وزير العدل عبد اللطيف وهبي يتوعد بإحالة موضوع مدى أحقية المحامين في احتكار مهام الدفاع على مجلس المنافسة، فهل يستطيع إحالة القوانين المنظمة لمهام المهندسين والعدول والموثقين على نفس المجلس للنظر في مدى أحقيتهم في احتكار المهام المنوطة بهم؟!
غريب أمر هذا الوزير الذي كلما نطق يؤكد أن حقده على مهنة المحاماة أوصله لمرحلة الهوس. فما الذي يجعل وزيرا للعدل يكن كل هذا الحقد لمهنة يمارسها؟ قد يبدو الأمر غريبا بعض الشيء، لكن الواقع يتحدث عن نفسه. فالرجل لا يترك فرصة تمر سواء أمام ميكروفون للصحافة أو في ندوة علمية أو خلال ممارسة مهامه أمام المؤسسات الدستورية، دون أن يهاجم المحامين وكأنه جاء لوزارة العدل من أجل مهمة وحيدة فقط هي هاته. فما السبب يا ترى؟
أعتقد أن السبب الرئيسي يعود إلى كون وهبي وإن كانت المحاماة منحته المال وجعلته من أثرياء المحامين في المغرب، بمراكمته لثروة مالية ضخمة بالنظر لطبيعة ملفات مكتبه وموكليه، فإنه وللأسف الشديد لم يمارس مهنة المحاماة بقيمها الراسخة والعريقة المؤسسة على احترام الأعراف والتقاليد، وعلى التحلي بقيم المروءة والشرف والنزاهة والاستقامة. المحاماة كمساهم في تحقيق العدالة، كصمام أمان للدفاع عن الحقوق والحريات والتصدي لكل خرق للقانون وفضحه بكل الوسائل مهما كان مصدره. المحاماة التي تصدت أيام سنوات الرصاص لتغول نظام بأكمله بمواقف ومرافعات عظماء وأهرام المحاماة في المغرب من أمثال الاستاذ عبد الرحيم بوعبيد، النقيب عبد الرحمن اليوسفي، النقيب عبد الرحمن بنعمر وغيرهم. ربما هذا هو ما ينقص وهبي وربما هذا ما يجعله يعاني من إحساسه بعدم الانتماء لمهنة يمارسها. ولهذا يلجأ في كل مرة للهجوم على المحامين والمحاماة لعله يغطي هذا النقص الخطير الذي يعتريه. ومن هنا جاء تلويحه الأخير بإحالة موضوع مدى أحقية المحامين في احتكار مهام الدفاع على مجلس المنافسة. فهذا المسكين المثير للشفقة بفكره ومنطقه، والذي مارس المحاماة أكثر من ثلاثين سنة لازال يعتقد أن المحامين يحتكرون سلعة ويريدون المتاجرة بها في السوق، أو أنهم يملكون بضاعة تخضع لمنطق العرض والطلب شأنها شأن المحروقات وغيرها.
- السيد الوزير، ألا تعلم أن المحاماة رسالة تشكل الجناح الثاني للعدالة قبل أن تكون خدمات يقدمها المحامون للمساهمة في تحقيق هاته العدالة؟
- السيد الوزير، ألا تعلم بأن تفرد المحامين بمهام الدفاع ليس احتكارا بمفهوم اقتصادي أو تجاري وليس من أجل إغلاق باب المنافسة على منافسين آخرين محتملين، بل هو لأجل حماية مصلحة المتقاضين بالدرجة الأولى وتجويد العدالة من خلال توفير خدمات قانونية لهم على يد أشخاص محترفين مختصين في مهام الدفاع، عوض تركهم فريسة أمام السماسرة والوسطاء ومحترفي عمليات "من تحتها "؟
- السيد الوزير، ألا تعلم أن مصلحة المتقاضي تقتضي تدخل الدولة لتيسير كل السبل أمامه من أجل الدفاع عن مصالحه بما فيها فرض إلزامية استعانته بمحامي أثناء التقاضي؟ قد تستغرب من طرح هذا السؤال السيد الوزير أو تحتاج إلى تبسيط أكثر في شرحه. نعم، فالمتقاضي كالقاصر لا يعرف مصلحته ولا يعرف كيف يدافع عنها. وعند وقوفه أمام المحكمة فهو لا يعرف طبيعة الوثائق التي سيقدم لها ولا نوعية الدفوع التي سيثيرها أو ترتيبها. لكن بوجود محام إلى جانبه سيستطيع الوصول إلى حقوقه بأيسر الطرق. ومن هنا يتعين على الدولة التدخل من أجل وضع قانون في مصلحة المتقاضي يلزمه بالاستعانة بمحام للدفاع عن مصالحه.
لكن وأنت تريد إحالة هذا الموضوع على مجلس المنافسة، دعني أذكرك وأذكر الحكومة التي تنتمي إليها بما يلي:
- فالمهندسون يحتكرون إنجاز التصاميم الهندسية للبناء. ولا يمكن للمواطن بناء أي منزل أو شقة أو عمارة إلا بتصميم هندسي خاص على يد مهندس مختص، رغم أن المواطن بإمكانه القيام بعملية البناء استنادا على تصميم مشابه أو حتى دون تصميم في بعض الحالات. فلماذا لا نخير المواطن بين اللجوء إلى مهندس للحصول على تصميم أو الاستغناء عنه و البناء دون تصميم؟
- والعدول يحتكرون تحرير عقود الزواج. ولا يمكن لأي راغب في الزواج أن يتزوج دون الاستعانة بعدلين رغم أن الأمر بسيط يقتصر على الإشهاد على إيجاب وقبول وتحديد قدر الصداق. فلماذا لا نعطي الحق للمواطن في تحرير عقد زواجه مع زوجته دون اللجوء إلى العدول؟
- والموثقون يحتكرون تحرير عقود بيع العقارات إلى جانب العدول والمحامين أيضا. فلماذا لا نعطي للبائع والمشتري الحق في تحرير عقد البيع بيده خاصة في العقارات البسيطة كالشقق والأراضي العارية والأراضي الفلاحية ذات القيمة الزهيدة رغم أن العملية بسيطة؟
فهل بإمكان وزير العدل أو غيره من وزراء حكومته إحالة القوانين المنظمة لمهام المهندسين والعدول والموثقين على مجلس المنافسة للنظر في مدى أحقية هؤلاء المهنيين في احتكار ممارسة المهام المنوطة بهم؟
طبعا لن يستطيع أحد القيام بذلك. كما أننا لسنا مخبولين حتى ندافع عن هذا الطرح لأننا نعلم جيدا، كما تعلم الدولة بأن المصلحة العامة والنظام العام ومصلحة الراغب في البناء ومصلحة الراغب في الزواج ومصلحة الراغب في شراء عقار تقتضي أن يستعين هؤلاء بمهندس أو عدل أو موثق لقضاء بعض حاجياتهم. ومن هنا نقول أيضا بأن المصلحة العامة ومصلحة العدالة ومصلحة المتقاضي تقتضي التنصيص على إلزامية الاستعانة بمحام في المساطر الكتابية على الأقل وعدم ترك الباب مفتوحا للعبث بحقوق المتقاضين.
الاستاذ رشيد ايت بلعربي/ محامي بهيئة القنيطرة