محمود التكني: ربع قرن من التنمية بالمغرب.. الصحراء نموذجا

محمود التكني: ربع قرن من التنمية بالمغرب.. الصحراء نموذجا محمود التكني
منذ اعتلاء الملك محمد السادس عرش اسلافه سنة 1999 وهو يقود ثورة هادئة بالبلاد مست جميع المجالات، بحيث لا يمكن الحديث عنها كلها بالتفاصيل لأنها غيرت ملامح المغرب برمته، فالخوض فيها يحتاج إلى إسالة مداد كثير لا يكفيه مقال سريع. ولهذا سأحصر الحديث عن قطار التنمية بالأقاليم الجنوبية على سيبل المثال لا الحصر وسأقوم باستعراض مجموعة من المحاور:
 
 
أولا: المجال الحقوقي:
هذا الصدد بدءا بالأوراش الكبرى وفي مقدمتها المجال الحقوقي، حيث قام المغرب بخطوة جريئة تدخل في التصالح مع الذات بإقراره مسؤولياته في تجاوزات لتطبيق القانون رغم أنها لم تكن سياسة ممنهجة بل كانت تجاوزات لأشخاص تحملوا المسؤولية في وقت سابق ولا يعدو الأمر أن يكون اجتهادات شخصية خاطئة أفضت إلى إحداث جروح عميقة في ذاكرة الوطن. بهذا امر جلالته بإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة التي واصلت الليل بالنهار من أجل استقبال ودراسة ملفات المتضررين وعملت على جبر ضررهم في أكبر خطوة لطي الألم و جراح الماضي وبعدها تم إحداث ديوان المظالم والمجلس الوطني لحقوق الإنسان كل هذا من أجل الحرص على تطبيق القانون والقطع مع التجاوزات  والخروقات التي يمكن أن تحدث.
 
ثانيا: السياسة الخارجية للمملكة:
لقد اتسمت علاقات المغرب الدولية في عهد محمد السادس بدبلوماسية ضبط النفس وعدم الانزلاق و التريث و كذا عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان، كما ظل المغرب يحافظ على علاقاته الدولية مع الدفاع الدائم من مبادئه في ما يخص السيادة الوطنية ومواقفه الثابتة، هذا بشكل عام، اما بخصوص ملف وحدتنا الترابية فقد مر بمرحلتين مهمتين من بداية حكم صاحب الجلالة إلى سنة 2015: المرحلة الأولى حيت ظل المغرب متشبثا بالقوانين الدولية التي تقرها الأمم المتحدة، فقبل سنتين من تقلد الملك الحكم كان هناك اتفاق هويستن اذي وضع معايير تحديد هوية الناخبين الذين سيشاركون في الاستفتاء الذي اقرته الهيئة الأممية حيث اعتبره المغرب استفتاء تأكيديا لمغربية صحرائه واعتبرته البولساريو استفتاء تقرير مصير، إلا ان هذه الأخيرة عملت على إفشال هذا الخيار وبعدها قام اعداء الوطن بمناورة تمثلت في خطة جيمس بيكر الثانية إلا ان المغرب وقف لها بالمرصاد ومنذ إحداث البعثة الأممية المكلفة بمراقبة وقف اطلاق النار وتنظيم الاستفتاء مينورسو ظلت الأمم المتحدة تمدد مهمة هذه البعثة كل سنة ، وقد عرفت الصحراء أحداثا كثيرة كان أبرزها تفكيك مخيم اكديم ازيك الذي خلف عددا كبيرا من الضحايا من القوات العمومية بسبب ما أبانه متزعمو هذه الاحداث من احترافية عالية في القتل و التنكيل بالجثث حيث اقدم احد المسلحين انذاك بالتبول على جثة رجل من الوقاية المدنية في إشهار كبير لسادية المخربين، الا ان المغرب تعامل باحترافية عالية لاحتواء هذه الأزمة وقد نشرت آنذاك جريدة اسبانية صورة لطفل فلسطيني مقتول مدعية ان القوات المغربية من قامت بهذا العمل الشنيع إبان أحداث المخيم، لكن ملف الوحدة الترابية سيعرف منعطفا جديدا منذ سنة 2015 حيث قام الملك محمد السادس بزيارة عدد كبير من دول أفريقيا جنوب الصحراء وانفتح عليها وأبرم عدة اتفاقيات مع دول القارة السمراء وصلت إلى 1000 اتفاقية و مذكرة تفاهم ، و بعدها سنة 2017 عاد المغرب الى كنفه الافريقي عبر الاتحاد الافريقي تاركا سياسة الكرسي الفارغ . وفي السنوات الأربع الأخيرة عرف ملف الصحراء تسارعا على مستوى الاعترافات الدولية بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية و كذا تأكيد وجاهة المقترح المغربي المتمثل في المبادرة الملكية للحكم الذاتي بالصحراء حيث طرح المغرب سنة 2007 مقترحه الذي تبنته مجموعة من الدول باعتباره الحل الأنسب لهذا النزاع المفتعل . و قد ترجمت مواقف هذه الدول على الأرض بفتح حوالي ثلاثين قنصلية بكل من الداخلة و العيون ناهيك عن الاعتراف الرئاسي الأمريكي بمغربية الصحراء وكذلك خروج كل من ألمانيا وفرنسا واسبانيا من المنطقة الرمادية في تعاطيها مع قضيتنا العادلة و لم تكن هذه الانجازات والانتصارات الدبلوماسية لتعريف طريقها إلى العلن لولا توجيهات وتعليمات ملك البلاد .دون أن ننسى اجتماعين للجن المشتركة بين المغرب وغينيا بيساو وملاوي واللذين عقدا بتاريخ 16 يوليو من هذه السنة على مستوى وزراء الخارجية وذلك بمدينة العيون كبرى حواضر الصحراء ولهذا الحدث دلالات قوية حيث تمثل تجسيد و تأكيد مواقف البلدين من عدالة قضيتنا ولقد تم قانونيا تقويم دور البوليساريو بالمنظمة الافريقية او بالأحرى وضعها في حجمها الحقيقي، وقد تصدى المغرب اكثر من مرة لمناورات كل من بريتوريا والجزائر حين تمت المطالبة بتوسيع مهمة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان بالصحراء المغربية إلا ان المغرب أسس هيكلا وطنيا لمراقبة المشهد الحقوقي في البلاد ، والحالة الثانية تمثلت في محاولة ادراج النزاع في اروقة المنظمة الافريقية، الان ان المغرب ظل يؤكد بأن الأمم المتحدة هي الهيئة المخول لها النظر في هذا الملف بشكل حصري. هذا غيض من فيض من انتصارات الدبلوماسية المغربية.
 
تالثا: التنمية والاقتصاد.
عرف المغرب ازدهارا كبيرا لا تخطئه العين المجردة و لطول الكلام في هذا الباب سأتطرق للنهضة التنموية بأقاليمنا الجنوبية ومن أجل هذا كان لا بد من إعادة التقسيم الجغرافي و جاء أكبر ورش اصلاحي متمثلا في الجهوية الموسعة للتوجه نحو اللاتمركز وقد أحدثت ثلاث جهات بالصحراء المغربية وعرفت هذه الجهات تطورا مزدهرا متمثلا فى تثمين البنية التحتية والطريق السريع الرابط بين تزنيت والداخلة أكبر دليل على هذا التوجه الملكي وكذلك بناء الميناء الدولي بالداخلة وفتح مؤسسات التعليم العالي بكل من كلميم واسا والطنطان والسمارة وطرفاية والداخلة والعيون حيث أحدثت كلية للطب، وفي إطار انفتاح المغرب على عمقه الافريقي أعطى جلالة انطلاق المبادرة الأطلسية وذلك في خطابه بمناسبة الذكرى الثامنة و الأربعين لانطلاق المسيرة الخضراء هذه المبادرة التي تضم حوالي ثلاث وعشرين دولة افريقية ستمكنها هذه المبادرة من الوصول إلى المحيط الأطلسي عبر ميناء الداخلة بعدما عبد المغرب طريق الكركرات سنة 2020 عبر عملية عسكرية محدودة وباحترافية عالية لتحرير المعبر الرابط بين المغرب ودول جنوب الصحراء عبر الجارة الشقيقة موريتانيا، و يعتبر أنبوب الغاز الرابط بين نيجريا والمغرب من أكبر مشاريع التعاون بمنطق رابح رابح حيث يبلغ طول هذا الأنبوب حوالي 5500 كلم ويمر عبر ثلاث عشرة دولة أفريقية اطلسية، وقد عمل المغرب على رفع استثماراته بالقارة السمراء ووسع من مجالاته ليشمل الأبناك و المواصلات والعمران وكذلك الخدمات ولم يقتصر فقط على التصدير كما تعتبر السوق الافريقية من الأسواق الواعدة في وجه صادرات المغرب وقد أصبح كل من الداخلة والعيون واجهتين استثماريتين لمجموعة من الفاعلين الاقتصاديين المغاربة والأجانب ودليل ذلك ما قامت به مجموعة من الدول من استثمارات كبيرة بحواضر الصحراء.
 
هذه إشارات مقتضبة وعاجلة رامت المرور بمجموعة من الإنجازات التي عرفها المغرب في العهد الزاهر لملك البلاد والتي أصبحت مثار إعجاب للأعداء قبل الأصدقاء، ولن يتوقف البلد عند هذه المكتسبات بقدر ما يصمم العزم على المضي قدما على سكة التنمية لنرى البلد و هو يلحق بمصاف الدول المتقدمة.