عبد الحميد جماهري: ما يتهدد الوطن والوطنية

عبد الحميد جماهري: ما يتهدد الوطن والوطنية

لا يمكن أن نفهم اعتزاز الخطاب الملكي بالمغرب، وتامغرابيت، كجزء من الافتخار الوطني بالحفاط على السلم الوطني، مقابل منطقة متشظية، تعلن نهاية المجتمعات قبل الدول. بل يمكن أن نفهمه، أيضا، على أساس أن الفكرة الوطنية مهددة في جوهرها بالعديد من المخاطر.

كما كان ماركس يضع العمال خارج الوطن (لا وطن للبروليتاريا، قال)، يراد ألا يكون للمؤمنين (البروليتاريا الدينية) بلا وطن.

1 - بروليتاريا بلا وطن والطريق في ذلك ثلاثية الدفع:

من يريد أن يصبح المغاربة ملحقة خليجية، وهم يتوزعون بين الداخل والخارج. ومن يريد أن يقيم هوية عقدية غير متوافق عليها، ومن يريد أن يوزع المغاربة على مشارق العالم ومغاربه، في حروب لا تعنيهم وتبطل هويتهم الوطنية وتربطهم بهلاميات أممية ناشئة صاعدة من غبار التاريخ والغزوات القديمة.

2 - الحزب الوطن..

ما يتهدد الوطن هو أن تتحول أحزاب بعينها، نفسها إلى بديل جاهز للوطن، وأن يصبح الوطن مجرد رقعة قابلة للتحفيظ باسم الانتماء الحزبي.

لقد كان الوطنيون الكبار يعتبرون أن البلاد لا يمكن أن تخسر أمام الحزب، مهما كانت شرعيته التاريخية، وإذا كان لا بد من اختيار, فهو الوطن أولا..

لكن عندما تصبح الحساسية الحزبية، هي القاعدة في الحكم على مواقف التشكيلات السياسية والمتحكمة في زاوية النظر، وقتها يكون الحزب... في وضع اعتباري يفوق الوطن.

ولنا أن نتأمل اليوم، كيف أن الأحزاب التي تدير الشأن العام، تلغي الوطن من خلال إلغاء توافقاته الكبرى (وليس صدفة أن الحديث عن الوطن تم عند الحديث عن التوافق الايجابي للقوى الوطنية)، وعندما يقر الحزب الذي يدير البلاد في أن تصبح غايات وجوده.. هي الاستراتيجية الوحيدة للوطن، تصبح أولوياته هي أولويات الوطن، وقتها يمكن أن نعلن أن الوطن مهدد وفي خطر.

يمكن للأحزاب أن تنتهي، أما الوطن فلا.

يمكن للأحزاب أن تنقرض، أما الوطن فلا.

يمكن للأحزاب أن تموت، أما الوطن فلا..

يمكن للأحزاب أن تباع!، أما الوطن فلا.

يمكن للأحزاب أن تشترى! أما الوطن فلا..

3 - التشكيك في الوحدة الوطنية

الربط الذي قامت عليه الفكرة الوطنية منذ منتصف الألفية الثانية، قائم على فكرة الوطن والديموقراطية: لا يوجدان في الصداقة المغربية إلا مقرونين بعضهما ببعض.. لهذا عندما تضعف الديموقراطية، يضعف الشعور بالانتماء ويتقوقع المغرب في مخاوف بلا ينابيع!

ليس الانفصال التهديد المباشر للأوطان، بل يكون أحيانا الموقف الرخو منه هو الفهم الملتبس لتقدم الفكرة الانفصالية باعتبارها تهديدا للوطن.

لقد كان الزعيم جان جوريس يردد بأن «حيثما كانت هناك أوطان، أي مجموعات تاريخية تعي استمراريتها وحريتها، يكون المس بحرية هذه الأوطان ووحدتها مسا بالحضارة، وسقوط في الوحشية».

جان جوريس الاشتراكي لا يمكن أن نسميه بالشوفيني، لكنه رجل اللسان، كان يدرك أن مسعى المس بالحرية (باسم الحزبية الضيقة) والمس بالوحدة (باسم الانفصال أو التنكر للوطن) مسعيان متقاربان يهددان السلامة الوطنية.

4 - النبوة الغريبة

لا أحد نبي في بلاده: والبلاد التي تحتقر، كما يقول القديس متي، مواطنيها، لن تكون بلادا تستحق الاحترام، ثم لا تصمد في وجه من لا يحبونها، سواء من أبنائها أو من غيرهم..

والمواطن الذي يتم إخراجه من حقل السياسة العمومية يفرض عليه، بكل ما أوتي من حب للوطن وتعلق به، أن يكون بلا وطن.

الذي لا يستطيع أن يهمس لحظة موته: أيها الوطن العزيز، أنا أموت من أجلك، والحياة التي وهبتني ها أنا أعيدها إليك الآن! لا يمكن أن يشعر بهذا الاعتزاز، في أرض مفتوحة على الإلغاء والعزلة .. وسيادة القيم الغارقة في الأنانية..

5 - السياسة الخريفية

ما يتهدد الوطن هو أن تصبح نخبه.. بدون مضمون وطني، وبدون اعتزاز بالانتماء إلى التراث الوطني، وبدون شعور بأن الحياة الوطنية هي أيضا صناعة المعقول والجدية، والتفاني وسيادة قيم الارتقاء الأخلاقي: فهل شاهدتهم أوطانا تبنى فقط بالاستراتيجيات الفردية، وبالقيم الانتهازية والنزعات الطائفية؟

لا أوطان بدون حب يرضع من ثدي الأم، وقيم ترضع من المدرسة الوطنية وقيمها، ولا ميثاق وطني يمكن أن ينجح إذا لم تنجح السياسة في أن تزهر ألف وردة ...