معضلة أخلاقية وصدفة غريبة: وزيرتان من بلدنا تتفقان، دون أدنى تردد، على تحويل المغرب إلى "مطرح" حقيقي للنفايات السامة، التي تريد بعض الدول الأوروبية التخلص منها مقابل مبالغ مالية..المال من أجل راحة ضميرهم.
ما هي الحكاية؟
في رد مكتوب موجه إلى البرلمان، أعلنت الوزيرة ليلى بن علي، المسؤولة عن التحول في مجال الطاقة والتنمية المستدامة، أن "بلدنا المسكين" سيستورد قريبا أكثر من مليوني طن، في الواقع 2.2 مليون طن من الازبال المنزلية والإطارات المطاطية من خمس دول أوروبية، بما في ذلك جيراننا في منطقة البحر الأبيض المتوسط، إسبانيا وفرنسا.
وفقًا لمصادر زملائي الذين يغطون أنشطة الدورة البرلمانية بانتظام، بما في ذلك خلال فترة الصيف هذه عندما يكون غالبية النواب في إجازة (لا توجد جلسات عامة بالطبع في شهر غشت)، كانت السيدة الوزيرة "المحترمة" سعيدة جدًا بتقديم ما وصفته انه مشروع طاقي مهم، قالت بصدده إن بريطانيا العظمى تكرمت بلطف وطيبوبة، وقررت مدنا بمليون طن من نفاياتها التي يحظر التشريع المحلي الصارم تدميرها على أراضي صاحبة الجلالة البريطانية.
إلا أن هذا "التشريع البريطاني" نفسه يغض الطرف عن تصدير هذه النفايات السامة إلى الخارج، وخاصة إلى أفريقيا التي تعتبر "قارة مزبلة" في نظرهم حيث لا يهتم بها أحد سوى حينما يتعلق الأمر باستغلال ثرواتها المعدنية واليد العاملة الرخيصة فيها.
ووفقا لتقارير منظمة السلام الأخضر Green Peace تتلقى غانا ونيجيريا وكينيا والسنغال آلاف الأطنان من النفايات الإلكترونية والبلاستيكية من بريطانيا كل عام.
ويبدو أن التشريعات في هذه البلدان لا تزال "متساهلة"، على مايبدو، القضايا المتعلقة بالبيئية حتى لا نقول إن "الفساد" لعب دوراً ما في غض الطرف عن استراد أزبال أوروبا.
وقبل العودة إلى المشاكل البيئية التي تواجه بلدنا الجميل والذي سبق ان أقام الدنيا ولم يقعدها لعقد المؤتمر العالمي COP22 بمراكش سنة 2016, تخطط النرويج لمنحنا "هدية ثمينة" بدورها تتمثل في 100 ألف طن من النفايات السامة التي سنحرقها في محطاتنا ومصانع الأسمنت من أجل "إنتاج طاقة رخيصة"، كما يقول البعض.
وفي الواقع، ماذا يقول التشريع النرويجي عن "واجب الرعاية" فيما يتعلق بالنفايات السامة؟ يلزم القانون الشركات الصناعية "بضمان احترام حقوق الإنسان والبيئة" في جميع أنحاء سلسلة الإنتاج والتوريد الخاصة بها. تجدر الإشارة إلى أن النرويج تتبع المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OCDE لإدارة المواد السامة لحماية الصحة العامة لمواطنيها ذوي العيون الزرقاء.
لاحظوا بشكل عابر أنه في عام 2024، استورد المغرب بالفعل 1.2 مليون طن من النفايات من الدول الأوروبية، بموافقة ممثلي الشعب المنتخبين، في غالب الأحيان ... علاوة على ذلك، فقد دق خبراء البنك الدولي بالفعل ناقوس الخطر بشأن "التحديات" هنا في المغرب والمرتبطة بإدارة النفايات السامة التي لها آثار سلبية كبيرة على الصحة العامة والبيئة.
من جهة أخرى، يواجه المغرب مشكلة النفايات الصناعية: 1.6 مليون طن من النفايات الصناعية سنويا، بما في ذلك حوالي 300 ألف طن من النفايات الخطرة. ويمكن أن تحتوي هذه النفايات على مواد كيميائية سامة وتشكل "خطر تلوث التربة والمياه"، بحسب هؤلاء الخبراء أنفسهم، دون الإشارة إلى خطورة النفايات الطبية.
ويجب أن ندرك أن الزمن قد تغير وأن دعاة حماية البيئة والمواطنين يشعرون بقلق متزايد وتخوف من إزاء التأثير البيئي والصحي لهذه النفايات المستوردة من أوروبا.
وإذا عدنا شيئاً ما إلى الوراء وبالضبط في سنة 2016، عهد وزيرة البيئة، حكيمة الحيطي، (سيدة أخرى أحدثت فضيحة وضجة إعلامية عالمية)، حيث تمكن مع حسن الحظ تحرك ويقظة المجتمع المدني من إفشال مشروع استيراد من إيطاليا نفايات صناعية قابلة للاحتراق التي اعتبرت “جد سامة". وبعد الأخذ والرد تم الكشف عن خلفية المشروع واضح آنذاك بأن القضية تتعلق بـ : business قدرت قيمته في ذلك الوقت بـ 118 مليون يورو.
لقد وضعت السلطات العامة في المغرب عدة قوانين واستراتيجيات لإدارة النفايات وحماية البيئة، مثل: الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة (قانون رقم 12-99) القانون المتعلق بإدارة النفايات والقضاء عليها (القانون رقم 00-28) اتفاقية Bâle بشأن مراقبة نقل النفايات الخطرة عبر الحدود، صادق عليها المغرب سنة 1995.
باختصار، السؤال الذي يطرح نفسه الآن وبحدة: ما فائدة هذه القوانين وهذه الالتزامات الدولية للمغرب، إذا كانت صحة مواطنيه في خطر؟
علي بوزردة، مدير موقع "article 19"