نشرت بعض المواقع الإلكترونيه مؤخرا خبرا مؤسسا على بلاغ لوزارة التعليم والرياضة، من خلاله يحث السيد الوزير المكلف بالقطاع كل النيابات التعليمية بالمملكة، على ضرورة الاهتمام بالتربية الرياضية في مختلف مراحل التعليم، مع تركيز الاهتمام على رياضة الغولف التي كانت محور البلاغ.
احترمت كثيرا دعوة السيد الوزير الداعية إلى ضرورة إعطاء الرياضة ما تستحق من اهتمام، لاسيما بعد الخسارة المدوية التي منيت بها الرياضة المغربية في اولمبياد فرنسا، وقلت لعل الدعوة تؤشر على صحوة الضمير الرياضي في بلادنا عساها تنجح في إنقاذ هذا القطاع من الدرك الذي انحدر إليه، لكن ارتياحي هذا، سرعان ما تبدد ، بل ازداد أسفي على واقع حال الرياضة بعد دعوة البلاغ إلى تخصيص رياضة الغولف بكل الاهتمام، هنا أدركت ان هناك ثمة مشكل ما، يؤشر على وجود بون شاسع في بلادنا بين مدبر الشأن العمومي وهموم عامة الشعب، وطرحت السؤال: لماذا التركيز على هذه الرياضة بالضبط، رغم انها كانت، وما تزال، تصنف ضمن رياضات النخبة، (تكفي الإشارة مثلا إلى ان ثمن العصى التي تضرب بها كرة الغولف يبتدأ ب 5000 درهم)، ثم هل هناك إنجازات رقمية تشجع على هذا الاهتمام؟! ...
حقيقة، ليس في علمي شيء من هذا القبيل، وكل ما أعرفه، أن بعثتنا إلى محفل الألعاب الاولمبية بفرنسا ضمت مشاركا واحدا في هذه الرياضة (فئة النساء) وقد احتلت واحدا من المراتب المتأخرة جدا، فلم المراهنة على هذه الرياضة إذن؟ ثم إن الرياضة جزء من ثقافة الشعب، أي شعب، و واحدة من تعبيراته الخاصة وميولاته المشتركة، كما ان تعدد الأصناف الرياضية ، تؤشر في عمقها، على مدى الاهتمام المجتمعي بهذا الصنف او ذاك، حسب قربها من الوجدان العام وتطلعات الجماهير الواسعة إليها، فكيف نقنع العالم مثلا، أننا شعب عاشق لرياضة تحتاج ملاعبها الخضراء لأطنان من المياه العذبة، والحال أننا بلد يصنف في دائرة المناطق الجافة اوشبه الجافة من الكرة الارضية، إننا بهذا الشكل، نصبح كمن يدفع الناس إلى تعلم رياضة التزحلق على الجليد في بلاد طبيعتها صحراء قاحلة...هل يعقل ذلك...طبعا لا...إذ المنطق يفرض، بداهة، المراهنة على الرياضات الملائمة لواقع البلد والمتفاعلة مع معطيات مجاله والمطابقة لإمكانات الغالبية العظمى من شعب هذا البلد، فهذه المؤشرات هي المعول عليها وحدها في إنتاج رياضات تضمن الصعود إلى منصات التتويج، أما ما عداها، فلا تزيد عن كونها ترفا يكرس لواقع طبقي مناف في الأصل لمبادئ الرياضة وأخلاقها.
إن رياضة الغولف إذن ( مع احترامي لها وللقلة التي تمارسها)، غير منسجمة مع إكراهات واقع يئن اليوم تحت وطئة الجفاف ويقاوم شبح العطش ويناشد الجميع بضرورة تثمين ما تبقى من مياه، عسانا نفلح في إنقاذ الزرع والضرع والبشر، وليس لأجل استنبات هكتارات من العشب الاخضر لا يصلح إلا من أجل اللعب.
من هنا، أريد لفت انتباه السيد وزير التعليم والرياضة، إلى أنه، وعوضا على بلاغات الكولف، أدعوه الى تحرير بلاغات تحث على الاعتناء بالأبطال المغاربة من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين شاركوا في الأولمبياد الموازية بفرنسا خلال الاسبوع الفارط ( الألعاب البارالمبية) وأبلووا البلاء الحسن، لهؤلاء هم النجوم الذين شرفوا البلاد ورفعوا رأسنا عاليا، لاسيما بعدما تمكنت العداءة المغربية فاطمة الزهراء الإدريسي من تحطيم الرقم القياسي العالمي في سباق الماراتون... إنهم الأبطال الذين صعدوا إلى منصة التتويج لأكثر من 15 مرة خلال هذه التظاهرة، وحصدوا جوائز من ذهب ونحاس و فضة، وكانوا السبب في رفع الراية الوطنية بين رايات البلدان و في عزف النشيد الوطني في محفل رياضي عالمي كبير، أليس هن الأولى بالعناية والرعاية إذن...
إن المواهب التي تعج بها هذه الشريحة في مجتمعنا ، هم من ينبغي المراهنة عليه في الترويج لاسم المغرب عبر العالم...فما دامت الغاية من أي مشاركة دولية هي التتويج، فإن الأولى بالاهتمام، يا معالي الوزير، هو من كان السبب في تحقيق هذا التتويج ...
من المؤسف جدا أن يسدل الستار على هذه التظاهرة العالمية دون ان يحظى هؤلاء الابطال بما يستحقون من احتفاء، وما هم أهل له من ثناء وتكريم، جزاء وفاقا على ما حققوه من فوز وقدموه من تميز ...مؤسف حقا، أن تمر اجواء مشاركتهم في أجواء باردة وليست في مستوى الحرارة التي عاشها الأبطال في بلد ما وراء المتوسط.. هناك حيث تقدر الكفاءات التقدير الذي يناسبها..