عبد الحق غريب: كيف خُلِقت الجبال ؟

عبد الحق غريب: كيف خُلِقت الجبال ؟ عبد الحق غريب
عندما ينظر الناس إلى الجبال ويتأملون في عظمتها فإن أغلبيتهم تستحضر الآية الكريمة التي يقول فيها الله عز وجل : "أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ"... الأغلبية تردد سبحانك يا عظيم، أنت الذي على كل شيء قدير.
 
بدوري أستحضر هذه الآية الكريمة، وأردد سبحانك يا عظيم، أنت الذي على كل شيء قدير كلما تأملت في الجبال...
 
غير أنني لا أقف عند هذا الحد بحكم تكويني وتخصصي العلمي... فعندما اتأمل في الجبال، أعرف أنها لم تتشكل بين عشية وضحاها، بل تشكلت عبر ملايين السنين... وأعرف متى وكيف تكونت وما هي مراحل نشاتها وكم دامت مدة كل مرحلة، وأعرف ان ارتفاعها عن سطح الأرض مرتبط بتحرك القشرة الأرضية (تكتونية الصفائح)، وان هذه الجبال جاءت نتيجة تحركات أرضية تسببت في ضغط هائل وشديد أدى إلى ارتفاع الطبقات الرسوبية وطيّها وتصدعها.. واعرف كذلك أن هذه الجبال التي أراها ستزول وتختفي خلال مدة زمنية معينة بسبب عوامل التعرية، كما اختفت قبلها العديد من الجبال، عبر الزمن الجيولوجي.
 
جبال الاطلس وجبال الريف بالمغرب وجبال الهيمالايا بآسيا وجبال الألب بأوروبا وجبال الأنديز بأمريكا الجنوبية وجبال أخرى تعتبر حديثة العهد، بالقياس الجيولوجي، مقارنة مع جبال اخرى تكونت قديما واختفت، نذكر على سبيل المثال سلسلة الجبال الهرسينية وسلسلة الجبال الكاليدونية.
 
الجبال الحديثة، المشار إليها أعلاه، تنتمي إلى ما يسمى بالدورة الألبينية (cycle Alpin).. هذه الدورة بدأت قبل حوالي 240 مليون سنة ولا زالت مستمرة... ويمكن تقسيم الدورة الألبينية، بشكل عام وجد مُبَسّط، إلى ثلاثة مراحل : مرحلة نشأة الأحواض الرسوبية (نشأة البحار) نتيجة ظهور فيالق وتباعد الصفائح، ومرحلة ملئ الأحواض بالطبقات الرسوبية، ثم مرحلة ارتفاع الطبقات وطيّها نتيجة ضغط تقارب الصفائح... كل مرحلة تتطور ببطئ شديد وتدوم ملايين من السنين.
 
ماذا يعني هذا ؟
هذا يعني أن جبال الأطلس بالمغرب والهيمالايا بآسيا والألب بأوروبا والأنديز بأمريكا والجبال الأخرى بمختلف بقاع العالم لم يكن لها اي وجود على الارض قبل بداية الدورة الألبينية، أي قبل حوالي 240 مليون سنة.. هذه الجبال نشأت وارتفعت بشكل تدريجي وبطيء عبر ملايين السنين نتيجة تحرك الصفائح التكتونية... وقبل بداية الدورة الألبينية (أي قبل حوالي 240 مليون سنة)، كانت على وجه الكرة الأرضية جبال أخرى عالية تنتمي إلى الدورة الهيرسينية (من حوالي 400 إلى 240 مليون سنة). هذه الجبال القديمة بعد تكونها، تعرضت لعوامل التعرية واختفت، كليا أو جزئيا، من فوق الأرض. في المغرب توجد بقايا هذه الجبال الهيرسينية غير بعيد عن جبال الأطلس في منطقة الجبيلات والرحامنة بنواحي مراكش، وهي عبارة عن هضبات قليلة الارتفاع تحتوي على صخور قديمة ومشوهة.
 
بالنسبة لجبال الأطلس بالمغرب، فإن المكان الذي توجد فيه الآن هذه المرتفعات، من أكادير إلى شمال شرق المغرب، كان عبارة عن حوض رسوبي (bassin sédimentaire)، أي عبارة عن بحر، بدا يتشكل مع بداية الدورة الألبينية، نتيجة عملية تباعد الصفائح، ابتداء من حوالي 240 مليون سنة، ثم عرف هذا الحوض الرسوبي عملية ترسب الطبقات الصخرية.. بعد ذلك، ونتيجة لتحركات أرضية كبيرة (عملية تقارب الصفائح)، تعرضت الطبقات الرسوبية إلى ضغط هائل أدى إلى ارتفاعها وطيّها وتصدّعها، بشكل تدريجي وبطيء عبر ملايين السنين إلى ان ارتفعت وأعطت هذه الجبال التي نراها الآن على طول سلسلة الأطلس... فيما يخص عملية الضغط الهائل (la compression) التي أدت إلى ارتفاع جبال الأطلس، فإن أوج هذا الضغط (le pic) وقع في حقبة الباليوجين، أي قبل حوالي بضع عشرات من ملايين السنين، وهي لازالت مستمرة.
 
في الأخير، لا بُدّ من الإشارة إلى ملاحظتين :
الملاحظة الأولى هي أن هذه المقالة موجهة أساسا لعموم الناس وليس لذوي الاختصاص.. ومن هنا تأتي صعوبة الكتابة، لان تناول الموضوع بشكل علمي وبالتفصيل لن يسمح لعموم الناس قراءة المقالة وفهم الموضوع، لذلك كان لا بد من تبسيط الموضوع وعدم الدخول في التفاصيل رغم اهميتها... لم اتكلم عن أنواع الجبال (الجبال البركانية...) وانواع الأحواض الرسوبية وأنواع الفوالق والنشاط البركاني الذي يصاحب تكتونية الصفائح وما إلى ذلك.
 
الملاحظة الثانية، مفادها أن كل الظواهر الطبيعة (الزلازل، تسونامي، البراكين...) ونشاة الحياة والكون لها تفسير علمي... وما يعجز العلم عن تفسيره الآن، لا بد ان ياتي اليوم الذي يستطيع فيه الانسان ان يجد تفسيرا علميا لذلك، لأن ما نعرفه اليوم حول الظواهر الطبيعية ونشاة الحياة والكون لم يكن متاحا في الماضي... الانسان العاقل مع بداية ظهوره لم يكن يعرف أي شيء عن الطبيعة والكون... ومع مرور الزمن، بدأ تدريجيا يفهم محيطه واستطاع ان يفسر العديد من الظواهر الطببعية بفضل تقدم وتطور العلم.. مع الأخذ بعين الاعتبار أن التقدم والتطور العلمي لا يمكن لأي أحد ان يتكهن إلى أين يسير وإلى أي حد يمكنه ان يصل، خاصة مع طفرة الذكاء الاصطناعي.