"جلس الشيخ كعادته في المسجد، وبجواره مصحفه، فأخذ يذَكِّر الناس ويَعِضُهم حتى رَقَّتِ القلوب ودمعت العيون. فما بقي في المسجد رجل إلا وغمرت دموعه لحيت.
ثمّ التفت الشيخ إلى مصحفه فلم يجده .نظر يُمْنَةً ويُسْرَةً وصاح، أين المصحف؟ سُرق المصحف!! فالتفت إلى الناس وقال كُلُكُم يبكي،كلّكم يبكي ،فمن سرق المصحف؟"
هذه الحكاية المنسوبة ل "أبو يحيى مالك بن دينار البصري "وهو أحد التابعين المتوفي سنة 130 هجرية،تنطبق في تقديري على ما يجري منذ دجنبر 2023 بين طلبة كليات الطب بالمغرب ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ممثلة للسلطة التنفيذية. والتي عندما تعرض رؤيتها وبرنامجها العام ومخطط عملها إلى غاية 2030 لا يمكن إلا أن تقدر المجهود العمومي في هذا المجال. خاصة وأن الحكومة تؤسسه على تنزيل الورش الملكي المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية ،الذي يتطلب توفير الموارد البشرية الضرورية. فالحكومة نفسها، تُقِرُ أن عدد مهنيي الصحة الآن بالمغرب، لا يتجاوز 17,4 لكل عشرة ألف مواطن، وهي تعمل جاهدة لبلوغ سنة 2025 العتبة التي توصي بها منظمة الصحة العالمية أي 23 مهني لنفس الساكنة. أما الطموح سنة 2030 هو الوصول إلى 45 لكل 10000 فرد.
ويضيف الوزير أنه منذ اندلاع الأزمة مع الطلبة، تم عقد عدة اجتماعات مع ممثلي الطلبة وأنها تجاوبت مع مطالبهم في مجملها،وبقيت بعض النقط محط خلاف أهمها تقليص مدة التكوين إلى ستة سنوات بدل سبعة.
وفي المقابل يؤكد ممثلو الطلبة في لقاءاتهم وبلاغاتهم الصحفية، أنهم مع الإصلاح ومنخرطون بقوة في مشروع التغطية الاجتماعية،وأن الخلل يكمن أساسا في منهجية تنزيل مشروع الإصلاح الذي تم بدون مشاورات. مع أنه منذ سنين وألية الحوار قائمة، وفعالة بين الجامعة والطلبة ،لكنها عطلت الآن .
كما أن، ما تم التجاوب معه من مطالبهم أغلبها في مرحلة الوعود، وهي أساسا تهم توفير حد أدنى من ظروف التحصيل .وأن طرح موضوع تقليص مدة التكوين، بتلك الطريقة فيه مغالطة . لأن الأمر يتعلق فقط بالتأطير المهني والمسؤولية الطبية والمدنية في السنة الأولى للممارسة العملية . وهذا امر من صلاحية وزارة أخرى هي وزارة الصحة والحماية الاجتماعية وليس التعليم العالي .
هل هذه الجزئيات ممكن أن تحول دون توصل الطرفين إلى حل لمدة ثمانية أشهر من التدافع ؟ هل هذه التفاصيل لوحدها كافية للتضحية بسنة جامعية كاملة ؟ في مرحلة جد دقيقة لمسار مشروع مهيكل وفريد يؤسس لمغرب آخر .
صرح تعميم التغطية الاجتماعية وعمودها الفقري التغطية الصحية ؟
من التابث في تاريخ الصراع الاجتماعي والنقابي وحتى السياسي في المغرب، عندما يكون اللاعبون كبارا،سواء من جانب الفاعل العمومي أو الفاعل الاجتماعي، ويشتد الصراع يحرص دائما الأطراف على تطويع العصى دون كسرها، والانفلاتات التي حصلت في بعض الأحيان كانت يقينا،تعود دائما أما أن أحد الأطراف أو هما معا لم يتصرفا ككبار .
فهل من المعقول أن يتحرك المجتمع بمؤسساته المدنية والسياسية والمؤسساتية من جمعيات ونقابات وفرق برلمانية وشخصيات فاعلة وتقوم كلها بمبادرات لتقريب وجهات النظر القريبة أصلا ولا يحصل؟
هل لا بد أن يسجل التاريخ الاجتماعي لبلادنا، أن المغاربة مجتمعا ودولة فشلوا في تدبير خلاف قد لا يكون موجودا؟
أليس من مصلحة من يصطادون في الماء العكر، وأصحاب نظرية "الفوضى الخلاقة" أن يستمر التعتيم والترويج لإشاعات حول صراع وهمي بين هذا المسؤول وذاك ؟ أو تضخيم أشباح لا ترقص إلا متنكرة ؟.
إلى ذلك الحين سأرتشف "اتاي شمالي في كأس شباري " وأنا أردد مع الرائع فرانس كافكا
"خجلت من نفسي عندما أدركت أن الحياة حفلةٌ تنكرية، وأنا حضرتها بوجهي الحقيقي".