وانتُخب عمران عضواً في المجلس البلدي لمدينته في سن الثانية والعشرين من عمره على لائحة الحزب الاشتراكي الذي كلفه لاحقاً مهمات داخلية كثيرة؛ إذ عُين مسؤولاً عن قطاع المهن الحرة وبعدها عن قطاع التجديد، ثم ناطقاً باسم الحزب. وباسم الحزب الاشتراكي، ترشح بوعمران لرئاسة بلدية سان أوان في عام 2014 وكانت طيلة 69 عاماً حكرا على الشيوعيين الذين خسروها لصالح اليمين. ويقول عنه وليم دولانوي، الذي سبقه إلى رئاسة بلدية المدينة إنه «شخص محبب، يقتنص الفرص عندما تتوفر له، إلا أنه ليس انتهازياً وقد نجح في بناء نفسه من غير الاعتماد على الآخرين». وتواكب نجاح بوعمران في العمل مع نجاحه المهني، حيث تخصص في الأمن السيبراني وشغل، في القطاع الخاص، مناصب رئيسية أكان في فرنسا أو في الولايات المتحدة التي عاش فيها لسنوات.
أما من الناحية السياسية، فإن دولانوي يقول عنه إنه «تحول، مع مرور الوقت، وسطياً، لا، بل إنه قادر على الانفتاح حتى على اليمين». وتقول عنه كارين فرنسوليه، رئيسة بلدية مدينة أوبرفيليه القريبة من سان أوان، إن بوعمران «يتجلي في فن التواصل والقدرة على جمع الأضداد، فضلاً عن كونه بسيطاً في تعامله مع الأشخاص». ومنذ عام 2020، يرأس بوعمران بلدية سان أوان، وسعى لتغيير صورتها وإنقاذها من التهميش والعنف.
«حاجة سياسية»
في الحديث الذي نشرته صحيفة «لا فوا دو نور» (صوت الشمال) الأربعاء، بين كريم بوعمران عن مهارة سياسية. فهو بداية أكد انتماءه للحزب الاشتراكي. ولأن حزبه جزء من «الجبهة الشعبية الجديدة» التي رشحت المسؤولة المالية في بلدية باريس، لوسي كاستيت، لرئاسة الحكومة، فإنه دعا إلى تكليفها تشكيل الحكومة الجديدة. إلا أنه لم يغلق الباب بوجه اختياره لهذا المنصب؛ إذ قال، في المقابلة المذكورة: «ليست لدي أي طموحات شخصية وقصر الإليزيه (الرئاسة) لم يعرض عليّ شيئاً». لكنه أضاف: «لو شرفني رئيس الجمهورية بتكليفي (رئاسة الحكومة)، فإنني سأرجع لعائلتي السياسية؛ لأننا لا نستطيع أن نقوم بمهمة كهذه من غير وجود دينامية تساعد على السير بإجراءات ضرورية، الرواتب الدنيا ودعم الخدمات العامة والقطاع الصحي والسكني و(تعزيز) الأمن». ويضيف: «إن التوصل إلى تسويات هو الطريق الوحيدة لإنقاذ فرنسا». وإن اعتبر أن المقترحات التي تقدمت بها جبهة اليسار «يجب أن تكون لها الأولوية»، إلا أنه سارع إلى تأكيد أن الحكومة القادمة «يجب أن تكون ممثلة لثقل كل من القوى الجمهورية»، أي من غير اليمين المتطرف. وخلص إلى اعتبار أن دعوة الأطراف إلى التوافق على «تسوية شاملة تتيح تجنب الانزلاق إلى حالة من عدم الاستقرار المؤسساتي».
رهان ماكرون
هذا الطرح من شأنه أن يثلج صدر الرئيس ماكرون الباحث عن تشكيل أكثرية تحكم البلاد بعد أن خسرها معسكره، ويريد أن تضم معسكره واليمين التقليدي وأيضاً الحزب الاشتراكي وربما الشيوعي. ويراهن ماكرون على تفكك تحالف اليسار والطريق إلى ذلك تمر عبر تسمية رئيس للحكومة يسارياً اشتراكياً؛ ما يعني إبعاد حزب «فرنسا الأبية» الذي يتزعمه المرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلونشون عن الحكومة، علماً أن كريم بوعمران لا يؤيد السير وراء ميلونشون كما أن الحزب الاشتراكي منقسم على ذاته بهذا الخصوص. وفي هذا السياق، فإن بوعمران يسدي خدمة للرئيس الفرنسي لأن تعيينه، في حال قبله وقبل الحزب الاشتراكي السير وراءه، يعني عملياً فتح الباب أمام تفكك جبهة اليسار وتجنب تعيين مرشحته الرسمية (لوسي كاستيت)، وربما وضع حداً لهذا الانتظار الطويل الذي لم تعرف فرنسا مثيلاً له منذ بداية الجمهورية الخامسة.
عن: الشرق الأوسط