حسناء بيشرادن: مشاركة الأساتذة في عملية الإحصاء.. سجال وجدال

حسناء بيشرادن: مشاركة الأساتذة في عملية الإحصاء.. سجال وجدال حسناء بيشرادن
عرفت مشاركة الأساتذة في عملية الإحصاء للسكنى والسكان 2024 بالمغرب جدالا وسجالا مجتمعيا في الفضاء العمومي الافتراضي، وزاد هذا النقاش حدة، بعد تدوينة لعزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الذي نشرها في صفحته الشخصية على الفيسبوك، وهي تدوينة اعتبرها البعض ولاسيما الأساتذة والمتعاطفين معهم، أنها تحمل عبارة أشد قسوة في حق نساء ورجال التعليم المشاركين في عملية الإحصاء بوصفهم "بالعطاشة"، مما أثار ضجة وغضب في وسط أسرة التعليم.
 
وجاءت تدوينة عزيز غالي في ظل سياق متوتر وسخط جماهيري بسبب ضعف مشاركة المغرب في الألعاب الأولمبية، بتراكم فشل مجموعة من الجامعات الرياضية، في تقلد مراتب متقدمة والحصول على احدى الميداليات، باستثناء أداء المنتخب المغربي الأولمبي، الذي حصد الميدالية البرونزية، والميدالية الذهبية لسفيان البقالي في ألعاب القوى. 
 
ففي خضم هذا النقاش والتفاعل والاحتجاج ضد رؤساء الجامعات الرياضية المغربية، أسهمت تدوينة غالي في تحريف النقاش إلى مشاركة الأساتذة في عملية الإحصاء، فتحول النقاش فجأة، بتأطير الجماهير وتجييشهم، وأصبحت كافة الأصابع تشير إلى الفئات المشاركة في الاحصاء، والتعويضات المقدمة، والفئة الأكثر مشاركة فيها، فأثار الموضوع زوبعة في مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشر بسرعة رهيبة، وفتح باب النقاش والتداول بين المدافعين عن مشاركة الأستاذ في عملية الإحصاء والمعارضين له، وانقسم الفضاء العمومي بين المساند والمعارض، وطرحت مجموعة من الإشكاليات التي يعاني منها التعليم المغربي وبالأخص احتلاله لمراتب متأخرة عالميا، والتمييز والمفارقة بين التعليم العمومي والتعليم الخصوصي. وفي هذا الصدد يرى البعض أن مشاركة الأساتذة في الإحصاء سينتج عنها تأخر الدخول المدرسي، مما سيؤدي إلى هدر المزيد من الزمن المدرسي، وهو معيار كاف للتمييز بين القطاع العام والقطاع الخاص. 
 
واستحضرت الإضرابات التي خاضها الأساتذة في السنة الدراسية المنصرمة والتي أدت إلى هدر أيام طويلة من التعليم، غير أن هذه الإضرابات شهدت مساندة ودعم من طرف أفراد المجتمع، ولقد أعادت إلى الفضاء العمومي مجموعة من القضايا التي يعاني منها رجال ونساء التعليم العمومي بالمغرب، فالبعض يرى أن هناك حملة استهداف في حق هذه الفئة، لفقدان معيار الثقة، والانتقاص منها والمساس بهيبتها ومكانتها. وهكذا فقد أثيرت نقاشات واحتجاجات افتراضية، ذات طبيعة أخذ ورد، بنشر عدة تدوينات البعض منها يسخر من مشاركة الأستاذ، والبعض الأخر يدافع عن هذه المشاركة، فكان السؤال البارز لماذا تم تسليط الأضواء عن مشاركة الأستاذ فقط؟ ولماذا هذا الموضوع في هذا السياق؟ فقدمت أراء مختلفة بين جماهير منقسمة، بتنوير الرأي العام والرأي العام المضاد، كما نال هذا الموضوع حيزا كبيرا في الفضاءات الافتراضية، بربط مشاركة الأستاذ في الإحصاء ببعض القضايا، أبرزها الزمن المدرسي، وحرمان الفئات التي تعاني من البطالة من المشاركة. 
 
وهناك تساؤلات عدة طرحت لماذا الأستاذ قبل بالمشاركة في الإحصاء؟ لماذا لم يشارك الطبيب والمحامي والمهندس؟ هل الأستاذ بأمس الحاجة إلى هذه التعويضات؟ أليس من حق الأستاذ المشاركة؟ هل أجرة الأستاذ تليق بمكانته؟ فقدمت سيناريوهات وكليشيهات عدة، منها ما يدعم ويساند الأستاذ والبعض الأخر يربط هذه المشاركة بأمور أخرى راسخة كتمثلات حول الأستاذ وربطها بالشح وجمع المال، في الوقت الذي عارض رجال ونساء التعليم هذه الحملة، واعتبروا نعت العطاشة قدحي وأشد قسوة في حقهم، وهناك من يرغب في تشويه سمعة الأستاذ، للنيل من هيبته ورأسماله الرمزي، في الوقت الذي يجب إعادة النظر في السياسات التعليمية، والرفع من مكانة الأستاذ الذي يعتبر فاعلا أساسيا داخل المنظومة التعليمية، فإن نجاحها واخفاقها مرتبط بمدى الاهتمام بهذا العنصر. 
 
عملت تدوينة رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في بروز التعبئة والتعبئة المضادة حول مشاركة الأستاذ في عملية الإحصاء، مما يستدعي إعادة النظر في كيفية تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في تأطير الجمهور، وتوجيهه نحو بعض المواضيع، وأحيانا تجييشه، فهل هذه التدوينة مجرد تدوينة أم أنها تدوينة مستثيرة تخفي الكثير؟ هل هي تكرس لصراع ونزاع بين أطراف وشخصيات معينة؟؟ أم أنها مجرد رد فعل دفاعا عن العاطلين؟ أم هي فقط تدوينة للظهور وتأكيد الحضور في الفضاء العمومي المغربي من طرف عزيز غالي؟ 
 
وفي المقابل لا يمكن إغفال بعض الاحتمالات الواردة ويتعلق الأمر بالصراع الأيديولوجي بين صاحب التدوينة والشخصيات التي ترأس بعض المؤسسات؟ أم أن الغرض منها هذه الدفاع عن المدرسة العمومية والعاطلين؟ هل هي تعبئة مضادة ضد أستاذ؟ أم أنها محاولة لإزاحة الغبار حول موضوع يجب إعادة النظر فيه؟ 
 
هكذا انقسم الفضاء العمومي الافتراضي المغربي حول الموضوع، وساهمت تدوينة عزيز غالي في صعود العنف الرمزي والعنف الرمزي المضاد، وغضب وسخط لدى جمهور منقسم، بين الأستاذ ومسانديه، وبين معارضيهم، وبالتالي نال الموضوع اهتماما كبيرا من طرف أفراد المجتمع، وعرف سيناريوهات واحتمالات، وطرحت قضايا ومواقف راهنية مرتبطة بقطاع التعليم. ولكن المثير هو أن الفضاء الافتراضي المغربي أصبح مجالا للنقاش والتداول، والسجال والصراع، والترافع والاحتجاج، حول قضايا المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقيمية، وكمجال للتعبئة وتنوير الرأي العام، والتأييد والتعارض، والتعاطف، والمعاقبة والمراقبة الجماعية، فهو فضاء يضم المتخيلات الاجتماعية ويعبر عنها.
حسناء بيشرادن، دكتورة في القانون العام والعلوم السياسية