أوضح مصطفى محمد صدقي، المحامي بهيئة الدار البيضاء، ورئيس جمعية التواصل المهني للمحاماة، أن المؤهل العلمي وحده لا يحقق ولوجا مستنيرا للعدالة، فالطبيب لا يمكنه أن يدافع عن نفسه بشكل جيد دون أن يؤازره محامي، كما أن المحامي لا يمكنه أن يقوم بإجراء عملية جراحية لمريض فلكل شرعة ومنهاجا.
التوضيح جاء في إطار الرد على لحسن حداد، الأستاذ الجامعي، القيادي في حزب الاستقلال، حول الولوج المستنير للعدالة ومهنة المحاماة، من خلال برنامج "ديكريبتاج" الذي أذيع على راديو "إم إف إم"، مؤخرا..
فيما يلي الرد كما توصلت جريدة "أنفاس بريس" بنسخة منه:
في مروره ببرنامج "ديكريبتاج" على إذاعة "إم إف إم" يوم الأحد 11 غشت 2024 عبر لحسن حداد القيادي السابق في الحركة الشعبية والمنتقل لحزب الاستقلال، عن تفاجئه بحديث المحامين عن "الوكيل المستنير" مؤكدا أنه لا يوجد في القانون أي شيء تحت مسمى الوكيل المستنير، متسائلا في ذات الوقت، هل المحامي مستنير والأستاذ الجامعي ليس مستنيرا للقول باحتكاره لتمثيل الأطراف أمام القضاء، لذلك فهو يؤكد ما قاله وزير العدل بخصوص إحالة موضوع الاحتكار على مجلس المنافسة..
ما قاله لحسن حداد يؤكد بشكل قطعي أنه لا يعلم شيئا عن هذا الموضوع إلا ما قد سمعه من وزير العدل، وربما خانه السمع وسمع شيء لم يقله الوزير، بدليل أنه لم يسبق لأي كان تحدث عن شيء اسمه الوكيل المستنير.
كان على لحسن حداد ضبط المفاهيم والمصطلحات قبل الحديث في الموضوع، حتى يكون لتدخله قيمة مضافة على أن ما يفهم من خلال تساؤله ومقارنته بين المحامي والأستاذ الجامعي هو أنه ربما يقصد "الولوج المستنير للعدالة".
ورفعا لهذا اللبس الذي تكون عند حداد فإن الأمر يقتضي توضيح مفهوم الولوج المستنير للعدالة وارتباطه بمهنة المحاماة.
وهكذا؛ فالولوج المستنير للعدالة هو مفهوم يشير إلى تمكين المواطنين من الوصول إلى العدالة بشكل فاعل وواعٍ، مع إدراك كامل للحقوق والواجبات والإجراءات القانونية المتعلقة بحالاتهم.
يشمل هذا المفهوم توفير المعلومات القانونية، وتقديم الإرشادات، وتسهيل الوصول إلى المحاكم والهيئات القضائية بشكل يتسم بالوضوح والشفافية.
ظهر هذا المفهوم في سياق تطور حقوق الإنسان وضرورة ضمان حق الوصول إلى العدالة للجميع. وقد تم تداوله في الأوساط القانونية والحقوقية، خاصة في الدول التي تسعى إلى تعزيز حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
الهدف الأساسي من هذا المفهوم هو ضمان أن يتمكن الأفراد، بغض النظر عن خلفياتهم الاقتصادية أو الاجتماعية، من الوصول إلى العدالة بطريقة فعّالة ومستدامة.
ولن يتحقق ذلك إلا بإزالة العراقيل التي قد تحول دون الوصول إلى العدالة، مثل الجهل بالإجراءات القانونية أو التكلفة المرتفعة للتقاضي.
هناك مجموعة من الوسائل والآليات المناسبة لتفعيل الولوج المستنير للعدالة، يمكن اجمالها فيما يلي:
1. نشر التوعية القانونية.
2. تيسير الإجراءات القانونية والقضائية التي تعيق الوصول إلى العدالة.
3. دعم وتوفير خدمات المساعدة القانونية والقضائية.
4. رقمنة الخدمات القضائية لتسهيل الوصول إلى المعلومات القانونية والإجراءات القضائية.
ومن خلال ما سبق يمكن التأكيد على أن الولوج المستنير للعدالة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمهنة المحاماة، حيث يلعب المحامون دورًا حاسمًا في تحقيق هذا الولوج من خلال تقديم الاستشارة القانونية، وتمثيل الأفراد أمام المحاكم، وضمان حماية حقوقهم.
وفضلا عن ذلك، يتحمل المحامون مسؤولية أخلاقية ومهنية في توعية موكليهم وإرشادهم بشكل يضمن فهمهم الكامل لحقوقهم والإجراءات القانونية التي يوجهونها وهو ما يبدو واضحا من خلال المادة 43 من القانون رقم 08-28 المتعلق بمهنة المحاماة.
كما يمكن التأكيد على أن المحامون شركاء فاعلون في تفعيل الولوج المستنير للعدالة من خلال تقديم خدمات قانونية، والمشاركة في برامج التوعية القانونية، والتعاون مع المنظمات غير الحكومية لتعزيز حقوق المواطنين في الحصول على العدالة.
موضوع الولوج المستنير للعدالة كان شعار المؤتمر 30 الذي نظمته جمعية هيئات المحامين بالمغرب خلال شهر أبريل 2019، وقد جاء في كلمة بهذه المناسبة للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى السلطة القضائية ما يلي:
(قد اخترتم لمؤتمركم الثلاثين شعار: "من أجل تشريع يحقق الولوج المستنير إلى العدالة"، وهو يحمل الكثير من الأبعاد ويثير العديد من الإشكالات ويستدعي مجموعة من الرؤى والمقاربات. الولوج المستنير إلى العدالة الذي يعد من المحاور الكبرى التي أكد عليها جلالة الملك في عدد من خطبه السامية، وكانت موضوع نقاش مستفيض خلال الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة الذي أفرز عددا من التوصيات والآليات بشأنها.
موضوع يعد الحجر الأساس في كل المقاربات الإصلاحية والمرجعيات الدولية الوطنية، لأنه بكل بساطة يشكل التعبير الحقيقي الواقعي عن رسالتنا وعن انشغالاتنا تجاه المتقاضين.
إن الباب لتكريس الثقة هو تسهيل ولوج أبواب القانون والعدالة عبر تحديث التشريعات لتواكب مستجدات العصر وملاءمتها للالتزامات الدولية خاصة منها ذات الصلة بحقوق الإنسان، قوانين تساهم في تيسير البت داخل ّأجل معقول وضمان الأمن القضائي اللازم لتحسين مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمار وتحقيق التنمية فضلا عن دعم فعالية وشفافية الإدارة القضائية باستثمار ما تتيحه تكنولوجيا المعلوميات.
الرهان اليوم يتمثل في تمكين الأفراد والجماعات الذين يطالبون بحقوقهم من تشريع يخولهم اللجوء للعدالة بما يضمن لهم الشفافية والمساواة أمام القانون وتوفر شروط المحاكمة العادلة، والأكيد أن هذا يلزمنا أيضا بضرورة إيجاد أجوبة واقعية موضوعية لعدد من الإشكالات ذات بعد مؤسستي وتكويني وتقني وأخلاقي، ويسائل حتى مكونات وفعاليات المجتمع المدني عن مدى مساهمتها في التشريع وعن دور وسائل الإعلام بالتعريف بالمعلومة القانونية ونشرها.
إنكم اليوم من خلال فعاليات هذا المؤتمر ولجانه تفتحون فرصا مواتية لتقييم ما وصلنا إليه في هذا الورش ولاقتراح آليات لتقويم وتطوير الأداء بما يمكننا جميعا من أداء الرسالة والأمانة). وفق كلمة الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى السلطة القضائية.
إن اختزال الولوج المستنير للعدالة في المؤهل العلمي كما يبدو من مقارنة لحسن حداد بين المحامي والأستاذ الجامعي هو اختزال يفتقر للأسس المهنية والحقوقية والمعرفية، فالمحاماة رسالة كونية لها أهداف إنسانية أولا لذلك ينص القانون المنظم لها بأن المحامي يتقيد في سلوكه بمبادئ الاستقلال والتجرد والنزاهة والكرامة والشرف وما تقتضيه الأخلاق الحميدة..
وقد ورد في الرسالة الملكية لصاحب الجلالة محمد السادس الموجهة إلى المؤتمر الدولي للمحامين المنعقد يوم 28 غشت إلى 4 شتنبر 2005 بفاس ما يؤكد على إنسانية مهنة المحاماة، إذ جاء في رسالته: (بقدر ما أصبح لمهنة المحاماة من طابع عالمي فإنها تواجه ضرورة توحيد القيم السلوكية المثلى، واعتماد التكوين المستمر والاستجابة لمتطلبات مواكبة العالم الراقي والتوفيق بين وجوب احترام الحريات وصيانة النظام العام، في ظل سيادة القانون وسيادة القضاء دون أن ننسى أنها قبل كل شيء مهنة إنسانية مثالية تقتضي إلى جانب الفقه والقانون النزاهة في العمل من أجل مساعدة القضاء الذي يعتبر المحامون جزءا من أسرته الكبيرة الموقرة وشريكا أساسيا له في تحمل مسؤولية إحقاق الحقوق ورفع المظالم على أساس العدل والإنصاف…).
عذرا السيد احداد وأنت الأستاذ الجامعي فإن المؤهل العلمي وحده لا يحقق ولوجا مستنيرا للعدالة فالطبيب لا يمكنه أن يدافع عن نفسه بشكل جيد دون أن يؤازره محامي، كما أن المحامي لا يمكنه أن يقوم بإجراء عملية جراحية لمريض، فلكل شرعة ومنهاجا.