كانت البداية الأولى للمهزلة التي شهدها العالم من داخل قاعة المؤتمرات باليابان، حيث انعقد اجتماع الخبراء التمهيدي، الذي يسبق مؤتمر الوزراء، فيما يسمى بلقاء "تيكاد" للتعاون الياباني الإفريقي...
كنت أقول، كانت البدايات الأولى للمهزلة إياها بصدور قرار اجتماع غانا الأخير، الذي أعلن الاتحاد الإفريقي من خلاله عن رفضه حضور "جمهورية الوهم الجزائري" لأي مؤتمر أو منتدى يعقده الاتحاد بمعية شركائه من الدول الكبرى، في إطار التعاون شمال جنوب، واضعاً بذلك شرطاً تعجيزياً لن تستطيع، لا الجزائر ولا لقيطتها الوهمية، أن تتخطاه او تستوفيه، ألا وهو التمتع باعتراف وبالتالي بعضوية منظمة الأمم المتحدة.
كانت الضربة قاضية، لأنها جرّدت الجزائر من ذريعة "العضو المؤسس للاتحاد الإفريقي"، التي داومت على إلباسها لجمهوريتها الوهمية، وعلى الاستناد إليها في اصطحابها لقيادات البوليساريو لحضور منتديات دولية وعالمية غير قليلة، وبذلك أيضاً، حرم الاتحاد الإفريقي نفسه، هو الآخر، من الاتّكاء على نفس الذريعة لتخصيص مقعد لميليشيا "الجزائر الجنوبية" في تلك المنتديات.
بعد صدور ذلك القرار الإفريقي، الحكيم بلا ريب، والمشروع من وجهة نظر القانون الدولي واللوائح الأممية المتواضَع عليها دولياً، لم يعد أمام الجزائر سوى انتظار طرد جمهوريتها الفضائية من الاتحاد الإفريقي، وهو الإجراء الذي صار مسألةَ وقت لا غير، لأن الدبلوماسيا المغربية الحكيمة لم تلجأ إلى الدفع لتمرير ذلك القرار ووضعه قيد التطبيق المعجّل إلا كخطوة لها ما بعدها، بكل تأكيد، وهو إدخال التعديل اللازم والضروري على ميثاق الاتحاد الإفريقي، بما يجعل هذا الاتحاد يتصالح مع ذاته، ويعمم تفعيل القرار ذاته داخل دواليبه وهيئاته، وذلك باشتراط التمتع بعضوية الأمم المتحدة لأي كيان راغب في الانضمام إلى الاتحاد، أو في البقاء داخل دائرته كعضو فعال.
ولأن أحفاد الإخوة بارباروس، الذين اشتهروا على امتداد تاريخ المغرب الأوسط بقرصناتهم الغادرة والدنيئة، لم يجدوا امامهم ما يواجهون به القرار الإفريقي الذي نحن بصدده، فإنهم لم يجدوا أدنى حرج في إحياء ممارسات أسلافهم اللصوص، فتوجهوا إلى المنتدى الياباني الإفريقي حاملين داخل وفدهم لجملة من الشماكرية الصحراويين، وداخل إحدى محفظاتهم للوحة كرتونية كتبت عليها بالإنجليزية عبارة "الجمهورية الصحراوية"... ثم كان ما كان من تلك المهزلة العالمية، التي أحرجت في آن واحد دولة اليابان الداعمة للمقترح المغربي للحكم الذاتي، والإدارة المنظمة للمنتدى، والاتحاد الإفريقي ذاته، والذي يبدو أن عليه أن يتخذ ما يتطلبه الأمر من تدابير ردعية حتى لا تظل هذه المهزلة تتكرر، مع اليابان، أو غيرها من شركاء إفريقيا الأكابر، ولا ريب أننا ما زلنا نذكر الفضيحة ذاتها، والتي عرفها المنتدى ذاته في دورته السابقة بتونس، فكانت إيذاناً بتحول "تونس قيس سعيّد" إلى ولاية جزائرية بكل المعايير!!
لقد كانت فضيحة مدوّية، ومن المنتظر أن يكون لها ما بعدها على أصعدة أربعة على الأقل:
1- صعيد اليابان، الذي عليه أن يتخذ ما يراه مناسباً للحيولة دون تكرار نفس الفضيحة، خاصة أنه تضرر من جرائها مرتين متتاليتين، وقد بدا أنه لم يكن صارما بما فيه الكفاية ولذلك جاء هذا التكرار مع نفس الشريك؛
2- صعيد الاتحاد الإفريقي، الذي ينبغي عليه أن يكُفّ عن سياسة المحاباة والتماهي التي ما فتئ يمارسها تجاء جزائر لا تعرف معنى الحياء ولا الضمير ولا الذمة؛
3- صعيد الدول الكبرى الأخرى، التي تربطها بإفريقيا نفس أواصر التعاون الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي وغيره... حتى لا تسقط هي الأخرى ضحية نفس السلوك الجزائري الأرعن؛
4- الصعيد المغربي، الذي ينبغي أن يسير المغرب فيه بالسرعة والحسم اللازميْن، وبالحمية الضرورية، باتجاه إنهاء وجود شيء اسمه "الجمهورية الصحراوية" داخل الاتحاد الإفريقي، وبذلك يتم وضع حد فارق وفاصل ببن ألاعيب عجزة الموراديا وبين اتحاد إفريقي ينبغي أن تكون هذه مناسبة وفرصة سانحة يتصالح فيها مع ذاته، فيَطرد ويُبعِد عنه أمثال هذه الطفيليات الوسخة، التي أنتجها أولئك العساكر العجزة...
نهايته، إن العبء يقع الآن على الدبلوماسيا المغربية، التي عليها أن تشتغل على الأصعدة الأربعة المذكورة برمتها، دون ترك أيٍّ منها للصدفة، لأن الصدفة في مثل هذه الأمور لن تولّد إلا مزيد من ذات الفضيحة وذات المهزلة!!!
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي