أصحاب المباني التاريخية في البيضاء يلجؤون إلى القضاء لتحرير عقاراتهم من التصنيف المشؤوم

أصحاب المباني التاريخية في البيضاء يلجؤون إلى القضاء لتحرير عقاراتهم من التصنيف المشؤوم نجاح حماية التراث المعماري يعتمد على تعاون الجميع
بدأت معاناة محمد، أحد ورثة فيللا تقع بدرب غلف بالدار البيضاء، عندما قرر الورثة جميعا بيع الفيلا، التي تتجاوز مساحتها 400 متر مربع، لأحد المنعشين العقاريين بهدف هدمها وتشييد عمارة مكانها. كانت فرحة الورثة كبيرة، خاصة بعد أن قدّم لهم المنعش العقاري عرضاً مغرياً.
 
بالنسبة لمحمد وباقي الورثة، كان بيع فيلا العائلة بمثابة طوق نجاة يمنحهم فرصًا جديدة للعيش. لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، إذ بدأت معاناتهم عندما اكتشفوا أن الفيلا مصنفة ضمن المباني التاريخية التي يُحظر هدمها أو تغيير شكلها.
 
طرق محمد جميع الأبواب، من الوكالة الحضرية إلى وزارة الثقافة وجماعة الدار البيضاء ومقاطعة المعاريف، إلا أن أحداً لم يستجب لطلبه. إذ أشهرت كل الجهات وثيقة تصميم التهيئة التي صنفت العقار ضمن العقارات التاريخية. بل عندما عرض على الوكالة الحضرية شراء العقار واستغلاله كتراث ثقافي، لم يتلق أي تجاوب.
 
ومع ذلك، يعتزم محمد خوض معركة قانونية طويلة لتحرير عقاره من لائحة المباني التاريخية. ذلك أنه رغم ضيق الحال، فإنه يثق بالقضاء المغربي لتحقيق العدالة وتحرير عقاره، مما سيمكنه من بيعه والاستفادة من ثمنه لرسم مستقبل أفضل لأبنائه، حسب قوله.
 
حالة محمد ليست الوحيدة، فهي واحدة من عشرات الحالات في الدار البيضاء التي وقع أصحابها في فخ "المباني التاريخية". ذلك غن بعض المنعشين العقاريين استثمروا مبالغ طائلة في شراء هذه العقارات، لكنهم لم يتمكنوا من استغلالها. كما أن بعض الورثة، الذين ورثوا عقارات على شكل فيلات أو عمارات، اكتشفوا عند محاولة بيعها أن العقار مصنف ضمن المباني التاريخية التي لا يجوز هدمها.
 
في تصريح سابق لـ"أنفاس بريس"، انتقد عمر الفرخاني، الرئيس السابق لهيئة المهندسين المعماريين بالمغرب، غياب رؤية استراتيجية واضحة لدى الجهات المسؤولة في التعامل مع التراث المعماري. وأكد أن الحكومة المغربية لا تولي الاهتمام الكافي للحفاظ على هذه المباني، مقارنةً بدول مثل فرنسا التي تخصص موارد كبيرة لترميمها وصيانتها.
 
وأشار المهتمون بالمباني المصنفة ضمن التراث الثقافي إلى أن التمويل هو أحد أكبر التحديات التي تواجه الحفاظ على التراث المعماري. فوزارة الثقافة استثمرت 428 مليون درهم فقط خلال 12 عاماً لتمويل 156 مشروعاً، وهو مبلغ غير كافٍ بالنظر إلى العدد الكبير من المباني التي تحتاج إلى ترميم وصيانة.
ويقدر الفرخاني أن تكلفة ترميم جميع المباني التاريخية المسجلة في الدار البيضاء وحدها تتجاوز 812 مليار سنتيم، وهو مبلغ يفوق بكثير الإمكانيات المالية المتاحة.
 
ويرى المتحدث أن الحلول متاحة إذا تم تبني استراتيجية شاملة ومرنة. تتضمن تحديد عدد المباني التي يجب الحفاظ عليها بناءً على الموارد المتاحة، وتوظيف التكنولوجيا والرقمنة لتوثيق المباني التي لا يمكن الحفاظ عليها مادياً، إضافة إلى تشجيع النقاش العام وتوعية المجتمع بأهمية الحفاظ على التراث.
 
بمعنى آخر، فإن نجاح حماية التراث المعماري يعتمد على تعاون الجميع، من مواطنين ومسؤولين ومستثمرين. كما يتطلب وضع معايير صارمة وواضحة لحماية المباني التاريخية وتحقيق التوازن بين الحفاظ على التراث والتنمية العمرانية، مع الحفاظ على حقوق ذوي الملكيات.