بنشر هذا المقال يكون قد مر حوالي أسبوع على اتخاذ فرنسا لقرارها السياسي القاضي باعتبار " حاضر و مستقبل الصحراء الغربية" ضمن السيادة المغربية في إقرار فرنسي واضح بالإعتراف بمغربية الصحراء لتطوى صفحة من التوتر الذي شهدته علاقتها مع المغرب وهو التوتر الذي انتهى مع رسالة ماكرون و الرد الملكي عليها الذي وجه دعوة رسمية لزيارة ماكرون للمغرب.
الموقف الفرنسي سيكون له ما بعده و سيجعلنا من الضروري الحديث عما بعد الموقف الفرنسي، ما بعد اتخاذ فرنسا خطوة الاعتراف بمغربية الصحراء و تأكيد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي، و هو سؤال مشروع ينطلق من الإلتزام الذي أبدته فرنسا في رسالة ماكرون لعاهل البلاد عندما أكد على أنه سيترجم موقف بلاده الجديد " وطنيا و دولياً" أي داخل فرنسا و خارجها، هنا مربط الفرس الذي يمكن من خلاله متابعة فرنسا و الكيفية التي ستقوم بواسطتها ترجمة هذا القرار السياسي الجديد اتجاه الاقاليم الصحراوية الجنوبية.
فرنسا داخلياً مطالبة ب:
إعلامياً خاصة القنوات المحسوبة على الدولة الفرنسية و القريبة من صناع القرار، عليها ترجمة قرار بلادها القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء من خلال تعديل خطابها الموجه للشارع الفرنسي و خارجه اتجاه هذا الملف، و الكيفية التي يمكن أن توازن به الملف، أضف لها على مستوى الخرائط المعروضة على شاشتها التي يجب أن تحترم هذا القرار و تُجسده بإظهار خريطة المغرب كاملة مادام الدولة الفرنسية قد أكدت على السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية.
دبلوماسياً على فرنسا أن تتجه نحو ترجمة هذا الموقف على عدة مستويات ديلوماسية يبقى أهمها ضرورة إقدام فرنسا على فتح قنصلية لها بالصحراء لتواكب التواجد الفرنسي الإقتصادي بالمنطقة خاصة مع الاستثمارات التي يُنتظر أن تقوم بها في هذه الاقاليم الجنوبية، فمصاحبتها بفتح قنصلية فرنسية بالداخلة أو العيون سيكون ليس فقط ترجمة للموقف الفرنسي بل أيضاً تجسيد لعمق العلاقة التي تجمع فرنسا بالمغرب و العودة بشكل لا لبس فيه لطبيعة الشراكة التي جمعتهما لسنوات، وستكون أيضاً منسجمة مع قرارها السياسي الجديد.
على المستوى الأوروبي ستكون فرنسا مطالبة بتكييف عملها داخل أجهزة و مؤسسات الإتحاد الاوروبي مع هذا الموقف، لا ننسى أن العديد من البرلمانيين الفرنسيين المنتمين لحزب ماكرون كانوا سابقاً هم وراء بعض المتاعب و التوتر في العلاقة بين البرلمان الأوروبي و المغرب من خلال طرحهم لقضايا سياسوية و محاولة تغليفها بطابع حقوقي، أو من خلال محاولة عرقلة ملف تجديد الإتفاقيات التجارية مع المغرب، و إذا كان المغرب اقد استطاع التغلب و تجاوز هذه التوترات، فإن فرنسا و الكتلة البرلمانية التابعة للرئيس عليها مراجعة تحركاتها و مواقفها و خطابها بما يتماشى مع هذا الموقف الفرنسي الجديد و مع الصفحة الجديدة التي فتحها قائداً البلدين و تجسد الأفق الجديد الذي دخلت فيه علاقتهما.
على المستوى الأممي خاصة مجلس الأمن سيكون قوياً لو راسلت فرنسا الأمين العام للأمم المتحدة كما قامت بذلك امريكا و إسبانيا لإشعاره بالموقف الفرنسي الجديد، و هي خطوة ستسبق بالتأكيد الدور الجديد الذي يمكن أن تلعبه داخل مجلس الأمن خاصة مع المناقشات التي ستتم لمسودة القرار إذ إذا كانت سابقاً تتحدث عن مبادرة الحكم الذاتي و دعمها لها، فإنها اليوم ستكون مطالبة بإضافة جرعة إيجابية لخطابها اتجاه الملف تتحدث فيها عن موقفها الجديد و تدفع بمجلس الأمن لكي يلعب دوره كاملاً في إخراج الملف من الدائرة المفرغة التي دخلها نحو طريق جديد ينتهي بحل هذا الملف و طيه على قاعدة مبادرة الحكم الذاتي.
فرنسا لاشك أنها اتخذت خطوة شجاعة تُحسب لها و تُعزز علاقتها بالمغرب و تعيد بناء الثقة مع بلد يُعتبر بوابة أوروبا نحو إفريقيا، هذه الخطوة تم استقبالها بحفاوة شعبية كبيرة لارتباطها بقضية حيوية لدى المغاربة و هي تعكس طبيعة الحوار الذي خاضه المغرب معها، و بالتأكيد كان عاهل البلاد مشرفاً عليه و يقف عليه لحظة بلحظة و نقطة بنقطة…وهو ما أعطى للدبلوماسية المغربية كل هذا الزخم و جعلها تنتزع مواقف سياسية قوية كالموقف الفرنسي الذي ننتظر الآن ما بعد مرحلة اتخاذ قرار الاعتراف الفرنسي بالسيادة الغير المنقوصة للمغرب على كامل ترابه.