أحمد فردوس: فصل المقال فيما بين عَلَّامْ الْخَيْلْ وَالْبَارُودْ وتْشَلْهِيبْ "الجُّوكِي" النَّمْرُودْ من اتصال

أحمد فردوس: فصل المقال فيما بين عَلَّامْ الْخَيْلْ وَالْبَارُودْ وتْشَلْهِيبْ "الجُّوكِي" النَّمْرُودْ من اتصال أحمد فردوس

تنبيه: كل تشابه في الشخصيات الواردة في النص هو محض الصدفة ليس إلا.

كانْ يا مكانْ، في سالفِ العصرِ والأزمانْ، كما تروي الحكاية في قبائل الرّجال الشّجعانْ، كان يسود السّلم والأمن والأمانْ، وكان الفرسان يقدّرون قيمة حرصهم على العرفانْ، وكان الناس يفتتحون يومهم بالنِّيّةْ والْبَرَكَةْ بلا بُهْتَانْ، ويشمّرون على سواعدهم بالجدِّ والإتقانْ. هكذا داع صيت سنابك الخيل والبارود على يد القبطانْ، ولم يستطع زحزحة أركان القبائل أي إنسانْ. وهكذا كان نبع الخير يتدفق بصفاء في الوجدانْ.

 

كانْ يا مكانْ قبل فوات الأوانْ، كانت "الْكَلْمَةْ" مفتاح العشق بين البعيد والقريبْ، وكانت سلالة الفرسان تشهر سلاح البارود عند كل دبيبْ، كما كانت تصهل الخيل في وجه كل غريبْ، وتدكّ بحوافرها أثر البليدْ، ولا تترك فرصة لمن ادّعى أنه قريبْ، وينوي السّيطرة على فؤاد الحبيبْ. سواء بالقوة أو ب "التْشَلْهِيبْ".

 

قبل أن يطال أوراق التاريخ النّسيانْ، يُحكى عن قبائل الرّجال الشّجعانْ، أن خيمة الفرسانْ، كانت سقيفة للحديثِ والتّشاوُرْ، وملاذا للسّؤال والتّحاوُرْ، وبيتا للعبادة والعيّادة والتّجاوُرْ. كانت الخيمة قبّة للجمع والذّكر والتّذاكُرْ، وسبيلا للعزّة والكرامة بدل التّنافُرْ.

ضرب الرّاوي كفّا على كفّْ، واستغرب لما وقع من تزوير للعُرْفْ.

وأنشد شذرات من عيطة "دَامِي" بقوله:

"دَامِي يَا دَامِي، هْوَاكْ عَدَانِي

عَدَانِي عَدَانِي، مْشَى وْخَلَّانِي

رْيَاضْ حْبِيبِي فِيهْ شِي وَرْدَاتْ

سْنَاحُ شِيبِي فِيهْ شِي بُولَاتْ

الْعَوْدْ مَنْ الجْدُودْ، مَا شِي مَنْ الْمُجُودْ

إِلَا تْكَلَّمْ الْبَارُودْ، كُونْ أَنْتَ مُجُودْ

دَازُو بِالِّليلْ، عْلَى ﮜْصَاصْ الْخَيْلْ

الْخِيَّالَةْ قَاسْحِينْ الْكَبْدَةْ مْشَاوْ بْلَا عَدَّةْ"

 

في عز استرجاع ملاحم بطولات فرسان الوطن على صهوة الخيول، وتمدد مواسم التبوريدة بأرجاء القبائل، يحكى والعهدة على الرّاوي، "أن نمرودا ساحرا أتَى، من خارج أسوار القبائل وادعى، أنه فارس مقدام من سلالة أهل الوغى. قادر على تحقيق حلم خير الورى. وإرجاع الحق لمن اكتوى. بحافر الخيل ونقع الغبار سمى. ملوّحا بقبعة السّحر والطّلاسم، "راميا قال أنا"، والحق أنه مقامر في مضمار سباق الخيل باع واشترى".

قال الرّاوي في حضرة الرّاعي: "لقد ضاعت الكرامة والنّخوة والعزّة في زمانهِ، وانتشر الحقد والظّلم والفساد بفعلهِ، وتجبّر واستقوى على غيرهِ، فتفرّق دَمُ الجيّاد والفرسان بين الواصفين من أمثالهِ" وأضاف الرّاوي قائلا وعينه تدمع: "نَصَبَ النّمرود المكائدَ، وأفزع الطرائدَ، واستولى على الغنائمْ، واستفرد بالبهائمْ، وغيّر الْعَادَةْ بالمظالمَ".

 

كانت عين عَلَّامْ الْخَيْلِ تدمعْ، وقلب الفارس القبطان يخفق بالوجعْ، حين بدّل النّمرود أعراف بارود الْمِدْفَعْ، وأرجع الخيمة مكانا لكل سمسار مُقَنَّعْ، وحوّل قوة الأفراس إلى سِلَعْ، وتاجر في نسل الخيول بجشعْ. دون أن يرفّ له جفن ولا قلب للخير اتّسعْ".

لم يتردد شاعرنا العربي في كشف الحقيقة، وانبرى للدفاع عن مهرة القبيلة فقال:

"يَا مُهْرَتِي، يَا مُهْرَتِي

يَا مُهْرَتِي، لَا تَبْكِي أَرْجُوكِ

وَإِنْ بَكَيْتِ، اِبْكِي عَلَى مَنْ نَسَوْكِ

لَا، لَا، لَا تِبْكِي أَرْجُوكْ

اِبْكِي عَلْى مَنْ بَدَّلَ عَنْتَرَةْ بِجُوكِي

حَلَقُوا غُرِّتِكْ، وَقَصُّوا ذِيلَكْ

نَسُّوكِ الْمِزْمَارْ

نَسُّوكِ الْمَوَاوِيلْ

نَسُّوكِ الطَّبْلِ وَالِّليلْ

وَعَلَى مَزِّيكَةْ الدِّيسْكُو يَا حِلْوَةْ رَقَّصُوكْ

آهْ يَا حَّيْ، آهْ يَا حَّيْ

كُنْتِ حُرَّةْ طَلِيقَةْ كَمَا الْأَطْيَارْ، يَا حَّيْ

صِرْتِ بَطَلَةْ نَوَادِ الْقِمَارْ يَا حَّيْ

بَعْدْ مَا كُنْتِ سَارْحَةْ حُرَّةْ فِي الْقِفَارْ

الْيُومْ فِي اِسْطَبْلْ الْقَدَايَشْ حَبَسُوكْ

يَا مُهْرَتِي لَا تَبْكِي أَرْجُوكِ

عَلَيْكِ الرِّهَانْ وَلَازَمْ تِكْسَبِي

يَا وِيلَكْ مِنَ الْكِرْبَاجْ لَوْ تِتْعَبِي

لِلْمُقَامَرَةْ صَارْ، النَّسْلِ الْعَرَبِي

لِلتَّسْلِيَةْ صَارْ، النَّسْلِ الْعَرَبِي

بَاعُوكِ الْفُرْسَانْ وَالْخَنَافِسْ اشْتَرُوكْ

يَا مُهْرَتِي لَا تَبْكِي أَرْجُوكْ

بِأَصْلِكْ بِنَسْلِكْ صِرْتِ دِعَايَةْ

فِي صُوَّرِ الْمَجَلَّاتْ، فِي صُوَّرِ الْعَرَايَا

فِي السِّرْكَ، فِي السَّبْقَ يَا أَغْلَى الْمَطَايَا

كِيفْ الْأَصَالَةْ سَمَحَتْ يَذِلُّوكِ

يَا مُهْرَتِي لَا تَبْكِي أَرْجُوكِ

شُفْتِكْ مَعَ الزِّيرْ سَالِمْ بِتِتْعَالِي

شُفْتِكْ مَعْ ابْنْ شَدَّادْ فِي الْعَلَالِي

شُفْتِكْ مَعَ أَبُو زِيدْ الْهِلَالِي

كِيفْ أَشُوفَكْ الْيُومْ وَفَارِسَكْ جُوكِي

يَا مُهْرَتِي لَا تَبْكِي أَرْجُوكِ

يَا بِنْتْ دَاحِسْ وَالْغَبْرَاءْ

يَا بِنْتْ الْأَبْجَرْ وَالْعَنْقَاءْ

يَا مُهْرَةْ عِيبْ خَدَعُوكْ

نِسِيتِي مَنْ أُمَّكْ وَأَبُوكْ

يَا مُهْرَةْ عِيبْ، يَا حِلْوَةْ عِيبْ، يَا عِينِي عِيبْ

يَا كَحْلَةْ عِيبْ، يَا شَقْرَاء عِيبْ، يَا زَرْقَةْ عِيبْ

عِيبْ يَا بِنْتَ الصَّحْرَاءْ

كُنْتِ فِي سَاحَةْ الْوَغَى

كُنْتِ تِلْحَقِي كُلَّ مَنْ طَغَى

كُنْتِ تَتَحَدِّي الْخَطَرْ

خَطْوِتِكْ تَقْدَحْ شَرَرْ

كُنْتِ تَجْرِي مِثْلْ هُبُوبِ الرِّيحْ

صِرْتِ تَجْرِي بِالإِبَرْ..."

ملاحظة : كل التقدير والإعتذار للشاعر الراحل عبد الله حداد