محمد السباعي: عود على بدئ.. مشروع زراعة القنب الهندي في الحاجة إلى المتابعة والتقييم

محمد السباعي: عود على بدئ.. مشروع زراعة القنب الهندي في الحاجة إلى المتابعة والتقييم محمد السباعي

من أهم الملاحظات المسجلة في إطار علاقة المتعاونين المزارعين للنبتة القنب الهندي مع حاملي رخصة تسويق القنب الهندي ومنتجاته على الأقل حسب علمنا بإقليم تاونات، هو إلزام الفلاحين المتعاونين على توقيع تعهد بالاعتراف بدين يتم استخلاصه بعد الحصول على المنتوج كاملا من هذه الشركات المتعهدة.

ومعلوم أن التعهدات أو الاعتراف بدين تمثل آلية قانونية يتم فيها إقرار الطرف المدين بوجود دين لصالح الدائن، وتتضمن عادةً تفاصيل حول مبلغ الدين وشروط السداد. في السياق المغربي، يمكن لهذه التعهدات أن تكون قانونية إذا تمت وفقًا لإطار من الشفافية والموافقة المتبادلة بين الأطراف المعنية. ومع ذلك، هناك عدة شروط وضوابط يجب مراعاتها لضمان قانونية وصحة هذه التعهدات.

أولاً، يجب أن يكون التعهد بدين ناتجًا عن اتفاق حر وإرادي بين الطرفين، دون أي ضغط أو إكراه. يحمي القانون المغربي الأطراف من أي التزامات تم فرضها تحت الإكراه أو الضغط، كما هو الحال في معظم الأنظمة القانونية.

ثانياً، يجب أن يتضمن التعهد بدين جميع التفاصيل المتعلقة بمبلغ الدين، شروط السداد، والفائدة إن وجدت، بحيث تكون هذه الشروط واضحة وشفافة للطرفين.

ثالثاً، لا يمكن أن يتضمن التعهد بدين شروطًا تتعارض مع القوانين المغربية. فعلى سبيل المثال، إذا كانت الشروط تتضمن فائدة مرتفعة بشكل غير قانوني أو فرضت بنودًا مجحفة بحق أحد الأطراف، فقد يعتبر هذا التعهد غير قانوني.

رابعاً، يجب أن يحافظ التعهد بدين على الحقوق الأساسية للطرف المدين، بما في ذلك الحق في التفاوض أو الاعتراض على مبلغ الدين أو شروط السداد. أي إخلال بهذه الحقوق قد يؤدي إلى اعتبار التعهد غير قانوني.

خامساً، من المستحسن أن يحصل الطرف المدين على استشارة قانونية قبل التوقيع على التعهد بدين، لضمان فهمه الكامل لجميع الالتزامات القانونية المترتبة عليه.

سادساً، في سياق التعاونيات، يجب أن يتوافق أي تعهد بدين مع الأنظمة الأساسية للتعاونية وأهدافها. ينبغي أن يتم استشارة أعضاء التعاونية، خاصةً في حالة الالتزامات المالية الكبيرة.

وأخيراً، في حال وجود أي شعور بأن التعهد بدين قد فرض بطرق غير قانونية أو تحت ضغوط غير مشروعة، يمكن للطرف المدين اللجوء إلى الجهات القانونية المختصة.

وفوق هذا وذاك، التعهدات بدين تتوافق مع القوانين الجاري بها العمل في المغرب إذا تمت في إطار قانوني سليم وبموافقة حرة من جميع الأطراف المعنية. يجب احترام الشروط القانونية وحماية حقوق الطرف المدين، وأي تجاوز لهذه المبادئ قد يعرض التعهد للطعن أمام القضاء.

إلا أنه، خلال هذه السنة، التي تعتبر التجربة الأولى لزراعة القنب الهندي في المغرب لأغراض طبية، صناعية وصيدلانية، واجه المزارعون المتعاونون تحديات ملحوظة. فقد تأخرت الشركات الحاصلة على رخصة تسويق القنب الهندي ومنتجاته في توفير البذور اللازمة للزراعة في الوقت المناسب كما حصل بجماعة بني وليد، إقليم تاونات. هذا التأخير من شأنه أن يؤثر سلبًا على جودة وحجم المحصول المرتقب، مما ينعكس بشكل مباشر على الوضعية المادية للمزارعين الذين يعتمدون على هذا المحصول كمصدر رئيسي للدخل.

يُعد هذا التأخير إخلالاً بإحدى بنود دفتر التحملات المتفق عليه بين المزارعين وهذه الشركات، حيث يُفترض أن يتم توفير البذور والأسمدة والتوجيه الزراعي في الأوقات المحددة لضمان نجاح العملية الزراعية. ورغم هذا الإخلال، تظل الشركات المتعهدة في وضعية تضمن لها استرجاع تكاليفها المتعلقة بتوفير البذور والأسمدة والخدمات الاستشارية، مما يثير تساؤلات حول عدالة هذه الترتيبات وضرورة مراجعتها لضمان حماية حقوق ومصالح المزارعين المتعاونين.

هذه الظروف تستدعي تدخلاً عاجلاً من الجهات المعنية لضمان التزام جميع الأطراف ببنود الاتفاقيات المبرمة، وتوفير الدعم اللازم للمزارعين لتجاوز التحديات المترتبة على هذه التأخيرات وضمان نجاح هذه التجربة الزراعية المهمة في المغرب.

لمعالجة الاختلالات التي تواجهها تعاونيات مزارعي القنب الهندي حديثة التأسيس، يجب الاستناد إلى قانون التعاونيات المغربي وتوجيه الجهود نحو عدة محاور أساسية لتحقيق الانسجام والفعالية في إدارة هذه التعاونيات.

أولاً، ينبغي التركيز على التوعية والتكوين. يعد تنظيم دورات تدريبية منتظمة للأعضاء حول أهمية التعاونيات، أدوارها، وواجبات الأعضاء أمرًا حيويًا. هذه الدورات يجب أن تتضمن توضيحًا شاملًا للقيم والمبادئ التعاونية، مع التأكيد على ضرورة احترام القوانين المنظمة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن إعداد كتيبات أو دلائل إرشادية توضح بالتفصيل جميع الشكليات المطلوبة لتأسيس التعاونيات، بدءًا من عقد الجمعية العمومية مرورًا بانتخاب الهياكل التسييرية وانتهاءً بتسجيل التعاونية.

ثانياً، يجب التأكيد على عقد الجمعيات العمومية بشكل صحيح، وفقاً لما ينص عليه القانون. هذا يتطلب الالتزام بالشكليات القانونية، مثل تحديد جدول الأعمال، إرسال الدعوات في الوقت المناسب، وضمان النصاب القانوني. كما يجب إعداد محاضر موثقة للاجتماعات لضمان الشفافية والمصداقية. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري توضيح حقوق الأعضاء، وتمكينهم من المشاركة الكاملة في الاجتماعات والتصويت على القرارات.

ثالثاً، يجب أن تكون إعداد وتوزيع النظام الأساسي للتعاونية أولوية. من المهم أن توفر التعاونية نسخًا من النظام الأساسي لكل عضو، حيث يجب أن يتضمن هذا النظام جميع التفاصيل المتعلقة بإدارة التعاونية، حقوق وواجبات الأعضاء، وطرق اتخاذ القرارات. وفي حالة وجود تناقضات أو عدم وضوح، يمكن تعديل النظام الأساسي من خلال جمعية عامة غير عادية، لضمان توافقه مع الأنشطة الحالية للتعاونية.

رابعاً، تعزيز المشاركة الديمقراطية داخل التعاونيات يعد ضرورة. ينبغي تشجيع الأعضاء على المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات، وضمان تمثيل جميع الفئات بشكل عادل داخل هياكل التعاونية. كما يجب تعزيز شفافية الإدارة من خلال نشر تقارير مالية وإدارية دورية، مع إتاحة الفرصة للأعضاء للاطلاع عليها.

خامساً، دعم التعاونيات قانونياً وإدارياً يشكل جزءًا لا يتجزأ من عملية التصحيح. يمكن الاستعانة بخبراء قانونيين لتقديم استشارات قانونية وضمان الامتثال الكامل لقانون التعاونيات. كما يجب التعاون مع مكاتب تنمية التعاون لضمان اتباع جميع الإجراءات القانونية في إنشاء الهياكل الإدارية والمالية، والتأكد من تسجيل التعاونية في السجل الوطني للتعاونيات وفقًا للمتطلبات القانونية.

وأخيراً، يعد التفتيش والرقابة من الخطوات الأساسية لضمان الالتزام بالقوانين. يجب إجراء عمليات تفتيش دورية من قبل الجهات المعنية للتأكد من أن التعاونيات تلتزم بالضوابط القانونية والإدارية. وفي حال اكتشاف أي مخالفات، ينبغي اتخاذ إجراءات تصحيحية سريعة مع تقديم الدعم اللازم لضمان عدم تكرارها.

محمد السباعي  ، دكتور في العلوم القانونية والسياسية، ناشط مدني