إغلاق الحمامات.. قرار عشوائي يستهدف البسطاء ويمس الحق في الصحة ويغطي على جرائم الفلاحين الكبار

إغلاق الحمامات.. قرار عشوائي يستهدف البسطاء ويمس الحق في الصحة ويغطي على جرائم الفلاحين الكبار أرباب الحمامات ومحلات غسل السيارات كبش فداء لمشكلة ندرة المياه
"لقد أصبحنا نحن أصحاب الحمامات كالحائط القصير الذي يقفز منه الجميع، دون اعتبار لمشاكل القطاع وتحدياته".
 
بهذه النبرة الغاضبة تحدث أحد أرباب الحمامات بمنطقة عين الشق بالدار البيضاء، معلقًا على قرار السلطات المحلية بمنع نشاط الحمامات خلال أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء من كل أسبوع، والاعتماد على تقنيات لا تستهلك الكثير من المياه.
 
صحيح أن قرار المنع جاء بناءً على نقص الموارد المائية على مستوى مصادر الماء المزوِّدة لعمالة الدار البيضاء، والناجم عن توالي سنوات الجفاف، وبهدف التدبير الأمثل للمياه لضمان تزويد سكان المدينة بالماء الصالح للشرب في ظروف عادية، إلا أن القرار أثار موجة كبيرة من الاستياء في صفوف المهنيين وأرباب الحمامات. هؤلاء اعتبروا القرار مجحفًا، وصدر دون التشاور معهم أو الأخذ بمقترحاتهم التي قدموها للسلطات في مناسبات عديدة.
 
وأعرب مهنيو القطاع عن استنكارهم لهذا القرار، مؤكدين أن ذلك يتسبب لهم في خسائر مالية كبيرة، خاصة مع ضعف الإقبال على الحمامات خلال فصل الصيف.
 
وهذه هي المرة الثانية التي تقرر فيها وزارة الداخلية إغلاق الحمامات بمختلف مناطق المملكة. إذ أكد وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، في جواب كتابي سابق على أسئلة بعض البرلمانيين، أن قرار إغلاق الحمامات ثلاثة أيام في الأسبوع شمل جميع أنواعها دون تمييز، وجاء ليغطي فترات زمنية محددة لا تعرف إقبالًا من المواطنين.
 
وحسب جواب وزير الداخلية، فإن إجراءات إغلاق الحمامات ثلاثة أيام في الأسبوع، وما تم اتخاذه لترشيد استهلاك المياه، حققت أهدافها بنسبة لا بأس بها.
 
بقدر ما كان قرار المنع كارثيًا على مهنيي القطاع، كان وقعه صادمًا على المواطنين، خاصة تلك الفئة التي تقصد الحمامات كل أسبوع لممارسة طقوس النظافة.
 
واعتبر يوسف، أحد العاملين في القطاع، أن قرار إغلاق الحمامات ثلاثة أيام متتالية في الأسبوع قرار عشوائي، ولا يساهم في ترشيد استخدام المياه، لأن هناك قطاعات صناعية تستهلك المياه أكثر من الحمامات، ولا أحد يوقفها عند حدها.
 
من ناحية أخرى، يرى مصطفى، وهو رجل تعليم، أن الوضع المائي وشح الأمطار أثَّرا بشكل كبير على صبيب المياه في مختلف المناطق، ولكن ترشيد استهلاك المياه يتطلب استراتيجية متكاملة تشمل جميع القطاعات، لا أن تجعل أرباب الحمامات ومحلات غسل السيارات كبش فداء لمشكلة ندرة المياه. ويرى أن ما يُطبق على الحمامات الشعبية يجب أن يُطبق على محلات الساونا والمسابح الخاصة وصالات الرياضة التي تستهلك أكثر مما تستهلكه هذه الحمامات.
 
وفيما يتعلق بانعكاسات هذا القرار على الصحة العامة للمواطنين، أكد الدكتور عبد العزيز حنون، أخصائي في الصحة العامة وتدبير الصحة، أن للحمامات دورًا كبيرًا في الحفاظ على الصحة العامة، خاصة في الأحياء التي لا تتوفر فيها بنية تحتية كافية للاستحمام في المنازل. كما أن الحمامات تساهم في التقليل من انتشار الأمراض الجلدية والتعفنية، خاصة بين الفئات الاجتماعية الضعيفة.
 
وأضاف الدكتور حنون، أن الحمامات تلعب أيضًا دورًا ثقافيًا وتواصليًا بين الناس، حيث ترتبط طقوس الاستحمام بمواعيد أسبوعية ثابتة. وبالتالي، فإن نقص النظافة قد يؤدي إلى تدهور في الصحة العامة، خاصة في ظل الأزمة الاجتماعية الراهنة التي تتسم بارتفاع الأسعار وضعف التغذية، ما قد يؤثر بشكل تدريجي على الصحة العامة.
 
ويختتم الدكتور حنون تصريحه بالتأكيد على أنه لا يمكن إغلاق مرفق صحي هام دون توفير بديل لائق، وإلا فإن التأثير على الصحة العامة سيكون حتميًا. كما شدد على أن بعض القرارات تُتخذ دون استناد إلى دراسات علمية حول الآثار المحتملة على صحة المجتمع، مشيرًا إلى أن التركيز على القرارات الكبرى يُهمش بشكل كبير احتياجات المواطن العادي.