موسى مريد: تغول الفساد وتراجع المكتسبات الدستورية تهدد مستقبل المغرب

موسى مريد: تغول الفساد وتراجع المكتسبات الدستورية تهدد مستقبل المغرب موسى مريد، عضو اللجنة الإدارية للهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية
في ظل الجدل الواسع حول التعديلات المقترحة على القانون الجنائي في المغرب، وخاصة المادة 3 التي تمنع جمعيات المجتمع المدني من الترافع ضد الاختلاس والفساد، يعبر موسى مريد، عضو اللجنة الإدارية للهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية، عن رفضه الشديد لهذه التعديلات، مؤكداً أنها تمثل تراجعاً خطيراً عن مكتسبات دستور 2011. في هذا الحوار، يسلط مريد الضوء على الأبعاد السلبية لهذه التعديلات، محذراً من تأثيرها على الجهود المبذولة في مكافحة الفساد وضمان الشفافية.
 
ما هي أبعاد تغيير القانون الجنائي ومنع جمعيات المجتمع المدني من الترافع ضد الاختلاس والفساد ومتابعة وتحريك الدعاوى ضد المبذرين ومختلسي المال العام؟
- بالنسبة لنا في الهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب، نؤكد بشكل واضح رفضنا للتعديلات المقترحة على القانون الجنائي التي قدمها وزير العدل، وخاصة المادة 3 التي تمنع عملياً المجتمع المدني، وتحديداً الجمعيات النشطة في مجال حماية المال العام، من حقها في الترافع ومتابعة كل مسؤول متورط في تبديد واختلاس الأموال العامة.
 
الأمر يثير الاستغراب؛ كيف يمكن لوزير العدل اتخاذ مثل هذا القرار، وتوافق عليه حكومة أخنوش، في وقت تعج فيه الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي بفضائح النهب والاختلاس؟ وفي الوقت الذي عبر فيه المغاربة عن ارتياحهم لكل الخطوات التي اتخذتها المؤسسات المختصة، بالتعاون مع الجمعيات الجادة، كل حسب اختصاصه، لردع ومحاسبة ناهبي المال العام. كيف يمكن أن يحدث ذلك بينما يتم متابعة العديد من المسؤولين والمنتخبين بتهم تتعلق بنهب المال العام؟
 
يبدو أننا أمام وزير وحكومة خارج الزمن والسياق السياسي الدولي والوطني؛ فعلى الصعيد الدولي، لم يراعِ الوزير وهبي خطورة الترتيب المتأخر للمغرب في مؤشر الفساد، ولا دعوات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية للشفافية، التي تعتبر الفساد آفة خطيرة تهدد أمن واستقرار وتنمية البلدان. وعلى الصعيد الوطني، كان من المفترض أن يتقيد الوزير وهبي ومعه رئيس الحكومة بالتعليمات والخطب الملكية التي أكدت مراراً على ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة، ودعت المسؤولين والإدارات العمومية إلى التحلي بالجدية والقيم الوطنية والشفافية، ومحاسبة كل من ثبت تورطه في الفساد.
 
بالنظر إلى كل ما سبق، يضاف إليه قرار الحكومة الحالية بالتراجع عن سن قانون الإثراء غير المشروع، فإن كل متتبع نبيه سيلاحظ أن هذه القرارات التراجعية الخطيرة لا يمكن أن تصدر عن رجال دولة، بل عن زعماء لوبيات مصالح، أنهكتهم فضائح الفساد التي تورط فيها الكثير ممن يشاركونهم نفس المصالح والانتماء الحزبي.
 
هل تتفق مع من يقول إن المادة 3 من قانون المسطرة الجنائية هي تراجع عن مكتسبات دستور 2011؟
- هذا صحيح. بل أؤكد أيضاً أن إصرار وزير العدل على حرمان الهيئات الحقوقية المعنية بحماية المال العام من القيام بواجبها في متابعة المفسدين يُعتبر تراجعاً خطيراً ومرحلة نكوص أليمة لا يستحقها مغرب اليوم. هذا التراجع يمثل خطوة إلى الوراء عن مكتسبات أقرها دستور البلاد، الذي خصص فصولاً للمجتمع المدني وأدواره كشريك وقوة اقتراح وتقييم للسياسات العمومية. 
 
نتوجه هنا إلى الملك، باعتباره حامي الدستور والحقوق، للتدخل لإلغاء هذا التشريع غير الدستوري. كما ندعو المؤسسات المعنية بحماية المكتسبات الحقوقية من أحزاب ونقابات وجمعيات حقوقية وهيئات وطنية مناضلة، وكل الشرفاء في هذا الوطن، إلى النضال المشروع لإسقاط هذه التعديلات النكوصية التي تضرب في الصميم الحق في اللجوء إلى مؤسسة القضاء، وهو حق دستوري.

في الحكومات السابقة، خاصة حكومة بنكيران، تم إشهار "عفا الله عما سلف"، وفي حكومة أخنوش ووهبي تم إشهار ورقة "لا لتحريك المتابعات من طرف المجتمع المدني". هل قدر المغرب أن يظل مرتعاً للفساد والمفسدين؟
- أمام بؤس المشهد الحزبي، نعتبر أن جزءاً كبيراً من مشكلة المغرب يكمن في نخبه السياسية المعطوبة. عندما يصرح بنكيران، وهو في منصب رئيس الحكومة آنذاك، أمام المغاربة ويقول للمفسدين والناهبين: "عفى الله عما سلف!" فهذه مصيبة عظمى. وعندما تأتي حكومة أخنوش ومعها الوزير وهبي لتجميد قانون الإثراء غير المشروع، ولمنع الجمعيات من حقها في متابعة لصوص المال العام، فتلك هي الطامة الكبرى.
 
تغول المفسدين وتسربهم إلى مناصب عليا داخل مؤسسات الدولة خطير جداً، لكنه ليس قدراً محتوماً ولا داء عضالاً لا شفاء منه. بل هو نتاج تاريخ طويل من إفساد المشهد السياسي وتلويثه، وتزوير الانتخابات، وغياب المحاسبة، ووأد الديمقراطية داخل المؤسسات الحزبية. 

الإرادة السياسية الصادقة، وإعادة هيكلة المشهد السياسي، ودمقرطة الأحزاب، وشفافية الانتخابات، وتضافر جهود الشرفاء والمخلصين للوطن، والتطبيق الصارم للقوانين، وزجر المفسدين، وحماية المبلغين عن الفساد، وتطبيق قواعد الشفافية والحق في المعلومة، وتعبئة المجتمع ضد آفة الفساد، ودعم الإعلام الجاد؛ كلها وصفات كفيلة بردع لصوص المال العام، وتطهير المؤسسات من لوبياتهم الخطيرة، وتحصين الوطن وتنميته.