قال الأستاذ عبد الكبير طبيح، عضو مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء، أن مشروع قانون المسطرة المدنية سيسجل في تاريخ التشريع المغربي كأول مشروع قانون عرف من النقاش والانتقاد أكثر من أي مشروع قانوني آخر في الفترة الاخيرة. بالنظر للمشاركة الواسعة في هذا النقاش من قبل المحامين والقضاة والأساتذة الجامعيون والأحزاب وغيرهم من نساء ورجال القانون.
ومن خلال كثافة الندوات واللقاءات التي عقدت بالموازاة مع عرض هذا المشروع على لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، والمصادقة عليه، في انتظار استكمال مسطرة التشريع بعرضه على مجلس النواب في جلسة عمومية يوم الثلاثاء 23 يوليوز 2024، تقدم جريدة "أنفاس بريس"، بعض الملاحظات التي أثارت حفيظة ليس المحامين فقط، وإنما الفعاليات الحقوقية أيضا، بالنظر لكون المشروع يمس المكتسبات القانونية للمتقاضين وحقوقهم الدستورية..
* يطرح مشروع قانون المسطرة المدنية، وإلغاء قانون المسطرة الجاري به العمل، إشكالية العمل بالاجتهادات القضائية والعمل القضائي الذي راكمه المغرب لما يزيد على نصف قرن، وهو ما من شأنه التأثير على استقرار العمل القضائي وبالتبع لذلك على استقرار الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.
* مشروع القانون سيؤدي إلى تقليص حق المواطن في الولوج للعدالة، بسنه لمبالغ معينة لقبول التقاضي أو الطعن.
* مشروع القانون سيزيد على الضغط على القضاة من أجل الإسراع بالبث في عدد أكبر من الملفات.
* مشروع القانون يخلط بين من هو المسؤول عن الإدارة القضائية وبين مهمة إصدار الحكم.
* لم تعالج المسطرة المدنية في مشروعها المطروح إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية، وغالبا ما يعتقد المتقاضي أن نزاعه انتهى بصدور حكم لفائدته وذلك بعد معركة قضائية متعبة ومكلفة، والحال أن معركة التنفيذ قد تكون أشد وطأة من مرحلة التقاضي وقد ينفذ المقرر القضائي وقد لا ينفذ وتبقى الأحكام حبرا على ورق وقد تدوم هذه المرحلة مدة طويلة..
* المشروع يخالف روح الفصل 6 من الدستور.. من حيث عدم التمييز بين المواطنين فيما بينهم. وأيضا عدم التمييز بين المواطن والإدارة وغيرها من اشخاص القانون العام.
ووجه التمييز بين المواطنين يتجلى في كون المشروع يعتمد سقفا ماليا للسماح للمواطن بالولوج للقضاء من عدمه، ذلك أن المادة 30 من مشروع قانون المسطرة المدنية تنص على المواطن الذين يكون له نزاع حول مبلغ يصل الى 40 ألف درهم لا يحق له في الولوج الى ممارسة الطعن بالاستئناف. وبطبيعة الحال لن يكون له الحق في الولوج الى محكمة النقض مادام المادة 375 من المشروع تمنع الولوج للطعن بالنقض عندما يكون النزاع حول مبلغ التي لا تتجاوز 100 ألف درهم.
وهكذا سيخلق مشروع المسطرة المدنية تمييزا بين المواطنين مبني على المال سواء في نزاع بينهم كمواطنين او في نزاعهم مع الإدارة.
ونفس التمييز كرسه المشروع بين المواطن والإدارة وغيرها من أشخاص القانون العام.
وبالتالي فالمادة 383 من المشروع هي مخالفة ومتعارضة مع الفصل 6 للدستور بشكل واضح. ولا تحتاج الى أي تفسير لتوضيح ذلك التمييز.
* ضرب الحق في المحاكمة العادلة، إذ بالعودة إلى الصيغة التي كتبت بها المادة 5 من المشروع، يتبين منها أن الحق الذي سنه الفصل 120 من الدستور للمتقاضي سلب منه وأصبح المحكمة تواجه به المتقاضي اذ نصت المادة 5 من المشروع على إصدار القاضي لحكمه في أجل معين.. وبالتالي حسب الأستاذ طبيح، أصبح الأجل المعقول هو سيف على القضاة من أجل الاسراع بالبت في القضايا والتباري بالإحصائيات في نهاية كل سنة من جهة. دون أي إشارة في تلك المادة لمصلحة المتقاضي او في غيرها من المواد.
* المس بحق الولوج للعدالة، وفق مشاعر القاضي، حيث نص مشروع المسطرة المدنية على عدة قواعد جديدة ستحد من حق المواطن في الولوج للعدالة، وانزلت عقوبات مالية على المتقاضين، إذا ما اعتبر القاضي أن ذلك المواطن يتقاضى بسوء نية. فكيف سيغور القاضي في نفسية المتقاضي ليتحقق هل يتقاضى بحسن نية أم سوء نية.
* إخراج المحامي من العملية القضائية، حيث يهدف المشروع إلى التقليص من مهامه، والتضييق على عمله بشكل كبير وغير مسبوق..
فالمادة 87 من المشروع تلزم المحامي بأن يكون مساعدا للمفوض القضائي. فهي تلزمه عندما يسجل مقالا لموكله بأن يتسلم الاستدعاء من كتابة الضبط وبأن يوصلها للمفوض القضائي وبأن يسهر على تبليغها للطرف المدعى عليه.
وهكذا سيصبح المحامي مكلفا بالقيام بالعمل الذي يجب أن تقوم به المحكمة وكتابة الضبط أي ما يسمى بالإدارة القضائية. أي السهر على تبليغ أطراف الدعوى.
والخطير أن المادة 87 نصت على عقاب بالحكم بعدم قبول دعوى موكله إذا لم يبلغ الاستدعاء.
كما نصت نفس المادة على أن مكتب المحامي سيصبح مكانا لتبليغ الأحكام التمهيدية من خبرة وبحث ومعاينة وغيرها من إجراءات التحقق. مع ان هذه الاحكام التمهيدية قد تتعلق بالخبرة وقد يحدد القاضي مصاريف الخبير في مبالغ كبيرة أو صغيرة ويحدد أجلا لأدائها تحت طائلة صرف النظر عن الخبرة.
* المادة 127 وما بعدها من المشروع أبعدت حضور المحامي في الخبرة وحصرت للخبير وجوب استدعاء الأطراف ووكلائهم فقط.
* تغييب المحامي سيظهر كذلك في المعاينات التي قد تأمر بها المحكمة كما هو واضح من المادة 131 التي حصرت حضور المعاينة في أطراف الدعوى فقط. بينما لم تذكر تلك المادة وجوب استدعاء محاميهم.
* مكنت المادة 376 المواطن العادي من تقديم عريضة النقض أمام محكمة النقض عندما يكون له خصومة مع قاضي أو محامي، وهو ما يمس بالشروط التي تفرض على المحامي لكي يسمح له بتمثيل الأطراف امام محكمة النقض، وعلى رأسها ضرورة تجاوز ممارسة 15 من الممارسة وأن يقبل من طرف محكمة النقض.
كما ان المادة 376 من المشروع فتحت الباب لأي مواطن بصفته كشخص متعلم او غير متعلم كامل الأهلية أو ناقصها لكي ليقدم عريضة النقض امام محكمة النقض.
* منعت المادة 376 المحامي من تمثيل الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها وهيئاتها والوصية على الجماعات السلالية طالبة او مطلوبة.
وهكذا يتبين أن مشروع المسطرة المدنية يتراجع على أوضاع قانونية سابقة لم يتضرر منها أي كان.
* تراجعت المادة 395 على حق المحامي في الترافع أمام محكمة النقض وأوقفت ذلك الحق على شرط استجابة الهيئة لطلب المرافعة. بينما المسطرة المدنية الحالية تمكن المحامي أن يرافع أمام محكمة، كلما اعتبر أن من مصلحة موكله تقديم ملاحظات شفوية لتعزيز مقال الطعن.