للمرة الألف، لن يكون الحديث هنا سوى عن جيران الشرق الغرائبيين!!
تعالوا نستعرض حالتهم السوء هذه الكَرّة:
بمجرد نيلهم وثيقة تقرير مصيرهم، مذيّلةً بتوقيع الجنرال شارل ديغول، في سنة 1962، كان أوّل ما فعلوه، أنهم حرصوا على التنكر لأول التزام أبرمته معنا حكومتهم المؤقتة، التي كانت تعيش وتتعيّش في المنفى المغربي، سنة 1959، فنقضوا تعهّد رئيسها المرحوم فرحات عباس بحل مسألة الحدود الموروثة عن الاستعمار بيننا وبينهم، مع حرصه على الإقرار بأنها مسالة "تَضرّر منها الجانبُ المغربيُّ الشقيقُ أكثرَ من غيره"!!
بعد ذلك بسنة أو تقلّ، أعلنوا علينا حرباً غادرة خاضوها ضدنا هم الأوائل، بسبب ما قيل عن محاولتهم استغلالها للتغطية على سوء تدبيرهم لثورةٍ للقبائل اندلعت تحت قيادة المرحوم أيت احمد، أحد أعلام الثورة الجزائرية آنئذ وأحد ضحاياهم الأوائل، فخسروها ومن ورائهم وفي ميامنهم وعن شمائلهم "ليبيا القذافي" و"كوبا كاسترو" و"مصر عبد الناصر" و"بوليفيا غيفارا" ومريدون من "معبد ماوتسيتونغ"... فكانت خسارتهم مدوّية، إلى درجةٍ جعلت صداها يتردد بيننا بين الحين والآخر باستمرار وبصيغة مهينةٍ تحطّ من الكرامة: "حكرونا المراركة"!! ولكنهم يبدو أنهم يتناسونها عن قصد، ولذلك يلوّحون بين اليوم والآخر بحرب جديدة، موعودة، وتكاد تكون مرتقبة، يغلب الظن أنهم لن يجرؤوا على إشعالها بسبب مظلوميتهم وطبيعتهم البكائية، وبسبب جبن متجذّرٍ لديهم لا يَخفَى على أحد من القوى العظمى، المتتبعة لنزاعهم المفتعل معنا، والمتحركة بين الحين والآخر لقرص آذانهم من منطلق رفضها القبول بأي حرب نظامية، إقليمية، من شأنها أن تضر بمصالحها بالمنطقة المغاربية، وبالجنوب المتوسطي وإفريقيا، ولذلك نراهم يستمرّون في صراخكم وتَباكيهم، وفي وعيدهم شبهِ المستحيلِ تنفيذُه على ارض واقع لا يملكون مفاتيحه، ولا يمسكون بأختام سدنته العالميين، وفي طليعتهم "المحفل الماسوني العالمي"، الذي لا يضع أعضاؤُه أموالَهم واستثماراتِهم إلا حيث يتوخَّوْن السلام والاستقرار... وقد اتضح لهم كافةً أن نظام الجزائر يمكن أن يكون أي شيء آخر ماعدا أن يكون عامل سلام واستقرار !!
ضحكت عليهم الولايات المتحد الأمريكية قبل أربع سنوات ونيّف، حين اعترفت بكل الوضوح والصراحة الممكنَيْن بمغربية صحرائنا الجنوبية الغربية، فتمسّكوا تمسُّك الغريق بأمل تراجع الرئيس الأمريكي المُوالي عن ذلك الاعتراف ولكن بلا جدوى!!
وتمسّكوا بعد ذلك بالقشة الإسبانية، لعلها تطفو بهم إلى السطح، فخانتهم القشة لأنها غير قائمة على أي أساس متين وممتنع، ومتى كان للقش أيُّ أساس حتى يكون مُتّصِفاً بالمتانة والامتناع، لأن إسبانيا لم تكن سوى الدولة الممسكة بكل أوراق الملف، من منطلَق كونها المستعمِر السابق للمنطقة المغربية الجنوبية برمتها، فكانت الصدمة من القوة ما جعلتهم يبحثون عن أي قشة جديدة، ولم يكن أمامهم سوى القش، فتشبثوا بأسمال ماماهم فرنسا، المترنحة بين مشاكلها الداخلية من جهة، وانحساراتها الإفريقية المتتالية والآخذة في الاتساع بلا هوادة من جهة ثانية، وها هي بدورها تتخلى عنهم مضطرةً، ليس لسبب آخر غير علمها الأكيد بخبايا الملف وأسراره الأكثر عمقاً والتباساً، لأنها المهندس الحقيقي والرئيسي لتاريخ الحمايتين الفرنسية والإسبانية في "مفرب الأمس"، الذي بالمناسبة ليس هو "مغرب اليوم" بأي معيار من المعايير!!
ولأنهم لا يَمِلّون أبدا من البحث عن القش، وَلُّوا وجوهَهم شطر روسيا والصين، فخذلتاهم لأن لهما مع المغرب اتفاقيات ومعاهدات وشراكات تفوق في قِيَمها وأوزانها بكثير ما يجمعهما مع "جزائر الأمس"، التي ما زالت هي عين "جزائر اليوم"، دون أدنى تغيير يّذكَر، فلما لم يجدوا ما يتمسكون به، على مستوى هاتين القوتين العظميين، عادوا أدراجهم صوب "إيطاليا جورجيا ميلوني"، الكهلة الحسناء، "الماكرة مكراً كُبّارا". والتي تمارس معهم لعبةَ "هاتوا الغاز بأثمنة شبه مجانية مقابل وعودٍ وليس أكثر"... وما زالت تُلاعبهم وهم في غمرة سُكْرهم وعربدتهم لا يشعرون، ويغلب الظن أنهم لا يريدون أن يشعروا حتى لا تصدمهم اليقظة بواقعها الأسود!!!
ما الذي بقي أمامهم الآن أن يفعلوه غير أحد خيارين اثنين:
1- التخلي أولاً عن حلم تقعيد جمهوريتهم اللقيطة التي وضعوها ميتةً من رحمٍ ميّت... ثم التخلي بعد ذلك عن الحكم، وركوب أولى وأقرب الطائرات فرارا إلى أبعد كوكب مخافة الوقوع بين براثن المساءلة والمتابعة...
2- أو التحلّي برجولة مُفتَقَدة تاهت عنهم منذ تَنَكُّرِهم لأول عهودهم بمجرد عملية تقرير مصيرهم وفطامهم الفرنسي الجزئي، ثم المرور رأسا إلى تنفيذ تهديداتهم بشن الحرب علينا حِهاراً، وعندئذ سيكون عليهم أن يُعِدّوا العُدّةَ لعودةٍ "ميمونة" إلى أسطوانتهم المعهودة والمفضَّلة: "حكرونا المراركة"... وليس من المستبعد هذه المرة أن نعينهم على بثها بالأبعاد الأربعة، وبتقنيات الهولوغرام، لتكون درسا بليغاً وعبرة لم يَعتَبِر من أجيالهم الجديدة والقادمة...
ماذا إذَنْ عساهم أن يفعلوا بعد كل ما فعلوه وزيادة؟.. ذاك هو السؤال!!!
محمد عزيز الوكيلي/ إطار تربوي