للجواب على هذه التساؤلات لابد من معرفة نطاق تطبيق القانون رقم 104.12 أولا، وما هي مظاهر حماية المستهلك في قانون مهنة المحاماة ثانيا؟؟
أولا: نطاق تطبيق القانون 104-المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة
من خلال مقتضيات المادة الأولى من القانون رقم 104.12 وما بعدها يلاحظ أن هذا القانون يطبق على جميع الأنشطة الاقتصادية التي تؤثر على تحديد الأسعار في السوق، سواء تعلق الأمر بالسلع أو الخدمات، ويمنع الممارسات التي تؤدي إلى التلاعب بالأسعار من خلال اتفاقات بين الشركات أو استغلال وضع مهيمن في السوق.
ويتولى هذا القانون أيضا مكافحة الممارسات التي تؤدي إلى الإضرار بالمنافسة، كالاتفاقات بين الشركات التي تهدف إلى تثبيت الأسعار، كما لو اتفقت شركات الاتصالات الثلاثة على تثبيت أسعار خدماتها ومنعت تخفيض الأسعار.
كما يمنع القانون المذكور استغلال الوضع المهيمن من قبل شركة أو مجموعة من الشركات للسيطرة على السوق وإبعاد المنافسين وفرض أسعار مرتفعة بشكل غير مبرر، وكذا خلق تكتلات اقتصادية بشكل يؤدي إلى خلق أو تعزيز الهيمنة في السوق، كما هو الحال عندما تحاول شركتان كبيرتان في مجال توزيع المواد الغذائية الاندماج، بشكل سيؤدي إلى سيطرة مفرطة على السوق وتقليل المنافسة بشكل كبير.
ويطبق هذا القانون على جميع الأشخاص الذاتيين أو الاعتباريين أي الشركات والمؤسسات العاملة في السوق المغربي، مهما كانت جنسيتها، ومهما كان حجمها، طالما أن نشاطها يؤثر على المنافسة في السوق الوطنية.
ويمتد تطبيقه أيضا إلى أشخاص القانون العام عندما تتصرف كفاعل اقتصادي في حالة ثبوت تورطها في ممارسات تحد من المنافسة.
غير أن هناك استثناءات من تطبيق هذا القانون ويتعلق الأمر ببعض القطاعات التي قد تكون منظمة بقوانين خاصة، كما أنه في حالة الطوارئ هناك استثناءات مؤقتة لا يطبق فيها هذا القانون كما هو الحال عند تدخل الحكومة لضبط الأسعار أو تنظيم السوق بشكل مؤقت عند الأزمات الاقتصادية أو الطبيعية.
وهكذا يلاحظ أن مقتضيات هذا القانون جاءت أصلا لحماية المستهلكين بصفة أساسية من الممارسات المنافسة التي قد يعرفها السوق ولضمان منافسة حرة وعادلة.
ثانيا: مظاهر حماية المستهلك في قانون مهنة المحاماة رقم 28-08
إذا كان قانون حماية الأسعار والمنافسة جاء لتعزيز الحماية التي يتمتع بها المستهلك المغربي داخل المنظومة التشريعية، فإنه يمكن القول إن قانون مهنة المحاماة من القوانين الخاصة التي تتضمن مقتضيات كلها ذات طابع حمائي لفائدة المستهلكين- الموكلين ولعل ذلك يبدو واضحا من خلال عدة مقتضيات يتضمنها القانون رقم 28-08 المنظم لمهنة المحاماة ومنها على الخصوص:
1. واجبات المحامي نحو الموكل:
طوق المشرع المغربي المحامي بمجموعة من الالتزامات لفائدة موكله منها:
- الالتزام بالسر المهني: طبقا للمادة 36 من قانون مهنة المحاماة فالمحامي ملزم بالمحافظة على سرية المعلومات التي يتوصل بها من موكله، وذلك باعتبارها من الحقوق الأساسية للموكل. إفشاء هذه السرية يعتبر إخلالاً بواجبات المحامي ويعرضه للمساءلة التأديبية.
- الأمانة والإخلاص: يجب على المحامي أن يتصرف بأمانة وإخلاص عند تقديم خدماته القانونية والدفاع عن موكليه، وأن يعمل على حماية مصالحهم بكل نزاهة وحياد وكرامة وشرف وما تقتضيه الأخلاق الحميدة (المادة 36 من قانون المهنة)
- التوجيه والإرشاد والنصح: طبقا للمادة 42 و43 للموكل الحق في الحصول على الاستشارة بشكل يحميه من الوقوع في أخطاء قانونية تكلفه تبعات مادية، كما أن المحامي يحث موكله على فض النزاع عن طريق الصلح قبل اللجوء إل القضاء.
- الحق في الإخبار: يتمتع الموكل بالحق في الاخبار من طرف دفاعه بمراحل سير الدعوى وما يتم فيها من إجراءات قانونية ليشارك في اتخاد القرارات المناسبة له.
2. حماية المستهلك (الموكل) من الممارسات غير المشروعة:
- منع الاستغلال: يمنع قانون مهنة المحاماة المحامي من استغلال موكله سواء من خلال فرض أتعاب غير مبررة أو من خلال إطالة أمد النزاعات لتحقيق مكاسب مالية إضافية، وهو ما يتضح من خلال الالتزام بتقديم النصح والإرشاد فيما يتعلق بطرق الطعن الممكنة (الفقرة الأخيرة من مدونة 43).
- تنظيم الأتعاب: ترك المشرع المغربي الحرية الكاملة للموكل للاتفاق مع المحامي لتحديد الأتعاب قبل البدء في العمل، كما يمكنه مراجعة هذا الاتفاق باللجوء إلى النقيب.
وقد فرض القانون المنظم لمهنة المحاماة رقابة صارمة على مجال تنظيم الأتعاب بين المحامي وموكله، وأجاز لهذا الأخير اللجوء إلى النقيب من أجل تحديد الأتعاب ومراجعتها، وأتاح له إمكانية الطعن بالاستئناف أمام الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف وإمكانية الطعن بالنقض، وكل ذلك حماية للموكل من الأتعاب بمعنى أن مجال تحديد الأتعاب هو تحت رقابة النقيب والقضاء.
بل أكثر من ذلك، فإن المشرع خول للموكل المنازعة في بيان حساب المبلغ له من طرف دفاعه خلال أجل ثلاثة أشهر من التوصل، وهي أطول مدة طعن محددة في جميع القوانين المغربية.
3. آليات الشكوى والمساءلة:
-مجلس هيئة المحامين: يختص مجلس هيئة المحامين بالنظر في الشكاوى التي يقدمها الموكلون ضد المحامين في حالة وجود تقصير أو إخلال بواجباتهم المهنية، فالمجلس يمكنه اتخاذ إجراءات تأديبية ضد المحامي المخالف.
- اللجوء إلى القضاء: يحق للموكل اللجوء إلى القضاء في حالة تعرضه للضرر نتيجة إهمال أو خطأ من المحامي فالقضاء قد يحكم بتعويضات لصالح الموكل في إطار المسؤولية التقصيرية للمحامي مع العلم أن جميع الهيئات أبرمت عقود التأمين ضد الأخطاء المهنية. هذا التأمين يهدف إلى ضمان تعويض الموكلين في حالة وقوع خطأ جسيم من المحامي أدى إلى ضرر.
يمكن القول إذ أن القانون رقم 28-08 المتعلق بممارسة مهنة المحاماة إنما شرع لحماية الموكلين وضمان حقوقهم، فجميع مقتضياته تضع التزامات على المحامي لصالح الموكل بداية من الباب الرابع الخاص بواجبات المحامين وجاء بعده من مقتضيات تخص التشبث بالوقار والسر المهني والعلاقات مع المحاكم والمساعدة القضائية والعلاقات مع الموكلين بحيث يكاد لا يوجد أي مقتضى يحمي المحامي من تعسف الموكل- المستهلك.