محمد اصريدي: السياحة بالمغرب... ماذا لو؟

محمد اصريدي: السياحة بالمغرب... ماذا لو؟ محمد اصريدي

أفرجت حديثا مديرية الدراسات والتوقعات المالية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية عن حصيلة الحركية السياحية بالمغرب، مشيرة إلى تحقيق رقم قياسي بتوافد حوالي عشرة ملايين سائح لبلادنا إلى حدود شهر يوليوز الماضي...وقد تناولت الموضوع وهي مشكورة على ذلك بالتحليل والأرقام...

 

وهو الأمر الذي يشرح القلوب ويبعث على الفخر والاعتزاز لنا كمغاربة متطلعين لرؤية بلدنا كمنارة سياحية في العالم...لكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة أمام هذا الزخم الإعلامي الذي تناول هذه المعطيات والأرقام بنوع من الإشادة وأحيانا المبالغة في التنويه، هو: ماذا لو؟ نعم، ماذا لو قام الوصيون على هذا القطاع بالأدوار المنوطة بهم بدءا بوزارة فاطمة الزهراء عمور المسؤولة الأولى على هذا القطاع الحيوي الذي يعد شريانا مهما من شرايين الاقتصاد المغربي؟

 

إن المغرب وهو يعرف ثورة مباركة على جميع المستويات والأصعدة بقيادة جلالة الملك محمد السادس، استعدادا لتطوير البلاد وبالتالي النهوض بأوضاع شعب يتوق للعيش الكريم والعدالة الاجتماعية من جهة، واستعدادا أيضا للتظاهرات الكبرى التي أبى المغرب إلا أن ينخرط فيها بروح من التحدي والمثابرة، وعلى رأسها تنظيم كأس العالم 2030 بمعية اسبانيا والبرتغال...إن هذا المغرب الذي وضع قاطرته على سكة التحدي مطالب بلا محالة من تقويم مؤسساته وتقويتها وذلك عبر تنصيب ذوي الكفاءات والهمم وإخضاعهم للرقابة والمحاسبة ومحاربة الزبونية والرشوة والفساد الإداري بصفة عامة...

 

ومادام موضوعنا اليوم هو هاته المعطيات والأرقام التي خرجت بها مندوبية الدراسات والتوقعات المالية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، فإن هاته الأرقام تقودنا للجواب عن السؤال آنف الذكر، وهو: ماذا لو؟ نعم ماذا لو وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني قامت بتنسيق مع مختلف الوزارات لضبط إيقاع الحركية السياحية ببلادنا وترشيدها على النحو الأقوم وتدبير شؤونها بحكامة وصرامة وتجنيب هذا القطاع من جميع السلوكيات والانحرافات التي تخدش بسمعته، بل وتخدش بسمعة المغرب كبلد عريق وبشعبه كأمة عظيمة وغنية بوطنيتها وقيمها وتراثها...

 

سلوكيات مشينة ومؤثرة على قطاع السياحة تستدعي تدخل عاجل من الوزارة الوصية ومختلف القطاعات المعنية رأيتها رأي عين، وأحيانا عشت بعض أحداثها خلال هاته المدة الزمنية التي أشادت بفاعليتها وأرقامها القياسية المندوبية سالفة الذكر .

 

أجل شاءت الأقدار أن قضيت ليلتين بمدينة مراكش الحمراء، إحداهما منتصف شهر دجنبر من السنة الفارطة والثانية مطلع شهر غشت من هذه السنة وفي كلتا الليلتين عشت وعايشت ما من شأنه أن يفرمل الحركة السياحية ببلادنا...ففي الزيارة الأولى زرت بعض المعالم التاريخية كقصر البديع وقصر الباهية ولاحظت اختلافا في تسعيرة الدخول بين المغاربة والأجانب وهو أمر مذموم لا يستقيم بحكم أننا كجالية مغربية نستفيد من معالمهم التاريخية على قدر المساواة في واجب الدخول.

 

أما ساحة جامع الفنا فمعظم أصحاب المطاعم الميدانية فيكادون يلزمون المارة سواء كانوا مغاربة أو سياح على دخول مطاعمهم، وهذا أمر خطير فيه نوع من تعنيف الزوار...أما الأثمنة فتكاد تكون سوطا آخر على جيوب داخلي هذه المطاعم. أما الزيارة الأخيرة في مطلع شهر غشت الماضي فالكارثة أعظم. ذلك أنني قبل ذهابي للمغرب التجأت لموقع "بوكينج كوم" قصد حجز شقة مفروشة لليلة واحدة تكون بمواصفات عائلية ومجهزة بمسبح يلبي راحة الأطفال، وبينما أنا أتصفح العروض المعروضة في هذا الموقع ذي الصيت العالمي وقع اختياري على شقة جميلة جدا بها مسبح جميل ومتواجد بحي جليز بعمارة مقامة لهذا الغرض تحت اسم "مراكش فلات Marrakech flats " فلما كان اليوم الموعود، حيث حللنا بمكان الحجز، وجدنا واقعا آخر صادما: فالعمارة والشقة والمسبح لا علاقة لهم بما رأته العين ووقع عليه الاختيار يوم الحجز ، والسلاليم معطلة أضواؤها ومتسخة إلى حد الاشمئزاز، أما الشقة فتكاد السلاليم تكون انظف منها ، أما ما يسمى بالمسبح وهو موجود على سطح العمارة فيكاد يصلح لشرب البعير...لهذا قمت لحظتها بحذف الحجز والبحث عن حجز آخر حيث تمت الأمور بسلاسة كبرى، وبعدها توجهنا لساحة جامع الفنا حيث مكثنا هناك إلى حدود الساعة الواحدة صباحا، وفي طريق عودتنا لمكان ركن السيارة أثار انتباهنا سارقان بدراجة نارية يجهزان على هاتفي شابين دفعة واحدة باحترافية عالية...والضحيتان من مدينة الرباط وهما في سن العشرينيات، والسؤال ماذا لو كانا أجنبيان، هل سيعودان للمغرب من جديد، بل ماذا سيحكيان لأبناء جلدتهما..؟ فهل بهذه الطريقة سنسوق لبلادنا كمنارة سياحية؟ وهل بهكذا انفلاتات سنستقبل ضيوف كأس العالم؟ وهل بهكذا غياب رقابة على المنتوج السياحي، وهذا التعنيف من أصحاب المطاعم وهذا الانفلات الأمني أحيانا سنضاعف العشرة ملايين لعشرين فثلاثين فأكثر في السنوات القادمة...؟؟؟

 

أسئلة أترك إجابتها لكل المسؤولين والقيمين على هذا القطاع الحيوي الذي تستفيد من عملته الدولة والشعب على حد سواء...راجيا ان تتحسن الأحوال في بلد كبير كالمغرب الذي عرف كونه بلد التعايش والحب والكرم.