭. ‬
إذن‭ ‬دون‭ ‬استحضار‭ ‬السّياق،‭ ‬وهو‭ ‬حاكم‭ ‬وحاسم،‭ ‬قد‭ ‬نقع‭ ‬في‭ ‬تضليل‭ ‬ذاتي‭ ‬يخدم‭ ‬التّدليس‭ ‬النّكوصي‭ ‬السّلطوي‭.‬‮ ‬تمت‭ ‬فرق‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬القناعة‭ ‬في‭ ‬الإصلاح‭ ‬من‭ ‬“فوق“‭ ‬تماشيا‭ ‬مع‭ ‬إرادة‭ ‬الإصلاح‭ ‬الرّاسخة‭ ‬والواسعة‭ ‬المعبّر‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬الّتحت‭ ‬المجتمعي،‮ ‬‭ ‬وبين‭ ‬مجاراة‭ ‬مجريات‭ ‬الإصلاح‭ ‬ممّن‭ ‬هم‭ ‬“فوق“‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬وتحين‭ ‬أيّ‭ ‬فرصة‭ ‬(محلية‭ ‬و/أو‭ ‬دولية)‭ ‬للانقلاب‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬الإصلاحات،‭ ‬و‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬نعيشه‭ ‬في‭ ‬حالتنا‭ ‬الوطنية‭ ‬بدون‭ ‬لفّ‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬دوران‭.‬
 
هل‭ ‬يُفهم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬الدّولة‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تمنح‭ ‬للمواطن‭ ‬النّموذج‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬اتّباعه‭ ‬وأن‭ ‬يسير‭ ‬عليه‭ ‬المغرب،‭ ‬وأن‭ ‬الترقي‭ ‬في‭ ‬المسار‭ ‬السّياسي‭ ‬أو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وما‭ ‬شابهه،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فاسدا‭ ‬وناهبا‭ ‬للمال‭ ‬العام؟
‬الدولة‭ ‬لها‭ ‬خيارها‭ ‬في‭ ‬ترتيب‭ ‬الأوضاع‭ ‬الدّاخلية‭ ‬لأمد‭ ‬متوسّط‭ ‬وبعيد،‭ ‬والحاصل‭ ‬والمحدّد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخيار‭ ‬أن‭ ‬الدّولة‭ ‬الموازية‭ ‬والعميقة‭ ‬تعتبر‭ ‬“فوق“‭. ‬الدّولة‭ ‬تكمن‭ ‬أساسا‭ ‬وتحديدا‭ ‬في‭ ‬إضعاف‭ ‬الأحزاب‭ ‬السّياسية‭ ‬وتهميشها‭ ‬وتفرقتها‭ ‬طبقا‭ ‬للقاعدة‭ ‬الشّهيرة:‭ ‬فرّق‭ ‬تسد‭...

ولمّا‭ ‬كان‭ ‬إضعاف‭ ‬وإنهاك‭ ‬الأحزاب‭ ‬والنّقابات‭ ‬وجمعيات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬هدفا‭ ‬و‭ ‬غاية‭ ‬للتّمكين‭ ‬للسّلطوية،‭ ‬فهذا‭ ‬يقتضي‭ ‬ملء‭ ‬مكان‭ ‬هذه‭ ‬الهيئات‭ ‬الإصلاحية‭ ‬الحقيقية،‭ ‬بفبركة‭ ‬كائنات‭ ‬وكارطيلات‭ ‬(أحزاب‭ ‬إدارية)‭ ‬لتعبئة‭ ‬مليشيات‭ ‬زبونية‭ ‬تقوم‭ ‬بشكل‭ ‬مزيّف،‭ ‬مقام‭ ‬حالة‭ ‬حقيقية‭ ‬من‭ ‬الإنتماء‭ ‬والعمل‭ ‬الجماعي‭ ‬والنّضال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الإصلاح‮ ‬‭ ‬بالقناعة‭ ‬والبرامج‭ ‬والتّطوّع‮ ‬‭.‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفسّر‭ ‬لجوء‭ ‬الدّولة‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬2021،‭  ‬مجدّدا‭ ‬لحزبها‭ ‬المعتمد‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وإسناده‭ ‬بحزب‭ ‬البؤس‭ ‬الذي‭ ‬أسّسته‭ ‬بالكامل‭ ‬قبيل‭ ‬انتخابات‭ ‬2009 (جزء‭ ‬من‭ ‬يسار‭ ‬قلب‭ ‬معطفه‭ ‬وجمهرة‭ ‬من‭ ‬كائنات‭ ‬الرأسمال‭ ‬المفبرك‭ ‬لهذه‭ ‬الغاية‭ ‬تحديدا‭ ‬وتدبير‭ ‬ذلك‭ ‬وتدعيمه‮ ‬‭ ‬ببعض‭ ‬“النّخبة”‭ ‬الانتهازية‭ ‬من‭ ‬سلك‭ ‬الإدارة‭ ‬والمؤسسات‭ ‬العمومية)،‭ ‬وكذا‭ ‬باعتماد‮ ‬‭ ‬حزب‭ ‬أصبح‭ ‬يجسّد‭ ‬كيفما‭ ‬اتّفق‭ ‬نظريته‭ ‬في‭ ‬“مولا‭ ‬نوبة”‭ ‬التي‭ ‬أفصح‭ ‬عنها‭ ‬ذات‭ ‬خريف‭ ‬2002،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬عمق‭ ‬وتجسيد‭ ‬لخيار‭ ‬الدّولة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬الأحزاب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفسّر‭ ‬كذلك‭ ‬التّمكين‭ ‬للرّأسمال‭ ‬الكبير‭ ‬الرّيعي‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬تضليلي:‭ ‬إبراز‭ ‬وترميز‭ ‬مؤسسات‮ ‬‭ ‬وطنية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأعمال‭ ‬العابر‭ ‬للقارّات‭ ‬ودعمها‭ ‬لتصل‭ ‬ما‭ ‬يسمّى‭ ‬‮ ‬درجة‭ ‬أبطال‭ ‬وطنية‭ ‬في‭ ‬المجال،‭ ‬بغرض‭ ‬منافسة‭ ‬الرّأسمال‭ ‬الأجنبي‭ ‬بحكم‭ ‬خيار‭ ‬الانفتاح‭ ‬الجاري‭. ‬لكنّ‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬هو‭ ‬تحالف‭ ‬الطرفين‭ ‬(المحلّي‭ ‬الّريعي‭ ‬والأجنبي)‭ ‬حقيقة‭ ‬لامجازا،‭ ‬وبالعودة‭ ‬للتكتلات‭ ‬(التجمعات‭ ‬بين‭ ‬المحلي‭ ‬والأجنبي)‭ ‬التي‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬كبريات‭ ‬الصّفقات‭ ‬يتبيّن‭ ‬ذلك‭ ‬وبدون‭ ‬أدنى‭ ‬مجهود‭ ‬يذكر‭.‬

والذي‭ ‬يستفاد‭ ‬من‭ ‬تراكم‭ ‬النّضال‭ ‬الوطني‭ ‬والضّامن‭ ‬للإصلاح‭ ‬والاستقرار‭ ‬والعاصم‭ ‬من‭ ‬الهزّات‭ ‬هو‭ ‬حسم‮ ‬‭ ‬العودة‭ ‬لمسار‭ ‬الانتقال‭ ‬الدّيمقراطي‭ ‬والتّوجه‭ ‬نحو‭ ‬ملكية‭ ‬برلمانية‭ ‬في‭ ‬شروطنا‭ ‬تجسّد‭ ‬سلطة‭ ‬الشّعب‭ ‬التي‭ ‬لا‮ ‬‭ ‬تعلوها‭ ‬سلطة‭ ‬واحترام‭ ‬حرمة‭ ‬الاقتراع‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬مشروعية‭ ‬الانتخابات‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬الحرّية‭ ‬والنّزاهة‭ ‬والشّفافية‭ ‬والقطع‭ ‬مع‭ ‬التّلاعب‭ ‬بالدّستور‭ ‬والمؤسّسات‭ ‬والاحزاب‭ ‬والفصل‭ ‬بين‭ ‬السّلطة‭ ‬والمال،‭ ‬لأنّ‭ ‬التّجارة‭ ‬من‭ ‬الحاكم‭ ‬مضرّة‭ ‬بالرّعية‭ ‬ومفسدة‭ ‬للجباية‭ ‬كما‭ ‬لخّص‭ ‬العلامة‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬تجربة‭ ‬من‭ ‬سبقوه‭ ‬مسلمين‭ ‬وغيرهم،‭ ‬عربا‭ ‬وأمازيغ‭ ‬وعجما‮ ‬‭.‬

فالسّلطة‭ ‬تجسيد‭ ‬لسلطة‭ ‬الشّعب‭ ‬لتحقيق‭ ‬الكرامة‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وليس‭ ‬فبركة‭ ‬الرأسمال‭ ‬والتّحكّم‭ ‬في‭ ‬مصادر‭ ‬إنتاج‭ ‬الثّروة‮ ‬‭ ‬توزيع‭ ‬الحصص‭ ‬والأدوار‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأعمال‭ ‬على‭ ‬الموالين‭ ‬لها‮ ‬‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬إرادة‭ ‬الشعب‭. ‬والمقاولة‭ ‬مهمّتها‭ ‬التّنمية‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬الاجتهاد‭ ‬والنّزاهة‭ ‬والمنافسة‭ ‬الشّريفة‭ ‬والاستقلال‭ ‬عن‭ ‬السّلطات‭ ‬جميعها،‭ ‬وليس‭ ‬خدمة‭ ‬الدّولة،‭ ‬بل‭ ‬وعبادتها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستئثار‭ ‬بالسّوق‭ ‬وتقاسمه‭.‬

واستنادا‭ ‬إلى‭ ‬التّراكم‭ ‬الوطني،‭ ‬فإنّه‭ ‬لابديل‭ ‬عن‭ ‬أفق‭ ‬الملكية‭ ‬البرلمانية‭ ‬المستوعب‭ ‬لكافّة‭ ‬الطّاقات‭ ‬بدون‭ ‬إقصاء،‭ ‬قبل‭ ‬فوات‭ ‬الأوان،‭ ‬لأن‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬سوى‭ ‬هذا‭ ‬المراد‭ ‬الدّيمقراطي‭ ‬إنّما‭ ‬هو‭ ‬تجريب‭ ‬للمجرّب‭ ‬وفي‭ ‬شروط‭ ‬غير‭ ‬تلك‭ ‬السّابقة‭ ‬وتبديد‭ ‬للزّمن‭ ‬والفرص‭ ‬وإعادة‭ ‬تكرار‭ ‬المآسي‭ ‬لا‭ ‬قدّر‭ ‬الله‭.‬
 
عبد العزيز أفتاتي/ سيّاسي (العدالة والتنمية)