نادية واكرار: أشباه النخب والكارثة المؤجلة

نادية واكرار: أشباه النخب والكارثة المؤجلة نادية واكرار
في العديد من المجتمعات، وهنا لا اتحدث عن المغرب فقط باعتباره نموذج حي لكنه أكثر ميوعة من ناحية هذه الظاهرة، وخاصة في أوقات الأزمات والكوارث، تبرز ظاهرة اشباه النخب والتي تنتظر حتى وقوع الكارثة قبل أن تتخذ أي موقف أو تصدر بياناتها. هذا النمط من السلوك يعكس أزمات أعمق في البنية الاجتماعية والثقافية، ويتطلب فهما أوسع من خلال أدوات التحليل السوسيولوجي.

حين نتحدث عن النخبة والشرعية... وغياب الأستباقية يمكننا ان نتطرق لطروحات علماء الاجتماع كماكس فيبر لبعض المفاهيم كمفهوم الشرعية في الحكمة باعتبارها أحد الأسس التي تستند إليها جل النخب لاجل الحفاظ على المناصب و السلط ومكانتهم في المجتمع... النخب التي لا تتاخر في اطلاق عنانها امام انتظارات الشعب فتبهر الحاضر والغائب لكنها تستسلم و تتأخر في اتخاذ القرارات والإجراءات الضرورية حين تكون الامور على محك. فتفقد مصداقيتها وتضعف شرعيتها أمام الجمهور....

الشرعية هنا لا تقتصر على القوة أو السلطة بل ايضا على قدرة هذه النخب على الاستجابة الفعالة والسريعة والتعامل الاستباقي مع الأزمات بدل التحايل والتهرب من المسؤولية التي هي اساس حضوره في منصبه هذا . نجد وللأسف النخبة تلك التي تنتظر الكوارث لتتطفل وترسل وميضها بالاعلام و وسائله لتترك بصمتها على شكل بيانات تضامنية ظنا منها أنها تواكب ونساند غير انها تساهم في تعزيز الصورة القدحية و سلبية للناخب والسياسي الحقيقيين...

ثقافة التبرير بعد الفشل في الاعلام المغربي...
تتجذر ثقافة التبرير بعد وقوع الأزمات كآلية للحفاظ على السمعة وتجنب تحمل المسؤولية الحقيقية وهو رد احترازي تتخده وتتبناه النخبة المزيفة في هذه الحالات كنوع من ردود فعل للأحداث بدلاً من استباقها. هذا النوع من السلوك يعكس انا الفشل في أداء الدور الحقيقي للنخبة كقوة محركة للتغيير الاجتماعي الإيجابي. فبدلاً من العمل على تجنب الأزمات وإيجاد حلول جذرية، نجدهم يتتبنون خطابات تبريرية بعد وقوع الضرر... بحيث لا رجعة في الأمر...

تحدث عالم الاجتماع بيير بورديو بدوره خلال هذا السباق عن "الرأسمال الاجتماعي والعلاقات المفتعلة " وقال ان هذه الأخيرة هي ذلك المفتاح الاساسي لفهم العلاقات داخل المجتمع،د. بحيث تعتمد النخبة على شبكاتها الاجتماعية والرمزية للحفاظ على مكانتها وترسبخ فكرة ابديتها و تشبتها بمكانتها. فالنخب المزيفة تستغل الكوارث لتظهر بمظهر الداعم والمتضامن مستخدمة وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي لاجا بناء صورة إيجابية لها. إلا أن هذا النوع من التضامن الظاهري غالباً ما يكون وسيلة لتعزيز وضعها الاجتماعي والسياسي، بدلا من السعي لحل المشكلات الحقيقية.

جاء السوسيولوجي زيجمونت باومان بدوره ليقدم لنا مفهوم "اللامبالاة المؤسساتية" كمفهوم سوسيولوجي وذلك لأجل فهم سلوك المؤسسات ونخبها التي تتصرف بشكل عشوائي وغالبا اوتوماتيكي لا يعتمد لا على استراتيجية ولا على أدمغة تخطط لاي رؤية مستقبلية.... نتحدث هنا عن غياب أسس الإنسانية العميقة.... هذه النخبة و التي اغلبها لا يشعر بتأثير الكوارث و الازمات بنفس الطريقة التي يشعر بها المواطن العادي، تتصرف بشكل عشوائي معبرة عن لامبالاتها حتى تتفاقم وتتراكم الأزمات وتصبح ذات وقع يتعدى قدرة اي كان التحكم فيها و تؤثير سياسيا أو اجتماعيا بشكل كبير.... هذا النوع من اللا مبالاة يعكس تلك الفجوة الكبرى التي تفصل بين النخب والجماهير، حيث تفتقر هذه النخب إلى التعاطف الفعلي مع المتضررين.

غير انه حين نتحدث عن "ثقافة الاستعراض" التي باتت جزء لا يتجزا من المجتمعات الحديثة فإننا نتحدث ايضا عن تتحركات النخب المزيفة بهدف الظهور والبروز إعلاميا. يتم اذا استغلال الكوارث والمآسي كفرص للترويج الذاتي وإظهار التضامن على ربما ايضا لاجل تلميع صمعتهم بينما الهدف الحقيقي هو الحفاظ على الصورة العامة والمكانة الاجتماعية. مجتمع انتج اذا نخب لا تسعى إلى حلول فعلية بقدر ما تسعى إلى تحسين صورتها في أعين الجمهور.

نتحدث ايضا هنا أزمة عميقة في البنية الاجتماعية والثقافية وهي فقدان الاستباقية، والاعتماد على التبرير، استغلال العلاقات الاجتماعية دون تقديم حلول حقيقية... هذه كلها علامات على عدم تحمل المسؤولية. لذا يجب إعادة النظر في نوعية و دور النخب في المجتمع وتوجيهها نحو تبني ثقافة الفعل والعمل الحقيقي والاستباقي لمواجهة التحديات.... خليها عالله !!!

إن تفشي ظاهرة النخب المزيفة قد كشفت عن أزمة عميقة وفجوة مخيفة في البنية الاجتماعية والثقافية بمجتمعنا. بحيث فقدت بشكل كامل النخب الحقيقية دورها الحقيقي في القيادة والاستباقية. فبدلا من العمل على تجنب الأزمات وحل المشاكل بشكل فعّال، تكتفي بالاستيلاء على المنبر الإعلامي و تتبنى مبدا التضامن السطحي بعد وقوع الكوارث، مما افقدها الشرعية والثقة الشعبية.... الوضع هنا يتطلب إعادة النظر الى أسس ومعايير اختيار النخب و السياسيين وأصحاب القرار وتوجيههم عن طريق تكوينات مستمرة و حثهم على تقدير تقارير مفصلة عن طريق مقابلات ولقاءات تعلمهم اساسيات مهامهم و كيفية تحمل المسؤولية و بالتالي الانتقال من ثقافة التبرير والاستعراض إلى ثقافة الفعل والعمل الحقيقي.